يعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه صانع صفقات ويتخذ القرارات من منظور المعاملات، والسؤال الذي يجب أن يطرح ما الذي ربحه أو يأمل أن يجنيه بخضوعه للضغط في النهاية لفرض العقوبات؟
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مؤسسة الصناعات الدفاعية بالرئاسة التركية وفقا لقانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات لشرائها نظام الصواريخ الروسي أس-400.
تشمل العقوبات حظرا على جميع تراخيص التصدير الأميركية وعلى مؤسسة الصناعات الدفاعية وتجميد الأصول وقيود التأشيرات على رئيس المؤسسة إسماعيل دمير وموظفين آخرين.
لا يخلو هذا من المفارقات، فقد جاء هذا الإعلان في نفس اليوم الذي ثبّتت الهيئة الناخبة الأميركية فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. ويعدّ قرار فرض العقوبات التي طال انتظارها نعمة للرئيس المنتخب بايدن.
لكن، لندرس خلفية القرار أولا. يعتبر الرئيس دونالد ترامب نفسه صانع صفقات، ويتخذ القرارات من منظور المعاملات. فما الذي ربحه أو يأمل أن يجنيه بخضوعه للضغط في النهاية لفرض العقوبات؟
في السياسة الداخلية، ضغط كل من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، وخاصة في مجلس الشيوخ، على ترامب لفرض عقوبات قانون مكافحة خصوم أميركا على تركيا لشرائها الأنظمة الروسية. وستؤدي تصرفات ترامب إلى إضعاف أي جهود يبذلها الديمقراطيون لتصوير الجمهوريين على أنهم متساهلون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو نظيره التركي رجب طيب أردوغان وتوحيد الجمهوريين.
سيكون الحزب الجمهوري أكثر قدرة على جمع الأموال من الزملاء الذين أرادوا أن يفرض ترامب عقوبات لبعض الوقت، ولاسيما ليندسي غراهام وتوم كوتون، وبالتالي تحسين آفاقهم. فقد كان توحيد الحزب عاملا صغيرا ساهم في إنهاء مقاومة ترامب لفرض العقوبات.
الآن، نحتاج إلى النظر في العلاقات الحديثة بين إسرائيل والعديد من الدول العربية ذات الأغلبية المسلمة، وكذلك الحرب في سوريا.
كان إنهاء عزلة إسرائيل الدبلوماسية مكونا رئيسيا في سياسة ترامب الخارجية، وحقق تقدما كبيرا نحو هدفه. في المقابل، حاولت إدارة ترامب إقناع تركيا ببناء علاقة أفضل مع إسرائيل.
لإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، قاومت إدارة ترامب الدعوات لفرض عقوبات على تركيا، ولم تتخذ موقفا حازما عندما أدين موظفون أتراك في السفارة الأميركية بتهم ملفقة وعند سجن سركان غولغي، الباحث في وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، والذي يحمل الجنسيتين التركية والأميركية.
وفي سوريا، صور ترامب نفسه على أنه صديق أردوغان حتى يخفف الرئيس التركي من لهجته المناهضة لإسرائيل. لكن، لم ينل ترامب على ما كان يتوقعه في هذا الحوار أو أي تبادل آخر مع أردوغان بشأن سوريا.
يصعب تمييز أي مكاسب حقيقية مع تركيا تجاه هدف السياسة الأميركية المتمثل في تحسين العلاقات مع إسرائيل بالتزام الصمت أو دعم الإجراءات التركية في سوريا. ويبدو أن تركيا قلصت من مفعول العقوبات ولم تتكبد سوى القليل من الخسائر.
ومن زاوية أخرى، يؤدي رفض الولايات المتحدة اقتراح شراء تركيا لـ100 طائرة مقاتلة من طراز أف-35 إلى توفير مليارات الدولارات بالنسبة لها.
وبالإضافة إلى توفير الأموال، سيُمنع ضباط القوات الجوية التركية الذين يعتبرهم أردوغان جهات فاعلة رئيسية في محاولة الانقلاب في يوليو 2016 من الوصول إلى الأسلحة الجديدة عالية التقنية.
ومن جهة أخرى، سيلفت فقدان الحصول على التكنولوجيا الأميركية التي يفرضها قانون مكافحة الخصوم انتباه أردوغان نظرا إلى تأثيرها الكبير على صادرات الأسلحة التركية وسيكون الأمر بالتأكيد مهما لصناعة الدفاع التركية.
أمّا بالنسبة إلى مستشاري ترامب وحلفائه في مجلس الشيوخ، يتعارض فرض العقوبات مع فكرة أن ترامب يغض البصر بطريقة ما عن جهود بوتين لتقويض الناتو وأردوغان للتصرف بشكل مخالف لتضامن الحلف دون تداعيات.
لن يتعامل الآخرون (من داخل التحالف العسكري وخارجه) مع الولايات المتحدة بجدية إذا لم تفرض عقوبات على تركيا. إذا أراد الأعضاء أن تكون لتصريحات الناتو حول الحاجة إلى العمل الجماعي والتضامن أي وزن، فلا بد أن يكون هناك ثمن عندما ينكسر هذا التضامن.
يبقى كل ما ورد خلفية للقضية الأكبر: ماذا سيفعل بايدن عندما يؤدي اليمين في 20 يناير؟ هل سهّل ترامب جهود بايدن لإعادة أردوغان إلى عائلة الناتو والغرب أم صعّبها؟
أولا، مع فرض العقوبات الآن، لن يواجه بايدن أي ضغط من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، والعضو الديمقراطي الأعلى في لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس روبرت مينينديز، لتطبيق العقوبات، على الرغم من أنهم قد يطلبون توسيعها وتشديدها. ومن المؤكد أنه لن يواجه ضغوطًا من الكونغرس للتراجع عن فرض عقوبات قانون مكافحة الخصوم.
ثانيا، سيكون لبايدن نفوذ أكبر مع أردوغان، إذا كان الرئيس التركي يرغب في رفع العقوبات. ليس هذا مؤكدا بأي حال من الأحوال، لأن أردوغان نجح في الانتخابات بتصوير نفسه وتركيا على أنهما ضحيتان للقوى الغربية الشريرة.
لكن، قد يبحث أردوغان بشكل مكثف عن تغييرات صغيرة لمساعدته على الخروج من مأزقه الاقتصادي، حيث تؤدي خسارة صادرات الأسلحة إلى عواقب أكبر وتزيد الضغط على الاقتصاد التركي الهش بالفعل.
ثالثا، من خلال فرض عقوبات قبل تولي خليفته منصبه، صعّب ترامب، الذي غالبا ما يصور على أنه كاره للإسلام في وسائل الإعلام، على أردوغان أن ينتقد إدارة بايدن القادمة باعتبارها معادية للمسلمين. إذ تصور وسائل الإعلام بايدن سياسيا ذا تفكير شامل وتقدمي، ولن تحظى اتهاماته بالإسلاموفوبيا باهتمام كبير.
باختصار، من المرجح أن يدفع قرار ترامب بفرض عقوبات، في نفس اليوم الذي ثبّتت الهيئة الناخبة الأميركية فوز جو بايدن، أردوغان إلى:
أولاً، الابتعاد عن العداء تجاه إسرائيل. وثانياً التوقف عن التقرب من روسيا، وأخيراً تجنب تعطيل الناتو من الداخل.
بالطبع، يعتمد ذلك على مدى استعداد أردوغان لوضع احتياجات ومشاغل الشعب التركي فوق طموحاته في أن يكون اللاعب السياسي المهيمن في الشرق الأوسط الكبير والزعيم الإسلامي البارز في العالم.
إدوارد جي ستافورد – كاتب في موقع أحوال تركية – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة