إذا ما انتهت الحرب، وهو ما تقرره الأطراف الضامنة لاستمرارها، فإن إحياء سوريا سيكون رهينا بعبقرية السوريين في البناء والتي لا يشك أحد بوجودها.
نحن الآن في العام العاشر من الحرب السورية. هُدمت المدن السورية وشُرد أكثر من عشرة ملايين من السوريين بين لاجئ ونازح ومهجر. وقبل ذلك هناك مئات الألوف من القتلى هم ضحايا ذلك النزاع الهمجي.
هُزمت الأطراف المحلية كلها؛ معارضة وموالاة على حد سواء. أما التنظيمات الإرهابية التي جُلبت من الخارج فقد جرى سحبها وأعادت الشركات أفرادها إلى دولهم خفية، أو عن طريق تواطؤ أجهزة المخابرات في تلك الدول. في ذات الوقت حصلت روسيا وإيران وتركيا على مواطئ قدم على الأراضي السورية؛ كل واحدة حسب قوتها وحجم مصالحها.
ما يهمنا هنا أن نتيجة الصراع بين الفريقين السوريين كانت صفرا.
وهو ما يؤكد أن السوريين جميعهم خرجوا من السباق مهزومين.
سيعيش العالم أزمة اقتصادية كبرى. لا يحتاج إقرار ذلك إلى أية قدرة على التكهن. لذلك فإن إعمار سوريا سيكون حلم السوريين الذي لن يرى النور على الأقل في العشرين سنة القادمة
النظام ومعارضوه خرجا مهزومين. غير أن سوريا كانت وستظل الضحية المثالية. فبعد كل هذا الخراب ليست لدى النظام فكرة عملية من أجل إعمارها، كما أن المعارضة لا تملك ما تقدمه بعد أن أفلست خططها النظرية في التحول الديمقراطي. سيكون من المضحك الحديث عن الدستور الذي يفكر البعض في كتابته. هناك خراب يحتاج الخروج منه إلى مئات المليارات لن يدفعها أحد ولن يتم الحصول عليها من أي جهة مالية دولية. ناهيك عن أن الدول التي وقفت مع النظام عبر السنوات الماضية لا تملك ما تقدمه زيادة على ديونها المترتبة على سوريا.
سوريا اليوم هي الأرض الخراب.
ما تنتجه اليوم على مستوى المحاصيل الزراعية يكاد يكفي مَن بقي من سكانها داخل حدودها بعد أن كانت قبل الحرب تغرق أسواق الخليج بصادراتها الزراعية بعد تلبيتها لحاجة السوق المحلية.
وإذا ما عرفنا أن سكان سوريا واقعيا هم اليوم أقل من ثلثي سكانها الحقيقيين، يمكننا أن نتخيل صورة الكارثة الغذائية. ذلك ما عبر عنه انهيار الليرة في سوق العملات وهو ما أدى بالضرورة إلى تلاشي الطبقة الوسطى التي كانت سوريا واحدة من الدول القليلة التي حافظت عليها.
صحيح أن سوريا لم تكن يوما ما من البلدان المتينة اقتصاديا، غير أنها كانت مكتفية ذاتيا عند حدود معينة. لم يُعرف عنها إقبالها على القروض مثلا، فلم تكن مديونيتها تستحق الذكر. غير أن تكلفة الحرب كانت باهظة، وهو ما لم يكن في الإمكان التحكم به من قبل مؤسسات الدولة التي صارت رهينة لإرادة مجنونة ليس في إمكان أحد أن يقف في وجهها.
كانت إرادة الاستثمار في الموت أقوى من أية إرادة أخرى.
النظام ومعارضوه خرجا مهزومين. غير أن سوريا كانت وستظل الضحية المثالية. فبعد كل هذا الخراب ليست لدى النظام فكرة عملية من أجل إعمارها، كما أن المعارضة لا تملك ما تقدمه
لقد تم إعدام الصناعات التقليدية في مدن تميزت بها مثل حلب التي دُمرت ولن يكون من اليسير القيام بإحياء تلك الصناعات، لا لشيء إلا لأنها ارتبطت بسياق زمني تم وقفه وبنوع من المزاج تم إحباطه، إضافة إلى أن السوريين قد تغيروا أو لنقل إنهم انقلبوا على أنفسهم بعد أن زُلزلت الأرض من تحت أقدامهم.
سوريا القديمة لن تتم استعادتها حتى لو رغب السوريون في ذلك.
في أحسن الأحوال ستكون هناك سوريا جديدة لا تمتّ للسوريين بصلة. وتلك أمنية كان من الممكن أن تجد طريقها إلى النور في سياق وضع اقتصادي عالمي غير الوضع الذي سيعيشه العالم بعد أن تمر عاصفة كورونا.
سيعيش العالم أزمة اقتصادية كبرى. لا يحتاج إقرار ذلك إلى أية قدرة على التكهن. لذلك فإن إعمار سوريا سيكون حلم السوريين الذي لن يرى النور على الأقل في العشرين سنة القادمة.
إذا ما انتهت الحرب، وهو ما تقرره الأطراف الضامنة لاستمرارها، فإن إحياء سوريا سيكون رهينا بعبقرية السوريين في البناء والتي لا يشك أحد بوجودها.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة