كان لقب “السلطان العثماني الجديد” يطرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويطرب سادته وأتباعه في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالرغم من أن مخترعي ذلك اللقب كانوا قد اخترعوه على سبيل السخرية.
لقد صدق الرجل أن الخلافة ستنبعث من بين يديه وسيكون سيدها الذي سيكون في إمكانه أن يعيد لها الاعتبار بعد أن تضطر أوروبا إلى الاعتراف بتفوقه وعبقريته التي تمكنه من ابتزازها في أي لحظة يشاء.
وكان سلوك أوروبا بضغط من ألمانيا غريبا في موضوعة اللاجئين حين قبلت أن تهبه مليارات مقابل أن لا يغرقها بأمواج من اللاجئين السوريين. كان ذلك السلوك ينطوي على قدر هائل من التواطؤ الذي كان من الصعب تفسيره في حينه. وهو ما شجعه على القيام بمغامراته في شمالي سوريا والعراق وهما بلدان منتهكان ولا يتمتعان بأي سيادة.
لم تكن أوروبا معنية بشكل مباشر بتلك المغامرات البائسة ولم تظهر اهتمامها بتحول أردوغان إلى متعهد للإرهابيين الذين صار يوزعهم بين مختلف الفصائل المقاتلة السورية بعد أن يكون قد قبض الثمن.
في لحظة بدأ أردوغان كما لو أنه قد أخذ الضوء الأميركي الأخضر لتنفيذ مشاريعه التي يخدم من خلالها مصالحه الشخصية حيث كانت الأموال تتدفق عليه ومصالح جماعة الإخوان المسلمين التي صار أفرادها ينظرون إليه باعتباره إمام عصرهم.
غير أن لحظة الصدام بروسيا حين أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة روسية كان من الممكن أن توقظه من غفلته بعد أن تعرض لإذلال لم تعنه الولايات المتحدة وأوروبا على مواجهته. لقد صفعه بوتين في اللحظة التي تخلت عنه الدول التي اعتقد أنها تناصره في حربه ضد روسيا في سوريا.
لم ينتبه إلى أن خطأه يكمن في أنه حاول أن يجلس مع الكبار.
لذلك أعماه وهمه السلطاني فصدق أن مغامرته في ليبيا ستكون شبيهة بمغامراته السابقة على الحدود التركية وستمر بسلام وسينعم بوجود فائض شرق المتوسط وتحل قواعده العسكرية في شمال أفريقيا بالطمأنينة التي حلت بها في دولة قطر.
لذلك فإنه تلقى صفعة أوروبية لم يكن يتوقعها من خلال الموقف الأوروبي من مسألة وجود تركيا شرق المتوسط غير أن ما كان فاجعا بالنسبة له أن يخسر ليبيا.
كان مشهده رثا وهو يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا وطرد المرتزقة الأجانب منها. وهو ما يعني القضاء على الحلم الأردوغاني في استنزاف ثروات ليبيا من خلال استمرار الحرب فيها. كما أن عودة مرتزقته إلى تركيا تعني توقف الهبات التي كانت تذهب لحسابه الشخصي.
لأول مرة في حياتي أرى سياسيا يكاد أن يبكي بسبب السلام. لم يتمالك أردوغان نفسه وهو يقول “إنني أشك في أن ذلك الاتفاق سيصمد”. كان الرجل يرثي مشروعه ويقنع المعزين بتأجيل زيارتهم.
حدث نادر في التاريخ السياسي فعلا.
لقد ظهر بطريقة يحرص السياسيون على أن لا يظهروا بها. هذا هو أردوغان الحقيقي. إخواني شرير وحاقد يكره أن تنعم الشعوب بالسلام.
وكما يبدو فإن تاريخ أردوغان هو مجموعة متلاحقة من حلقات سوء الفهم.
لقد اعتقد أن الخلاف الغربي مع روسيا يتيح له أن يتطاول عليها.
في لحظة أخرى ظن أن ألمانيا التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى أن يدفع له ثلاثة مليارات يورو لتركيا من أجل أن تسيطر على اللاجئين ستقف معه في مغامرته شرق المتوسط.
وأخيرا كان في ليبيا ممثلا للولايات المتحدة وفاته أنها لا تريد لأحد أن يتدخل في شؤون ليبيا.
رجل حزين بخسارات متلاحقة أردوغان هذا. هو الآخر كان سلطانا مهزوما في ليبيا.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – صحيفة العرب
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة