على الجميع المشاركة في تصحيح مسار العملية السياسية المشوهة والمشبوهة مع التأكيد على الذات الوطنية في اتخاذ القرار بدل تنفيذ أهداف وسياسات خارجية لم تجلب للشعب العراقي سوى الخراب.
مشكلة مستعصية اسمها المشكلة الكردية
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارات بعدم دستورية بعض مواد قانون انتخاب برلمان إقليم كردستان. كما ألزمت الحكومة في بغداد بدفع رواتب موظفي الإقليم مباشرةً، دون إرسالها إلى سلطات الإقليم، وأمرت بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة المركزية في بغداد.
اعترض المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني على هذه القرارات واعتبرها منافية للحقوق الدستورية ومبادئ الفيدرالية التي أقرها الدستور العراقي. فعادت المسألة الكردية إلى الواجهة تزامنا مع تدهور العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.
لا بد من الاعتراف بأن لدينا مشكلة مستعصية اسمها المشكلة الكردية. ولا يحق لنا إغماض أعيننا عن هذه المشكلة أو التهجم على إدارة الإقليم باتهامها بالعمالة، أو استغلالها ضعف الحكومة الاتحادية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، أو غيرها من الحجج.
◙ القرارات السياسية المتخذة في العراق ما هي إلا إملاءات من دول الجوار أو من الدول الكبرى، وهذا يعني أن السلطات الحاكمة غير مستقلة باتخاذ القرار
المواطنون الكرد جزء من الشعب العراقي لهم قوميتهم وخصوصيتهم والعراق يعتبر الشعب الكردي جزءا من الدولة ولا يمكن التفريط فيه بأي شكل من الأشكال.
بدأت المشكلة الكردية منذ العهد الملكي. وقد تمت معالجتها على الدوام بأساليب عسكرية إلا في فترات محددة يتم فيها تعويض النزاع المسلح بحلول مؤقتة سرعان ما تذهب أدراج الرياح.
وبعد سنوات من الصراع المسلح توصلت بغداد وكردستان إلى اتفاق يمنح بموجبه الكرد حكما ذاتيا في 11 مارس/آذار 1970. فتم إنشاء إقليم كردستان العراق.
ويعتبر هذا الاتفاق من أكبر المنجزات السياسية، حيث تم الاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية الكاملة للكرد.
وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991، أصبح إقليم كردستان شبه مستقل عن حكومة بغداد.
ومنح الإقليم بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وضعا متميزا.
إلا أن الحكم الجديد كسابقه لم يستطع استيعاب المشكلة الكردية رغم وجود تحالف سابق، وأعني به التحالف الشيعي – الكردي.
وقد تجددت المشكلة عندما حاول رئيس الوزراء الأسبق الاستئثار بالحكم عن طريق إيهام الكرد بتقاسم السلطة، إلا أنه سرعان ما تنصل من اتفاقه كما تنصل من اتفاقاته مع جهات عديدة، واستبدلها برشاوى من ميزانية الدولة وزعت دون حساب على سنة وشيعة وكرد، لتحقيق حلم الاستفراد بالحكم وفق مقولته الشهيرة “بعد ما ننطيها”.
◙ الفوضى السائدة في العراق والتي لا تخفى على أحد، منبعها وأساسها عدم وجود إرادة سياسية مستقلة في إدارة البلد
إن أسباب توتر العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية تعود إلى عدم وجود سياسة متوازنة للسلطات الحاكمة في كلا الجانبين. والجميع يعرف هذه المشكلة ولكن لا أحد يرغب في التخلي عن امتيازاته.
في منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق نشأت تكتلات ومافيات تتصارع على الثروة، إضافة إلى تنازع الحزبين الرئيسيين على السلطة والثروة.
ومثل هذا يجري مع الكتل والأحزاب المشكلة للحكومة الاتحادية في بغداد وربما بشكل أكبر. ولذلك نرى تجاذبات واتهامات متبادلة بين حكومتي بغداد وكردستان. وكل واحد يتهم الآخر بالخيانة وبحنث القسم. وأغلبهم مدفوعون من جهات أجنبية أو إقليمية.
اتسمت العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية بالتوترات حول الكثير من القضايا مثل المناطق المتنازع عليها والغاز والنفط وتقاسم الموارد، والتداخل بين البيشمركة والحشد الشعبي والتجاذبات الإقليمية.
وتصاعدت هذه التوترات في أعقاب صدور قرارات المحكمة الاتحادية المشار إليها أعلاه.
إن القرارات السياسية المتخذة في العراق ما هي إلا إملاءات من دول الجوار أو من الدول الكبرى، وهذا يعني أن السلطات الحاكمة غير مستقلة باتخاذ القرار.
هذه حقيقة.. وهناك حقيقة أخرى أن بعض الدول قد تدخلت بشكل مباشر في القضية الكردية. وقد ساند الأميركيون الكرد كثيرا، لكن هذا لا يعني إعطاءهم ضوءا ليفعلوا ما يشاؤون.
وبالمقابل فإن تقسيم الشعب العراقي إلى مكونات شيعية وسنية وكردية وإقامة حكومة وفق هذا التقسيم ما هما إلا مشاريع أميركية لإضعاف العراق بالتعاون مع دول إقليمية أيضا.
وتم تكريس ذلك من قبل الأحزاب الحاكمة في بغداد بحماس منقطع النظير. وما إصرارها على المحاصصة كبديل عن الوطنية العراقية إلا ترجمة لهذه المخططات.
◙ المواطنون الكرد جزء من الشعب العراقي لهم قوميتهم وخصوصيتهم والعراق يعتبر الشعب الكردي جزءا من الدولة ولا يمكن التفريط فيه بأي شكل من الأشكال
إن الفوضى السائدة في العراق والتي لا تخفى على أحد، منبعها وأساسها عدم وجود إرادة سياسية مستقلة في إدارة البلد. ونتيجة لذلك نشهد النزاع المستمر بين أطراف العملية السياسية، بحجج طائفية أو قومية. وكل يريد قسمة أكبر من كعكة الحكم مستعينا بدول الجوار أو القوى الكبرى تحت مبررات تاريخية أو مظلومية، ناتجة عن عقدة الشعور بالاضطهاد سواء كان حقيقيا أو مبالغا فيه.
ولا تخرج أحزاب الإقليم عن ذلك أيضا.
وهذا يعد واحدا من أهم معضلات الحكم في العراق، وأن حلها لا يمكن أن يتم بمعزل عن الوئام والتوافق الوطنييْن.
إن الحكومة المركزية عاجزة عن إيجاد الحلول لأي مشكلة بما فيها المشكلة الكردية بسبب انعدام الثقة بين الأطراف المتصدية للعمل السياسي، وإن إعادة الثقة تتطلب المشاركة الفعلية في القرار السياسي أولا، ثم تبني إعلام وطني هادف. مع التوقف عن التصريحات الطائفية والعنصرية. إضافة إلى أهمية حصر السلاح بيد الدولة.
وعلى هذا الأساس يتوجب على الجميع المشاركة في تصحيح مسار العملية السياسية المشوهة والمشبوهة، مع التأكيد على الذات الوطنية في اتخاذ القرار بدل تنفيذ أهداف وسياسات خارجية، والتي لم تجلب للشعب العراقي سوى الخراب وخيبة الأمل مع ضياع الحقوق، وربما التفريط في وطن مازال يتسع للجميع.
أدهم إبراهيم – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة