تواجه سوريا اليوم ولأول مرة بتاريخها تحدٍ وجودي حقيقي ووصل الوضع فيها إلى مفترق طرق بالغ الدقة وعالي المخاطر ومفتوح على كل الاحتمالات، ويفقد السوريون كل ساعة شيء من قدرتهم ودورهم في تقرير مصيرهم لصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، إن لم يتحركوا سريعاً لإيجاد حل سلمي في البلاد.
بهذه الكلمات وصف، سلمان شبيب، رئيس حزب “سورياً أولاً” الأوضاع في سوريا، بعد أكثر من 9 سنوات على الحرب المدمرة في البلاد، التي أتت على الحجر والبشر. في حوار مطول مع شبكة “أوغاريت بوست الإخبارية.
ويرى شبيب أن الفوضى التي تشهدها المنطقة هي تمهيد ومقدمة لإعادة رسم خرائطها من جديد بما يتناسب مع مصالح القوى المهيمنة على العالم على غرار سايكس بيكو، مستبعداً أي تغيير في الموقف الأمريكي من سوريا بمعزل عن سياساتها في مواجهة إيران وفي إطار صفقة كاملة لكل ملفات المنطقة ومن أهمها ما سمي بصفقة القرن.
الأزمة السورية في عامها العاشر، ومسار الحلول السياسية، وتداعيات قانون قيصر كانت محاور رئيسية في الحوار الذي أجرته شبكة “أوغاريت” بوست مع رئيس حزب سوريا أولاً، سلمان شبيب، وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
ـ كيف تقيمون الوضع السوري بعد أكثر من 9 سنوات على الحرب المدمرة في البلاد، وما مصير الحل السياسي الذي تأمل السوريون تحقيقه في أعقاب تشكيل اللجنة الدستورية، وما هي فرص نجاحه في ظل هيمنة الأجندات الأجنبية على الأطراف السورية؟
لاشك أن تطورات المشهد السوري ومساره عبر تسع سنوات من الحرب والتدخلات الإقليمية والدولية قد وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة والتعقيد بحيث يمكن القول بكل أسف أن سوريا تواجه اليوم ولأول مرة بتاريخها تحدي وجودي حقيقي، فعلى أرضها تتواجد جيوش لدول عظمى ودول إقليمية تمثل مشاريع مختلفة ومتصادمة وبينها الكثير من تناقض المصالح وصراع الإرادات بحيث يبدو وكأن كل دولة قد اقتطعت جزءاً من سوريا ووضعته إما تحت الاحتلال المباشر أو الهيمنة مما يجعل شبح التقسيم جاثماً على الأرض وعلى صدور السوريين وعقولهم وأصبح الوطن السوري والشعب السوري وقود لصراعات المشاريع والحروب على الأرض السورية وفي المنطقة كما يحدث في ليبيا حيث تجند تركيا الشباب السوري وتنقله ليقاتل مع حكومة الوفاق وتجند شركة “فاغنر” الروسية شباب من جهات أخرى وتنقلها للقتال مع حفتر بحيث يواجه الشباب السوري بعضه على أرض ليبيا مدفوعاً بالحاجة الاقتصادية التي تضغط بقسوة على كل السوريين ماعدا قلة قليلةع استفادت من الحرب لتجمع ثروات هائلة
ويأتي هذا الوضع الاقتصادي الكارثي الذي أوصل القسم الأكبر من السوريين إلى حدود المجاعة ليكمل قتامة المشهد السوري الحافل بموجات التهجير التي استنزفت كوادر وخيرات سوريا والدمار الكبير الذي لحق بالمدن والبلدات وانغلاق أفاق إعادة الإعمار، باختصار يمكن القول إن الوضع السوري وصل إلى مفترق طرق بالغ الدقة وعالي المخاطر ومفتوح على كل الاحتمالات
أما مصير الحل السياسي فلا يوجد حتى اليوم ما يوحي بالتفاؤل بخصوصه لغياب التفاهمات الإقليمية والدولية وعدم جدية الأطراف الداخلية التي فضحتها جولات التفاوض التي جرت بجنيف والمسار المتعثر للجنة الدستورية حيث كانت تذهب الوفود وليس لديها أي نية للوصول إلى حل بل كانت النية واضحة لإفشال المفاوضات وقناعتي أنه حتى اليوم لا النظام السياسي القائم في سوريا ولا المعارضة بهياكلها المعروفة الممثلة بهيئة التفاوض وباللجنة الدستورية لديهم نية أو رغبة بالوصول الى حل سياسي، أما الشعب السوري صاحب المصلحة الحقيقية بالحل فهو غائب أو مغيب وسأكون صريحاً وأقول أننا كسوريين نفقد كل ساعة شيء من قدرتنا ودورنا في تقرير مصيرنا لصالح القوى الإقليمية والدولية الفاعلة وخاصة أمريكا وروسيا الذي أصبح الحل مرتبط بشكل أساسي باتفاقهما.
