دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

الأتاسي: المعارضة السورية فشلت في انتاج مشروع بديل مقنع وسوريا تستحق ان نبقى متفائلين ويقظين لأجلها

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – قالت الباحثة والمعارضة السورية لمى الأتاسي إن المعارضة السورية فشلت خلال سنوات الثورة في انتاج مشروع بديل مقنع، كما أنها لم تمتلك الخطاب الواضح الديمقراطي الصادق الذي يمنح بديلاً لا طائفي علماني انساني.
وترى الأتاسي أن الدول العظمى والإقليمية كافة دون استثناء، صفت حساباتها “بدماء شبابنا وعلى أرضنا واستغلت قضيتنا الديمقراطية الوطنية العادلة”.
ثمان سنوات من العنف الأعمى، باتت كافية جداً، ليطرح السوريون على أنفسهم سؤال؛ ماذا حقق السوريون بعد ثمان سنوات من الأزمة؟ سؤال باتت الإجابة عليه تؤرق جميع السوريين، معارضة وموالاة، على السواء. ليس لأن السوريون باتوا على مقربة من نهاية النفق المظلم، بل على العكس لأنهم أصبحوا يشعرون أن لا نهاية لهذه الحرب الدامية.
إذاً؛ ما الذي أوصل بنا إلى هذه الحال؟ كيف ولماذا انتفض السوريون؟ أين أخطأنا ومن الذي تلاعب بنا؟ وأسئلة أخرى تعود بنا إلى البدايات نطرحها معكم على السياسية والباحثة والمعارضة السورية لمى الأتاسي.

– ما هي الاسباب التي دفعت الشعب السوري للانتفاض؟

عدة عوامل متنوعة ومترابطة أدت إلى الانفجار الشعبي، وهي ليست فقط سياسية مثلا كون النظام ذو بنية ديكتاتورية عسكرية فئوية او طائفية. فإذا قلنا هذا وتوقفنا فسيقال لنا؛ كثير من الشعوب مظلومة ديمقراطيا ولم تثور على انظمتها الشمولية. بالتالي نستطيع ان نقول اننا في الحالة السورية يضاف للعامل السياسي العامل الاجتماعي التاريخي والاقتصادي.
العامل الاجتماعي التاريخي هو ما احدثه التراكم التاريخي من أزمات. فتركيبة المجتمع الحالي في الدولة السورية هو تركيب حديث تواجد بفرض حدود جغرافية جديدة دون اعادة صياغة عقد وطني اجتماعي جديد ملائم ومرضي لكافة المكونات، بالتالي التاريخ السوري الحديث كان حافلاً بالعنف وبالانقلابات العسكرية التي أصبحت الطريقة الوحيدة للتغيير، لدرجة ان مفهوم التعايش عند كافة المكونات بات مقتصراً على فرض موازين قوى عسكرية غالبا.
يأتي بالنهاية العامل الاقتصادي الذي اساسه سوء الإدارة التراكمي للبلاد. وضعف المؤسسات وانعدام شرعيتها كونها مرتبطة بعامل الفساد الذي كان ثمناً باهظ لبقاء نظام عسكري ديكتاتوري، وهذا الفساد المؤسساتي سيبقى وان تغير النظام في حال لم يتفق السوريون على ايجاد مفهوم آخر للمواطنة ولمفهوم السلطة، ان الطائفية والفئوية هي العرف السائد والقانون الحقيقي الحاكم في سوريا.

– ماذا حقق السوريون بعد ثمان سنوات من الأزمة؟
الشيء الإيجابي لحد الان هو انفجار الغضب والتعبير عما كان ممنوعاً البوح به. هناك بوادر خجولة لتوجه فكري نحو حالة نقد ذاتي، رغم ضعفها يجب ان نثمنها لان المناخ الفكري هو أساس التغيير.

– من هي الجهات التي استفادت من الأزمة والصراع في سوريا؟
الدول العظمى والإقليمية كافة دون استثناء، صفت حساباتها بدماء شبابنا وعلى ارضنا واستغلت قضيتنا الديمقراطية الوطنية العادلة.

– جميع الأطراف تتحدث عن الحل السياسي، برأيك من هي الجهات التي تعرقل الحل السياسي؟
الحل السياسي هو خيار يفرض من الخارج حاليا، الاتحاد الأوروبي مثلا أظن انه معني بالحل السياسي أكثر من الولايات المتحدة، حيث له مصالح اقتصادية اجتماعية بالسلم. من ناحية مستقبل العلاقات الاقتصادية وكذلك والأهم إيقاف زخ المهاجرين ومنع الإرهاب في أوروبا. ذكرت أوروبا على سبيل المثال ولكن أوروبا ليست موحدة القرار.
لكن بالنهاية هذا الخيار لحل سياسي غير ممكن بعمق حاليا في سوريا، لان الحوار لم يفتح قط بين الأطراف المتنازعة في سوريا، كل المحاولات الدولية لم تكن جادة، كانت فقط دهاليز ديبلوماسية. الحوار الجاد يبدا بنية حقيقية من المتنازعين أنفسهم، ولكن لم يحن بعد الأوان، لغة الحقد والدماء والثأر هي التي تتحدث. النضج سياتي وأرجو ان لا نصل للحالة اللبنانية او العراقية، لافهم لم يصلوا لا للاستقرار ولا للتوازن.

