دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – من قال إن حروب العراق انتهت؟

العراقيون يعيشون يومهم في انتظار ما سيحدث في قادم الأيام وهم يعلمون أن القادم لن يحمل لهم الخير لأنهم تعوّدوا على كوارث الأحداث، وتلك هي دورة الحياة التي اعتادوا عليها.

هدنة وئدت في مهدها
بانتظار القادم من الأحداث في جُعبة ما تحمله الأيام للعراقيين، هكذا يبدو المشهد العراقي، ترقب، انتظار أو حتى خشية من المجهول.

أيام العراقيين الحالية التي تتشابه أحداثها مع تلك التي سبق وأن مرت عليهم قبل الغزو الأميركي لبلدهم واحتلال بغداد عام 2003، مع فارق أن الغزو الجديد لا يحتاج إلى كل ذلك التجييش والتسليح لأن العراق محتل أصلا.

تطورات الأحداث الساخنة التي بدأت تتسارع في هذا البلد وتنذر بصدام مسلح وشيك بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها اتخذت قرارا لا رجعة عنه بتصفية قادة ورموز تلك الفصائل مع تدمير معسكراتهم وقواعد تواجدهم.

بوادر الحملة التي بدأت بعد أن استهدفت مُسيّرة أميركية مقرا تابعا لحركة النجباء “اللواء 12 في هيئة الحشد الشعبي” بشارع فلسطين في العاصمة بغداد مستهدفة معاون قائد عمليات حزام بغداد بالحشد الشعبي والمسؤول العسكري للحركة أبوتقوى السعيدي ومرافقه بقصف أميركي على مقر الدعم اللوجستي في بغداد.

◙ العراقيون يعيشون يومهم الحاضر في ترقب وانتظار ما سيحدث في قادم الأيام، وهم يعلمون جيدا أن القادم لن يحمل لهم الخير لأنهم تعوّدوا على كوارث الأحداث

لم يمض شهر حتى جاء الاستهداف الثاني مساء الأربعاء 7 شباط – فبراير باستهداف ضربة جوية لقيادي بارز في كتائب حزب الله العراقي الملقب بأبوباقر الساعدي في منطقة المشتل شرقي بغداد، مستهدفة سيارة تقلّه واثنين من قيادات الكتائب.

برّر الجانب الأميركي الضربة بقوله إن المستهدف هو المسؤول عن التخطيط المباشر والمشاركة في الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة، كان آخرها الهجوم على القاعدة الأميركية قرب المثلث العراقي – السوري – الأردني والذي نفذ في 26 كانون الثاني – يناير الماضي وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أكثر من 30 شخصا، اتهمت واشنطن فصائل عراقية موالية لإيران بالوقوف وراءه.

قبل يوم واحد من حادثة المشتل أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التوصل إلى اتفاق لتهدئة التوتر بين القوات الأميركية والفصائل المسلحة وقال السوداني “إنه تم التوصل إلى معادلة تتضمن وقف هجمات الفصائل المسلحة مقابل وقف الرد الأميركي” حيث خفض ذلك الاتفاق التصعيد الإعلامي والعسكري من جانب الفصائل المسلحة التي أعلنت عن تعليق الهجمات ضد القوات الأميركية في المنطقة لأسباب تتمثل بالخشية من الرد الأميركي الشامل والحازم ضد تلك الفصائل، والثاني من الأسباب هو الأوامر الإيرانية للفصائل بوقف التصعيد، والسبب الثالث هو ضغط حكومة السوداني على تلك الفصائل من أجل ضمان سير المفاوضات مع الجانب الأميركي لجدولة تنظيم انسحاب القوات الأميركية وإنهاء دور التحالف الدولي في العراق.

لكن الهدنة لم تستمر لأكثر من ساعات بعد محاولة الولايات المتحدة استهداف أحد قادة الفصائل في قلب العاصمة بغداد.

الرد المتوقع أن الفصائل المسلحة ومن خلال تنسيقياتها المشتركة حددت موقفها من إنهاء تعليق عملياتها ضد القوات الأميركية واستئناف التصعيد العسكري خلال الأيام القادمة ردا على محاولات الاغتيال والتصفية التي تقوم بها المُسيّرات الأميركية، حيث من المؤكد أن القرار سيشمل إنهاء التعليق والعودة لاستئناف الهجمات لاسيما من قبل فصائل كتائب حزب الله العراقي وسيد الشهداء والنجباء.

وبين كل ذلك التأزم تحاول حكومة السوداني مسك العصا من وسطها من خلال إنهاء التصعيد والضغط على الفصائل من أجل وقف الهجمات في محاولات إن نجحت ستخفض من ذلك التوتر وإن ذهبت الأمور إلى التصعيد فإن العراق قد يصبح ساحة حرب لا يستطيع تحمل أثمان خسائرها.

◙ أيام العراقيين الحالية التي تتشابه أحداثها مع تلك التي سبق وأن مرت عليهم قبل الغزو الأميركي لبلدهم واحتلال بغداد عام 2003، مع فارق أن الغزو الجديد لا يحتاج إلى كل ذلك التجييش

الاستهدافات المتكررة لقادة الفصائل تعني حقيقة مؤكدة أن الاستخبارات الأميركية قد اخترقت جدار الفصائل من خلال رصد تحركاتها وأماكن تواجدها، حتى تلك التي كانت في الظل أو بعيدة عن أضواء الإعلام. ولم يخف الإطار التنسيقي اتهامه للموساد الإسرائيلي بمسلسل الاغتيالات التي تجري داخل العراق حيث يملك مقرات له في بعض المناطق مما يعرض العراق لعدوان كبير لن يتوقف حسب قول القيادي في الإطار جبار عودة.

بالرغم من الموقف العراقي المطالب بالانسحاب الأميركي من البلد إلا أن قرار الانسحاب غير وارد في الأجندة الأميركية، حيث أكدت وزارة الدفاع الأميركية أنها لا تخطط للانسحاب من العراق في الوقت الراهن.

خيارات الفصائل المسلحة في الرد تتوزع ما بين استهداف القواعد الأميركية في العراق كقاعدة “عين الأسد” في الأنبار وقاعدة “الحرير” في أربيل، وكذلك البعثة الدبلوماسية الأميركية في بغداد ومن خلال التظاهرات ضد الوجود الأميركي كما حدث في اقتحام السفارة الأميركية في بغداد عام 2019.

اتفاق السوداني مع الفصائل الذي تضمن وقف الهجمات من قبل الأخيرة مقابل إخراج القوات الأميركية من العراق خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر مع تأكيد الفصائل على مواصلتها في سوريا يبدو أنه هدنة لم ترَ النور ولن تتحقق بوجود إصرار أميركي على مواصلة الحرب.

يعيش العراقيون يومهم الحاضر في ترقب وانتظار ما سيحدث في قادم الأيام، وهم يعلمون جيدا أن القادم لن يحمل لهم الخير لأنهم تعوّدوا على كوارث الأحداث، وتلك هي دورة الحياة التي اعتادوا عليها في حياتهم البائسة.

سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة