أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – مع استمرار الانتهاكات المرتكبة بحق المواطنين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني” الموالية لها، أصدرت منظمة “هيومن رايس ووتش” تقريراً تحت عنوان “سوريا .. انتهاكات وإفلات من العقاب في الأراضي التي تحتلها تركيا”، وشددت على أن المسؤولين في أنقرة مسؤولون عن هذه الانتهاكات كونهم “سلطة احتلال”.
“تركيا تتحمل مسؤولية الانتهاكات والجرائم”
وجاء في البيان أن تركيا تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها عناصر من الجيش التركي والمجموعات المسلحة الموالية لها في الأراضي المحتلة في الشمال السوري، ولفت البيان إلى أن المسؤولين في تركيا ليسوا مجرد متفرجين على هذه الانتهاكات بل يتحملون مسؤوليتها باعتبارهم “سلطة احتلال”، وأضافت أن المسؤولين الأتراك في بعض الحالات كانوا متورطين في جرائم حرب ضمن “المنطقة الآمنة”.
وشدد التقرير على أن تركيا “ملزمة بإعادة النظام العام والسلامة وحماية السكان ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات مع دفع التعويضات وضمان حقوق أصحاب الممتلكات.
وسبق أن نشرت المنظمة الدولية تقريراً في الـ29 من شباط/فبراير 2023، حملت فيه تركيا مسؤولية الانتهاكات والجرائم في المناطق المحتلة، إلى جانب الفصائل الموالية لها، والتي تأتي ضد المواطنين الأكراد بسبب علاقتهم المفترضة مع القوات الكردية في شمال شرقي سوريا.
“اعتقالات واختطاف وتعذيب وعنف جنسي”
ولفت التقرير إلى أن المناطق التي تسيطر عليها تركيا تشهد “اعتقالات واختطاف واحتجاز غير قانوني والعنف الجنسي والتعذيب من قبل الفصائل المختلفة، ووجدت المنظمة أن هناك انتهاكات في حقوق المواطنين بالسكن والأراضي والملكية بما في ذلك عمليات النهب والسلب الواسعة والاستيلاء على الممتلكات والابتزاز وفشل السلطات في محاسبة المتورطين وتقديم تعويضات للضحايا.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، آدم كوغل، بأن الانتهاكات الحالية مستمرة بما فيها التعذيب والإخفاء القسري، ما لم تتحمل تركيا نفسها المسؤولية وتتحرك لوفقها، فإن المسؤولين الأتراك مسؤولون عن هذه الانتهاكات ويتحملون جزءاً منها باعتبارهم سلطة احتلال.
“تركيا لم تضمن سلامة السكان.. كل شيء بقوة السلاح”
وأشارت المنظمة إلى أنها أجرت مقابلات مع 58 محتجزاً وضحايا للعنف الجنسي وأقاربهم، وممثلين عن منظمات غير حكومية وصحفيين ونشطاء، تحدثوا عن سلوك الفصائل في عفرين بين تموز/يوليو 2019، وحزيران 2020، ونوهت إلى أن تركيا سيطرت منذ 2016 على مناطق منها ذات الغالبية الكردية، حيث تقوم بتدريب وتسليح الفصائل ودعمهم بالرواتب مع ممارسة السلطة على المناطق السورية انطلاقاً من الولايات التركية المتاخمة لسوريا.
وأضافت المنظمة أن تركيا لم تضمن سلامة السكان المدنيين ورفاههم، وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ غددهم 1.4 مليون نسمة في ظل غياب القانون وانعدام الأمن، حيث أن “كل شيء يسري بقوة السلاح”.
“الأكراد والعرب يعيشون تحت وطأة الانتهاكات”
ونقلت المنظمة عن نساء أكراد تعرضهن للعنف الجنسي من قبل فصائل “الجيش الوطني” واحتجاز لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الـ+ أشهر مع أمهاتهم، وأكدت أن الحالات التي وثقتها “رايس ووتش” ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشان سوريا” الأممية وغيرها من المنظمات الإنسانية، تحمل الاكراد بأغلبية ساحقة وطأة هذه الانتهاكات، مع استهدف المكون العربي الذي يعتقد أن لديهم علاقات مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث أن الفصائل ارتكبت انتهاكات في مراكز الاحتجاز التي يتواجد فيها مسؤولون عسكريون ومخابرات أتراك، وبذلك فهم مسؤولون في المشاركة أحياناً في التعذيب وسوء المعاملة.
وقالت المنظمة أنه منذ العملية العسكرية التركية في عفرين عام 2018، و “نبع السلام” 2019، نزح مئات الآلاف من سكان المنطقة من منازلهم، وأقدمت الفصائل على عمليات نهب وسلب واستيلاء على الممتلكات بشكل واسع النطاق، ولم يسترد غالبية المتضررين ممتلكاتهم أو يتلقوا تعويضاً مناسباً.
“المسائلة بعيدة.. وأنقرة تمتنع عن الرد”
ووفق تقرير المنظمة فإن المسائلة لاتزال بعيدة عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة ضمن الأراضي التي تحتلها تركيا، حيث قامت “رايس ووتش” بالتحقيق في 4 حالات بأربعة أشخاص رفيعي المستوى زعم تورطهم في انتهاكات جسيمة، ولم تتم محاكمة أي منهم، وثلاثة منهم لايزالون يشغلون مناصب رفيعة في “الجيش الوطني”.
كما أن “المحاكم العسكرية” غير المستقلة، ولا تركيا، لم تعالج بشكل كاف الجرائم الخطيرة التي يرتكبها ذوو السلطة في الأراضي السورية المحتلة، ولفتت المنظمة إلى أنها حاولت إشراك تركيا في حوار حول هذه الأمور ومشاركة النتائج التفصيلية في رسالة إلى وزير الخارجية هاكان فيدان في 21 تشرين الأول/نوفمبر 2023، و4 كانون الثاني/يناير 2024، إلا أن الرسائل قوبلت بالصمت، ولم يتم استلام أي رد من “وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة”، عن إجراءات قضائية تتعلق بأربع حالات وفاة أثناء الاحتجاز تم الإبلاغ عنها علناً.
“تركيا ملزمة عن إعادة الأمن ومحاسبة المسؤولين”
وأكدت المنظمة بأن تركيا ملزمة بضمان التزام قواتها بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما فيه القانون الذي يحكم واجباتها باعتبارها سلطة الاحتلال وحكومة الأمر الواقع في هذه المناطق في شمال سوريا. ويشمل ذلك إعادة النظام العام والسلامة والحفاظ عليهما في الأراضي التي تحتلها، وحماية السكان من العنف، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم تعويضات لجميع ضحايا وضمان حقوق أصحاب الأملاك والعائدين، بما فيه تعويضهم عن مصادرة ممتلكاتهم واستخدامها بشكل غير قانوني وأي ضرر ناتج عن ذلك.
ويتعين على تركيا والحكومة السورية المؤقتة منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
وقال كوغل: “الاحتلال التركي لأجزاء من شمال سوريا سهّل خلق مناخ يغيب فيه القانون وتسوده الانتهاكات والإفلات من العقاب، وذلك أبعد ما يكون عن ’منطقة آمنة‘”.
إعداد: رشا إسماعيل
(المصدر: منظمة هيومن رايس ووتش)