– أين هي المعارضة السورية بجميع تشكيلاتها السياسية والعسكرية في المعادلة السورية اليوم؟
المعارضة فشلت بإنتاج مشروع بديل مقنع، هناك القلائل فقط من بقوا معارضين للنظام وبذات الوقت معارضين لمشروع دولة إسلامية، والباقي انساق لتجميل صورة المشروع الإسلامي المدني مساهماً بإعادة انتاج حالة مشابهة للثورة الإيرانية، حيث ضحى العلمانيون بكل شيء لإسقاط الشاه وبعد اسقاطه تم إعدامهم من قبل رفاق الدرب. هذا السيناريو مرعب ولكنه حقيقي وهذه وللأسف عقلية من يقود المعارضة حاليا بدعم بعض الدول.
انعدام الخطاب الواضح الديمقراطي الصادق الذي يعطي بديل لا طائفي علماني انساني بمفهوم الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، هو ما ادى إلى ضعف المعارضة وتراجع مكتسباتها في البدايات.
– بعض الأطراف تطالب باللامركزية لسوريا المستقبل، هل تعتقدين أن اللامركزية تناسب الحالة السورية؟
اللامركزية ضرورية كآلية لممارسة الديمقراطية وبدونها لا ديمقراطية ممكنة. المشكلة بتعريف تلك الأطراف للامركزية وبعمق فكرهم.
فاللامركزية ليست فقط جغرافية وليست إثنية او دينية او طائفية وهي ليست اداة تقسيم بل توحيد وود.
– هل أنت على اتصال مع الإدارة الذاتية في الشمال، وهل مشروعهم انفصالي فعلاً؟
كنت على تواصل، حاليا لا، انا لست منسجمة مع قيم الخطاب القومي لديهم. انا أطالبهم بالوضوح مع السوريين، هم في الغرب يقدمون أنفسهم ككورد وفي سوريا يتحدثون عكس هذا، قائلين نحن سوريون، لماذا هذه الازدواجية؟
انا لست ضد القضية الكردية بل انا اعتبر أنه لا بد من طرحها وايجاد حل لها في سوريا.
لكن العالم الحديث يعيش عصر انتهت فيه القوميات المتشنجة من عربية إلى إسلامية إلى كردية إلخ، هذا العالم واسع، أوروبا تمنح جنسياتها بسخاء معطية مثال للاقومية، والتعددية هي ان يمارس كل ثقافته ضمن حدود دولة متعددة الثقافات وكل الدول مستقبلها متعدد الثقافات ومترابطة متعايشة، العرق الصافي لم يعد ممكناً. ولم يعد من الممكن ان يعيش شعب بثقافات منعزلة عن بعضها البعض، منطقة الفرات والجزيرة السورية هي حالة جميلة من التمازج الثقافي ولكن هناك صراع تاريخي لم يحل بين المكونات، ومحاولات فرض مشاريع بالعسكرة من كافة الأطراف، وللأسف المنطقة تعيش الان ظروفاً قاسية ككل سوريا.
باختصار يجب ان لا نخلط بين المسالة الكردية واللامركزية، اللامركزية ليست مطية للاستقلال الكردي، بل هي حاجة ماسة كأسلوب إدارة لكل سوريا لتعزيز دور سوريا إقليميا، أما القضية الكردية فهي ايضا لا بد من الاعتراف بها وايجاد حلول لها بما يرضي الكرد السوريين جميعا على اختلافهم الفكري، لكن السوريون كما ذكرت في البداية لم يباشروا الحوار الوطني بعد وشروطه للان غير متوفرة.

– سوريا إلى أين؟
سوريا لا افق قريب لنهضتها ووضعها على طريق النمو الحقيقي. وان توقفت الحرب الآن فبأي عقليات سيبنى البلد؟ بعقلية الساطور والمعتقلات البعثية أم بعقلية الإرهاب الداعشي؟ لا بد من تغيير العقليات والموروث.
هناك حالات تشنج متطرفة تعبر عن شعبوية تستغل لصالح عدم إنهاء القتال والعنف، وللأسف حاليا هذه الحالات المتطرفة الشعبوية متواجدة لدى كل أطراف النزاع أي كل من يحمل سلاح.
حاليا نحن رهائن ولم يأتي القرار الدولي بأنهاء الحرب بعد، وهذا ليس قراراً بيد السوريين حالياً. هو بالنهاية حتما سياتي، ولكن للأسف لا أحد مستعجل ولا أحد معني بموت السوريين او انعدام أي شرط انساني للحياة لديهم، ولكن رغم هذا لا بد ان يتوقف هذا الجنون، أين دور المثقفين؟ ما هي مسؤوليتهم الأخلاقية؟
البعض يرى ان النظام انتصر ولكن كما نرى القواعد الأجنبية متواجدة والحدود لا يسيطر عليها السوريون والأمن منعدم كذلك الاقتصاد الداخلي .. إذاً
النظام ليس منتصراً وحتى ان تمكن من البقاء بشكله الحالي العسكري كذلك لن ينتصر أحد في سوريا على أحد، لن تنتصر سوريا طالما نحن السوريون بهذا الاختلاف الفكري، طالما حاملي السلاح من كل الأطراف لا يعرفون شيئاً عن ميثاق حقوق الإنسان وضرورة تطبيقه واحترام الآخر.
سوريا تستحق ان نبقى متفائلين ويقظين لأجلها.

حاورها: بهاء عبدالرحمن