ـ أنتم في “حزب سوريا أولاً” كجزء من معارضة الداخل، كيف يمكن لهذه المعارضة أن تؤثر في مسار الحل السياسي، وما هي فرص خلق جسم سياسي جامع لمعارضة الداخل بعيداً عن الأجندات الخارجية؟
نحن في حزب سوريا أولاً وفي التيار الوطني السوري ومنذ انطلاقتنا كان موقفنا واضحاً بضرورة الوصول إلى حل سياسي يقوم على شراكة وطنية حقيقية وينسجم مع المصالح العليا للسوريين بمختلف مكوناتهم وليس مجرد تسوية سياسية تقوم على توازنات مصالح الدول المتورطة بالحرب السورية يمكن أن تهتز وتسقط عندما تتغير هذه المصالح وهذا يقتضي تخلي السلطة عن نهج الهيمنة والاقصاء واحتكار العمل السياسي وفتح أبواب الحريات وإطلاق قوى الشعب المكبلة من خلال حرية إنشاء النقابات ومنظمات المجتمع المدني وتشكيل الأحزاب وحرية عملها والاعتراف بوجود المكونات غير العربية واحترام الحقوق المشروعة لهذه المكونات أي الاعتراف بوجود شركاء في الوطن يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية، ولكن مع الأسف كان هناك تهميش متعمد لدور معارضة الداخل وتغييبها وابعادها عن المشهد السياسي وهذا الأبعاد شارك به النظام والدول الفاعلة وحتى المبعوثين الدوليين
لكننا نحاول ضمن الظروف والامكانيات البسيطة المتوفرة أن نقوم بواجبنا من خلال الدفع والمطالبة بالإسراع بالوصول إلى حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ الذي وافق الجميع عليه ونرى بأنه معقول ومتوازن كما أننا في حزب سوريا أولاً وفي التيار الوطني السوري نتواصل ونمد يدنا للجميع ما عدا الجماعات المصنفة كتنظيمات إرهابية ونشجع السوريين على المطالبة والضغط للوصول إلى حل سياسي ينهي هذه المحنة الكبيرة
أما فرص الوصول إلى جسم سياسي موحد لمعارضة الداخل فالحقيقة المرة أن معارضة الداخل تعاني الكثير من الأمراض التي تعانيها معارضة الخارج ولم تنجح كل المحاولات لتوحيد رؤيتها ولو حول الخطوط الوطنية العريضة ولا أرى حالياً في الأفق إمكانية حقيقة للنجاح
لكننا في حزب سوريا أولاً والتيار الوطني السوري نتلمس تبلور تيار ثالث بعيداً عن ثنائية السلطة والمعارضة بدأ يرفع صوته للمطالبة بالحل ويخرج من حالة الصمت والترقب ونحن نعتقد أن واجبنا ودورنا اليوم هو تشجيع هذا التيار ليصبح فاعلاً أكثر ونراهن عليه أنه سيغير الكثير بصورة إيجابية في تطور الأحداث
ـ برزت ساحات ساخنة أخرى في خضم صراع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية في مقدمتها ليبيا، كيف سيؤثر ذلك على الملف السوري، وهل يخفف ذلك من تأثير القوى الأجنبية في البلاد في ظل نقل الكثير من مسلحي المعارضة والأجانب من سوريا إلى ليبيا؟
المنطقة كلها تعيش حالة من الحروب والقلاقل والاضطرابات السياسية المتفجرة وكأننا وصلنا فعلاً الى حالة الفوضى الخلاقة التي بشرت بها رايس ويجب الاعتراف أن أمريكا نجحت إلى حد كبير في إدخال المنطقة بها وأن طبيعة الأنظمة القائمة قد جعلت مع الأسف مهمتها بمنتهى السهولة ونخشى فعلاً من أن تكون هذه الفوضى تمهيد ومقدمة لإعادة رسم خرائط المنطقة من جديد بما يتناسب مع مصالح القوى المهيمنة على العالم اليوم كما كانت تقسيمات وخرائط سايكس بيكو متناسبة مع مصالح صانعيها
وأعتقد أن تفجر ساحات صراع إضافية سيعقد المشهد أكثر وسيعيد خلط الأوراق من جديد كما نرى في ليبيا حيث تقف روسيا وتركيا على طرفي نقيض وحتى سوريا وإيران غير متفقين بالرؤية والموقف من الأوضاع في ليبيا وهذا الخلط الجديد بالأوراق سيعرقل الجهود السياسية المتواضعة التي تبزل لإيجاد حل سياسي في سوريا أما نقل آلاف المسلحين من سوريا الى ليبيا فلا أعتقد أنه سيلعب دور كبير ومؤثر لوجود فائض كبير من السلاح والمسلحين لكنه قد يساعد على حلحلة بعض العقد التقنية الصغيرة إذا كان هناك توافق على الحل
ـ يرى مراقبون أن هناك تغيراً في الموقف الأمريكي من الحكومة السورية ورئيسها بشار الأسد، مستندين إلى تصريحات جيمس جيفري الأخيرة حول عدم سعي واشنطن لتغير النظام في دمشق، وكذلك ما أورده بولتون في كتابه حول مساعي ترامب للتواصل مع الأسد، ما رأيك؟
أمريكا لا تتعامل مع الملف السوري كملف منعزل عن الملف الأكبر الذي تضعه كعنوان لسياستها في المنطقة وهو الصراع المفتوح مع إيران
طبعاً هناك عناوين فرعية تشتغل عليها الإدارة الأمريكية لهذا من الصعب تصور تغير جدي بالموقف الأمريكي من سوريا إلا في إطار صفقة كاملة لكل ملفات المنطقة ومن بينها وربما أهمها ما سمي بصفقة القرن التي في حال نجاحها ستغير وجه المنطقة كلها أما كلام جيمس جيفري فربما يعكس تقدم ما حصل في الاتصالات الروسية الأمريكية المتواصلة حول سوريا أو أنه يأتي في إطار سياسة تبادل الأدوار في الإدارة الأمريكية بين موقف متصلب وموقف أقل تصلباً والتي وصلت قبل سنتين إلى تصريحات متضاربة ومتناقضة تصدر من أطراف في الإدارة الأمريكية حول سوريا
بشكل عام نحن نرى أنه يجب النظر والتعامل بإيجابية ومرونة مع أي مبادرة واستغلال أي فرصة لتحسين ظروف السوريين وتخفيف الضغط والحصار عليهم ولتحسين فرص نجاح الحل السياسي
وقد نشهد في الفترة القادمة موقف أوروبي أكثر انفتاحاً يمهد لجهود تواكب تحركات روسيا لإنهاء حالة الجمود السياسي التي يعيشها الملف السوري
ـ في تصريحات وزير الخارجية السورية الأخيرة قلل من تأثيرات قانون قيصر على سوريا رغم الأزمة الحادة لليرة والاقتصاد الأمر الذي اُعتبر تكابر من قبل الحكومة السورية على تبعات القانون، ما تفسيركم لذلك على ماذا تعول الحكومة برأيكم؟
لا يمكن نكران الوضع الاقتصادي القاسي جداً الذي تعيشه سوريا ويترك تأثيرات مدمرة على حياة السوريين وبالتأكيد يشكل قانون قيصر أحد الأسباب الأساسية لذلك لكنه ليس الوحيد فهناك أشكال مختلفة من العقوبات وأنواع متعددة من الحصارات المفروضة على سوريا وهناك سياسات اقتصادية خاطئة على مدى عشرات السنين أدت الى تدمير ممنهج للقطاعات الانتاجية في سوريا لصالح عدد من الحيتان المرتبطين بمراكز السلطة والنفوذ يضاف إلى ذلك تغول الفساد وخاصة في سنوات الحرب وتحالفه مع أمراء الحرب وملوك المعابر بالإضافة إلى ما تركته سنوات الحرب من خراب وتدمير طال كل مفاصل البنية التحتية وأخرج آلاف المعامل والمنشأة من عملية الانتاج وانعكس على الزراعة بأضرار فادحة واصيبت الثروة الحيوانية بكوارث
وهناك سبب رئيسي يتمثل بسيطرة أمريكا على الثروات النفطية والغذائية الموجودة بالجزيرة السورية
نحن لا نتوافق مع رأي الحكومة الذي عبر عنه وزير الخارجية الذي يقلل من مخاطر وتأثيرات قانون قيصر لكننا نرى أن هذا القانون يستهدف كل السوريبن وسينعكس بالدرجة الأولى على حياة الطبقات الأكثر فقراً وهو قانون ظالم واجرامي ولا يمكن تبريره أبداُ
ونحن ندين كل الانتهاكات المروعة التي حدثت لحقوق الانسان في سوريا وكل الجرائم والمجازر التي ارتكبت بحق السوريين ونطالب وبإصرار بمحاسبة مرتكبيها بغض النظر عن الجهة التي ينتمون إليها
بالتأكيد الدولة السورية لديها الكثير من الامكانيات والعلاقات التي إذا أحسنت استخدامها قد تستطيع مواجهة قانون قيصر وتقلل من أضراره
ونحن في حزب سوريا أولاً والتيار الوطني السوري ندين قانون قيصر وكل العقوبات الظالمة المفروضة على الشعب السوري تحت عناوين إنسانية تستخدم لأهداف سياسية ونطالب برفعها فوراً وهي لن تؤدي أبداً الى اضعاف النظام بل الى تجويع الشعب السوري
– ما هو تصوركم كحزب سوريا أولاً لحل الأزمة السورية؟
نحن في حزب سوريا أولاً نرى أننا كسوريين لا نملك ترف الخلافات الأيدولوجية وأن وطننا سوريا في خطر حقيقي ولن ينقذه إلا الحل السياسي ولابد لكل من يريد أن تبقى سوريا على خارطة العالم أن يتحرك مهما كان موقفه السياسي وموقعه لنساهم جميعاً في إنقاذ بلدنا وإذا توحدت إرادة السوريين تستطيع أن تغير في مجرى الأحداث التي تجري حتى اليوم بعكس مصالحهم
لدينا قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وهو بمثابة خارطة الطريق للحل لنتمسك به ونعمل على تطبيقه للوصول الى حل سياسي يهيأ لإطلاق مشروع وطني جامع لكل السوريين وللوصول إلى هذا الهدف
لابد من تنازلات ومرونة من الجميع ومن يتنازل يتنازل لسوريا وليس لطرف أو لشخص وسوريا تستحق.
حوار: رزان أيوبي