أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – حمل مراقبون السلطات السورية مسؤولية الفوضى والفلتان الأمني في محافظة السويداء، كما حملوا جهات إقليمية ودولية مسؤولية “تجميد الأوضاع في المحافظة” إلى حين التوصل إلى تفاهم أو اتفاق دولي حول المسألة السورية كلها”.
محافظة السويداء جنوب شرقي سوريا، ذات الغالبية الدرزية، الغائبة الحاضرة في المشهد السوري، بعد أن اختار أهلها “الحياد الإيجابي” من الصراع الدائر في البلاد منذ أعوام. إلا أن الحياد الإيجابي لم يشفع لأهلها، فبرز اسم المحافظة في المشهد العام على خلفية حالة فلتان أمني، وحوادث اغتيال وخطف اشتركت فيها أطراف عدة، لتدخل المحافظة مثلها مثل باقي المحافظات في لعبة المصالح الإقليمية والدولية.
أوغاريت بوست أعدت تقريراً حول راهن الأوضاع في المحافظة وأسباب الفلتان الأمني وأفق الحل، عبر توجيه جملة تساؤلات على كل من لدكتور مهيب صالحة، الكاتب والأكاديمي السوري، والصحفي السوري رواد بلان.
الحياد الإيجابي لم يشفع لأهالي السويداء
في راهن الأوضاع في محافظة السويداء يقول الدكتور مهيب صالحة: “منذ تحول الصراع الداخلي في سورية إلى العنف، الذي يغلب عليه الطابع الطائفي، وحيث تدخلت دول وتنظيمات لمناصرة هذا الطرف أو ذاك تحت مسميات طائفية ودينية، اختارت محافظة السويداء ذي الغالبية الدرزية الحياد الايجابي في هذا الصراع، فلم تناصر أي طرف بل بقيت على الحياد. فمن جهة أيدت غالبية سكان المحافظة بقاء مؤسسات الدولة السورية فيها لأن الدولة ومؤسساتها لجميع السوريين. ومن جهة ثانية ساهمت في أعمال الإغاثة الغذائية والدوائية في المناطق التي تعرضت لأعمال عنف، واستقبلت مئات آلاف النازحين عن بيوتهم من جميع المناطق السورية التي دارت فيها حروب بين الأطراف المتصارعة، وأمنت لهم كل سبل الحياة الكريمة.
ومن جهة ثالثة تشكلت مجموعات مسلحة من قبل السلطات وجهات أخرى ومن المجتمع المحلي، ولكن أبرز هذه المجموعات، تشكيل رجال الكرامة، الذي رفع شعار الأرض والعرض، وحماية الشباب من سوقهم إلى الخدمة العسكرية والاحتياطية بالقوة أو الإجبار، وحماية تخوم المحافظة، وخاصة بعد ظهور جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتواجد عناصرهما في منطقة اللجاة والبادية وريف درعا الجنوبي المحاذية كلها لأراضي محافظة السويداء. وقد تعرضت القرى الدرزية المتاخمة لهذه المناطق إلى اعتداءات عديدة جابهتها المجموعات الدرزية المسلحة، وعمليات خطف كان يقابلها خطف مضاد وطلب فدى مالية، وفي بعض الحالات تم تصفية المختطفين من قبل الجماعات المسلحة من الطرفين.
مؤسسات الدولة استقالت من وظائفها القانونية
ويرى صالحة أن بقاء المحافظة خارج الصراع المسلح بين الطرفين السوريين، النظام والمعارضة، والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لهما، لم يرضِ أطراف فيها أو كلها. مما بعث إلى استقالة مؤسسات الدولة من وظائفها القانونية، وخاصة القضاء والشرطة، وقيام الأجهزة الأمنية بلعب “دور لا يخدم أمن ووحدة المحافظة وخيارات سكانها بدوافع مختلفة، أما شخصية، أو وفقاً لأجندات داخلية وخارجية، تستهدف جر المحافظة إلى أتون الصراع لكي تحترق فيه كما احترقت كل المناطق السورية”.
وهذا الواقع قاد محافظة السويداء، بحسب صالحة، إلى حالة من فوضى السلاح والفلتان الأمني، وانقسام المجتمع بين رجال الكرامة والمجموعات المسلحة التي شكلتها السلطات، الدفاع الوطني وكتائب البعث والقومي السوري ومجموعات تابعة لأفراد لا تخفي ارتباطها بالأجهزة الأمنية وتتلقى التعليمات منها”.
صراعات إقليمية ودولية تؤدي إلى تجميد الأوضاع في إدلب
صالح أكد أيضاً أن أجندات خاصة للسلطات السورية من جهة، وكذلك لروسيا وإيران من جهة أخرى ربطت مصير محافظة السويداء بـ تفاهم أو اتفاق دولي حول المسألة السورية كلها: ” ملف سلاح رجال الكرامة، وملف الرافضين للخدمة الإلزامية والاحتياطية، هما الملفين الرئيسين اللذين يريد النظام وحلفائه، روسيا وإيران، إغلاقهما لضم جبل العرب إلى سورية المفيدة، بينما قوى دولية وإقليمية أخرى تريد من الجبل مكسر عصا لإخراج إيران من المنطقة الجنوبية في إطار تفاهم منطقة خفض التصعيد الجنوبية، وبالتالي تجميد الوضع في محافظة السويداء لغاية التوصل إلى تفاهم أو اتفاق دولي حول المسألة السورية كلها”.
عود على بدء مرة أخرى حول راهن الأوضاع في المحافظة
لايزال الوضع الأمني في محافظة السويداء على حاله، يقول صالحة، طالما لم تتوصل جميع الأطراف إلى تفاهم أو تسوية سياسية للمسألة السورية. فالدولة موجودة بكافة مؤسساتها المدنية والعسكرية ولكن فاعليتها ضعيفة ومقصودة. ورجال الكرامة والمجموعات المسلحة لا تزال تمارس مهامها. ومجموعات الزعران تقوم بكل الموبقات وآخرها خطف ١٨ طالباً من جامعة دمشق ـ فرع السويداء وطلب فدى مالية ضخمة. وحالة فوضى السلاح والفلتان الأمني في أوجهة، يصاحبها تذمر واستياء كبيرين من المجتمع المحلي بكافة مكوناته وتلاوينه، لكن لا أحد بمقدوره الحؤول دونها، أو يلغي حالة التشظي المجتمعية، أو تشظي القوى الوطنية، التي بمقدورها الحؤول دون ذلك.
فمجتمع السويداء، كأي مجتمع سوري، يعاني من الأمراض المزمنة ذاتها، سياسياً ومجتمعياً، منذ تربع الاستبداد عرشهما، غياب الحوار وعدم قبول الآخر والتشرذم وحب الظهور واجترار الماضي والطاعة العمياء وتقديم المصلحة الشخصية أو الفئوية على المصلحة الوطنية.
الدولة السورية صاحبة السيادة في المحافظة
الصحفي رواد بلان يبدو أكثر تفاؤلاً لجهة الأوضاع الأمنية في محافظة السويداء ويؤكد أن الأوضاع الأمنية جيدة من حيث التنقل بين أرجاء المحافظة والحركة في الأسواق، في حين تقع بعض الأفعال الجنائية هنا أو هناك. منوهاً أن “صاحب السيادة على المحافظة هي الدولة السورية، فجميع المؤسسات المدنية والعسكرية قائمة في المحافظة. هناك فوضى في بعض المناحي كانتشار الأكشاك ووقوع جرائم خطف لا يتم متابعتها باعتقادي من الجهات المختصة كما يجب ولذلك أسباب عديدة ومعقدة”.
وأشار بلان، إلى أنه لا توجد تدابير واضحة سوى أنباء عن وضع حواجز عسكرية بعدة نقاط، لافتاً أن المطلوب من المجتمع “احتضان أبناءه وبناء الثقة معه لإبعاده عن طريق الجريمة”.
تقرير: فادي حسن