أصل السؤال ما أثاره مؤخراً الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين بأن «خروج الرئيس السوري وللأبد من الحكم بات قريباً، وتحديداً في شهر يوليو (تموز) القادم؛ حيث سينهي عشرين سنة في الحكم بعد أن أنهى تدمير بلده وتشريد شعبه»، الأمر الذي أثار بدوره موجة من التعليقات والتساؤلات لا تزال حاضرة وتتفاعل إلى الآن.
كثيرون هم من دعوا إلى إهمال الخبر وعدّوه غير جدّي أو لا يستحق الاهتمام، تحدو بعضهم حالة من الإحباط والمرارة من زيف وضلال مثل هذه التوقعات التي تكررت خلال السنوات الماضية، بما في ذلك تحديد أزمنة ومواعيد لم تتجاوز الأسابيع وأحياناً الأيام، لنهاية النظام السوري! وبعضهم لأنهم لا يجدون في إشارة هذا الإعلامي الإسرائيلي، بصفته مستشاراً في مكتب رئيس الوزراء، أكثر من رسالة ضغط على النظام غرضها لجم رغبته في تعزيز تعاونه مع طهران وتمكين ميليشياتها من التغلغل والإمساك بالوضع السوري. والبعض الثالث لأنهم يعرفون جيداً من هو إيدي كوهين وخبروا دوره المغرض في بثّ معلومات وابتكار حكايات تمسّ ظواهر حساسة تشغل بال الناس في محاولة للتأثير على الرأي العام، وربما لاعتقادهم أن حكومة تل أبيب ومراكز أبحاثها، تتقصَّد، عبر كوهين وأمثاله، إطلاق شائعات الغرض منها جسّ نبض الشارعين العربي والسوري تجاه قضية محددة وربما لقياس التبدُّل الذي طرأ على حالة العداء من قبلهما تجاهها.
في المقابل، ذهبت قلة إلى تصديق الخبر واعتماده، بل وحاولوا جهدهم دعمه بالدوافع والأسباب والبناء عليه في قراءة المستقبل السوري؛ منهم من ربط صحته وتوقيته بما يعدّونه تراجع النفوذ الإيراني في سوريا في ظل تداعيات العقوبات الاقتصادية على سلطة طهران وما تكابده من ضربات إسرائيلية طالت أهم مراكزها الأمنية والعسكرية في البلاد، خصوصاً مع تنامي النقمة الشعبية السورية على طهران جراء انتشار جائحة «كورونا»؛ إنْ بتحميلها مسؤولية نقل الفيروس إلى سوريا مع ضعف إمكانية ضبط الحدود التي تسيطر عليها ميليشياتها، وإنْ بتقصُّدها تعطيل إجراءات الحجْر الصحي على المراقد الشيعية، خصوصاً في منطقة السيدة زينب، جنوب شرقي دمشق. بينما وجد آخرون أن هذا النبأ أشبه بتحصيل حاصل لما يسمونه تغييراً في الموقف الروسي من النظام، حيث إن قيادة الكرملين لم يعدْ لديها، برأيهم، ما يشجعها على التمسك بالرئيس السوري، بل على العكس، باتت جاهزة لإطاحته وتحميله تبعات ما ارتكب في مسار الصراع واستبدال شخص أكثر موثوقية وقبولاً به، تحدوها قلة وفائه أو عدم التزامه بعض الخطوات الروسية لترتيب البيت السوري، بل سعيه، غير مرة، بالتعاون مع حليفته إيران، لنقضها أو تجاوزها، والأمثلة كثيرة، كانقلابه على بعض المصالحات التي رعتها موسكو في سوريا، ثم إعاقته جهود روسيا في إنهاء فوضى السلاح وتطويق ما أفرزته سنوات الحرب من ميليشيات وجماعات مسلحة تحت اسم «اللجان الشعبية»، عبر إلحاقها بتشكيلات الجيش السوري، وأيضاً خرقه، غير مرة، قرارات وقف إطلاق النار التي اتخذتها موسكو مع أنقرة في أرياف حلب وإدلب. في حين ذهب البعض الأخير إلى قرن صحة الخبر وتوقيته بإلحاح الحاجة لإعادة الإعمار في سوريا مع التردي غير المسبوق للوضعين الاقتصادي والمعيشي، وهؤلاء لم يترددوا في التعويل على هذا التغيير لإرضاء الغرب والولايات المتحدة، وتشجيع الدول الإقليمية على الدخول بقوة في مشروع إعادة الإعمار، خصوصاً بعد أن تلقى هذا المشروع ضربة قوية جراء تشديد العقوبات على النظام السوري وداعميه بفعل «قانون قيصر» الذي صدر مؤخراً، وبعد قرار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة بتحميل هذا النظام، للمرة الأولى، مسؤولية 3 هجمات بالغازات السامة، في بلدة اللطامنة بريف حماة عام 2017.
لكن؛ وبغض النظر عن الهدف من إطلاق إيدي كوهين هذه الشائعة، فإنها تكشف عن 3 حقائق مؤلمة باتت تحكم وتتحكم في الوضع السوري:
أولاً: مدى العجز والارتهان الذي وصلت إليه البلاد اليوم، وكيف باتت لا فقط مسرحاً للتنافس والصراع بين قوى وأطراف خارجية؛ وإنما أيضاً رهينة إرادة وتوافق هذه القوى والأطراف التي لا يهمها سوى تعزيز مصالحها ونفوذها، مما يسمح، وللأسف، بالقول إن الوطن السوري الذي كنا نفاخر باستقلاله وتعدديته وتفرد تعايش مكوناته؛ قد انتهى، وإن أصحاب السلطة لم يكتفوا، لضمان استمرارهم في الحكم وفسادهم وامتيازاتهم، بقتل وتشريد ملايين السوريين وتدمير مقدراتهم؛ بل أمعنوا تخريباً في نسيجهم الوطني وروابطهم التاريخية، والأسوأ استجرار كل دعم خارجي، حتى لو كان الثمن تسليم البلاد ومقدراتها له، بما في ذلك تركه يعيث فساداً وتخريباً بحيوات السوريين واجتماعهم ومستقبلهم، وبما أنجزته تضحياتهم خلال عقود.
ثانياً: إن عبارة إيدي كوهين بـ«أن مهمة الرئيس السوري انتهت وسيتم توكيل شخص آخر مكانه»، وإنْ كانت تحمل بعض المبالغة، فإنها تؤكد أن لقادة تل أبيب كلمة قوية حول مستقبل الأوضاع في بلد يجاورهم ويحتلون جزءاً من أرضه وبقي نظامه وفيّاً لهم زمناً طويلاً. وتؤكد تالياً صعوبة القفز دولياً، عند الغرب والشرق على السواء، فوق هموم دولة إسرائيل وحساباتها الأمنية الاستراتيجية، ربطاً بقوة اللوبي اليهودي؛ ليس فقط في واشنطن والعواصم الأوروبية، وإنما أيضاً في موسكو وقد تنامى وزنه بفعل التشابك مع نحو مليوني يهودي من أصول روسية هاجروا إلى إسرائيل وبات دورهم مؤثراً في قرارات الكرملين المتعلقة بالإقليم وسوريا، هذا؛ من دون أن يعني ذلك الانزلاق نحو العقلية القومجية التآمرية التي لطالما ادعت أن لإسرائيل قدرة فريدة على اختراق العالم وجعله أداة طيّعة بيدها تسخّره كيفما تشاء لتنفيذ مشروعها الكوني الصهيوني.
ثالثاً: انكشاف الدرك المزري ودرجة التهافت والانحطاط اللذين وصل إليهما بعض من يسمون أنفسهم قادة للمعارضة السورية، حين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مجرد صدى لإملاءات الخارج وأشبه بدمى وأدوات تنفيذ رخيصة، فسارعوا لاعتماد الخبر والبناء عليه، واندفعوا كالمسعورين، بعد أن أعلن إيدي كوهين أحد أسمائهم بديلاً محتملاً، لخوض تنافس مريض ومضحك في آن، حول أحقية كل منهم في أن يكون الرئيس المقبل لسوريا!
أكرم البني – كاتب سوري – صحيفة الشرق الأوسط
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة