قبل بضعة أيام، كان وزير الطاقة التركي فاتح دونماز، يعلن خلال استجواب برلماني، قطع الكهرباء والغاز الطبيعي عن نصف مليون أسرة تركية بسبب الديون، والعهدة على الراوي صحيفة «أحوال» التركية.
هل يعني الخبر المتقدم شيئاً ما للأغا العثماني ولحزب العدالة والتنمية، الذي قاد الأتراك إلى العجز عن دفع فواتيرهم الأولية، وبلغ أحدهم حد مصارحة إردوغان بأن المواطنين لا يجدون ثمن الخبز، فألقمه كيساً من الشاي، في منظر هزلي يليق بمسرحيات العبث لصمويل بيكيت ليس أكثر؟
باختصار غير مخل يبقى الاقتصاد هو وجه السياسة الآخر، وما تجري به المقادير في الداخل التركي من انهيارات اقتصادية، ليس إلا انعكاسات طبيعية ومتوقعة لأداء الحزب الذي أفقر تركيا، وزعيمه الذي وصفه الرئيس الأميركي المنتخب بايدن بالمستبد.
الأغا العثمانلي مشغول عن مواطنيه الجوعى بمغامراته الدونكشتوية في العراق وسوريا، واليمن وليبيا، غير عابئ بتفشي فيروس «كورونا» في أوساط شعبه، أو الجوع الذي بات يضرب بين جنباته.
إردوغان جعل من تركيا حاضنة للإرهاب، ثم مصدّرة له، ولم تعد بلاده محطة انتقالية للإرهابيين، بل أضحت معقلاً رئيسياً لهم، موجهاً بذلك احتياطي بلاده من النقد الأجنبي لتحقيق أهداف استعمارية في المنطقة، وفي اعتقاده أن ابتزاز أوروبا بورقة المهاجرين واللاجئين من جهة، وبالإرهابيين من جهة ثانية، ربما يدفع أوروبا لتقديم المساهمات المالية السخية اتقاء لشروره، مع أن الأوروبيين الذين سيجتمعون نهار غد الخميس، أقرب ما يكونون إلى إنزال عقوبات اقتصادية على تركيا المراوغة التي تلعب لعبة القط والفأر مع اليونان وقبرص.
منذ عام 2018 ومن وراء النظام الرئاسي الذي استبدله إردوغان بالنظام البرلماني، وتركيا تتراجع إلى الوراء، لا سيما أن حزب العدالة والتنمية بات كعرائس المسرح في يد الرجل الأوحد الذي أورث تركيا إرثاً ثقيلاً من الكراهية على المستوى الإقليمي، ورفضاً كبيراً على المستوى الدولي.
يتساءل الأتراك فيما بينهم، ما الذي حققه إردوغان وحزبه لنا من منافع حياتية من خلال العزف الممجوج على وتر الإسلام السياسي، والإرث المكروه من الخلافة البائدة التي أعيت العالمين العربي والإسلامي طوال خمسة قرون، وما الذي جنته تركيا من خلال جعل دروبها أوكاراً لجماعة «الإخوان المسلمين»، والتي ما أن تحل بموقع أو موضع إلا وتحيله رماداً بعد ركام، والنظر إلى النموذج السوداني قبل ثورة الشعب خير دليل على ما نقول به.
الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، والناشر هو الصحافة التركية، ومنها صحيفة «زمان»، التي أوردت مطلع الأسبوع الحالي بيانات استطلاعات رأي، حيث قال نحو 70 في المائة من المستطلعة آراؤهم إن الوضع الحالي للاقتصاد التركي سيئ جداً، لا سيما بعد أن قفز معدل التضخم النقدي في الداخل التركي إلى 24 في المائة وفقاً لآخر الإحصائيات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والاستطلاع لم تجره مؤسسة غربية، بل مؤسسة «جازيجي» للأبحاث التركية.
والشاهد، أن بقية الأرقام في الاستطلاع عينه تقودنا إلى القطع بأن أيام الأغا في الحكم معدودات؛ إذ بات نحو 48 في المائة من الأتراك يؤمنون بأن حزب العدالة والتنمية يدير البلاد بطريقة سيئة تضر بها وبمستقبل أبنائها، في حين أبدى نحو 61 في المائة قلقهم على حياتهم وعدم رضاهم عما يجري حولهم.
أما الضربة الكبرى للأغا العثمانلي، فقد تمثلت في تأييد النظام البرلماني وليس الرئاسي، حيث اكتشف الأتراك أنه وجه مقنع لديكتاتورية لا تناسب الزمان ولا المكان.
على عتبات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يبدو مشهد الاقتصاد التركي كارثياً، واستنقاذه بعيداً عن إعادة رسم الخيوط السياسية الخارجية من جديد شبه مستحيل.
في الأسبوع الأخير من نوفمبر الماضي نشرت وزارة السياحة التركية بيانات تشير إلى أن عدد السياح الأجانب الوافدين للبلاد انخفض بنسبة 60 في المائة، في حين سجلت الليرة التركية انخفاضاً بمعدل 1.3 في المائة مقابل الدولار، وفقدت الليرة التركية 26 في المائة من قيمتها هذا العام، و50 في المائة من تلك القيمة منذ عام 2017 لتصبح العملة الأسوأ في أداء الأسواق الناشئة.
لم ينقذ الاقتصاد التركي إقالة إردوغان لصهره ألبيراق، فقد اتسع الخرق على الراتق، وبات اقتصاد البلاد محاصراً، ذلك أن العودة إلى سياسات اقتصادية تحترم قواعد السوق الحرة قد تعني المزيد من تذبذب سعر الليرة التركية، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على ثقة الأسواق، والشهادة لكبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي التركي هاكان كار، الذي أطاح به إردوغان من منصبه العام الفائت.
هل الهرب الاقتصادي التركي إلى الخارج عبر رهن الأصول التركية يفيد في الفرار من دفع الضرائب المستحقة عن سياسات الأغا وحزبه داخلياً وخارجياً؟
صندوق الثروة السيادي التركي يسعى جاهداً لإتمام صفقة بيع 10 في المائة من بورصة إسطنبول، والطيران والمطار، لتسديد 430 مليار دولار مستحقة على أنقرة.
السؤال… من يعيد كهرباء الأغا المقطوعة؟
إميل أمين- كاتب مصري- صحيفة الشرق الأوسط