ربما يقوم الرئيس الأمريكي بتشديد الخناق على نتنياهو والوكلاء المدعومين من طهران، ولكن إلى أي نهاية؟
مع استمرار الشرق الأوسط في مواجهة عدم الاستقرار، هناك انتقادات واسعة النطاق لما يبدو أنه موقف أميركي ضعيف تجاه كل من إسرائيل وإيران. ومع ذلك، يحتفظ المسؤولون في واشنطن بشعور من التفاؤل بأن إدارة بايدن ستستفيد من علاقتها مع إسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتفاقيات مؤقتة ووقف إطلاق النار وتسويات لاحقة تشمل القوتين الإقليميتين.
لقد استغرق الأمر وقتا طويلا، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن تبنى لهجة أكثر حدة من المعتاد تجاه إسرائيل يوم الخميس الماضي، قائلا إن عمليتها العسكرية في غزة تجاوزت الحد.
كما نصح البيت الأبيض بعدم شن هجوم إسرائيلي على رفح.
ورغم أن الولايات المتحدة دعت إسرائيل مراراً وتكراراً إلى الحد من الخسائر في صفوف المدنيين أثناء هجومها العسكري، فإن هذه النداءات لم تتصاعد قط إلى مستوى الإنذار الرسمي. تحذير يوم الخميس، على الرغم من اللهجة، لم يكن مصحوبا بإجراءات ملموسة. بمعنى آخر، يبدو أن إدارة بايدن لم تتخذ قرارًا نهائيًا بشأن ممارسة ضغوط ملموسة على إسرائيل، مثل فرض قيود على حزمة مساعداتها العسكرية السنوية البالغة 3.8 مليار دولار.
خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى إسرائيل، أبدى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن صبراً حتى عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عن نيته توسيع العمليات العسكرية – بما في ذلك تجاه رفح، التي يعيش فيها حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني نازح. وأوضح أنه لا يقبل سوى النصر الكامل بالقضاء على حماس.
ولم يُظهر نتنياهو حتى الآن سوى القليل من الاهتمام بالتوصل إلى تسوية، أو دولة فلسطينية، أو حتى دولة منزوعة السلاح ذات حدود منخفضة.
وبعد مقتل أكثر من 28 ألف فلسطيني، دعت حماس إلى التوصل إلى اتفاق، كما تقول، ينبغي أن يمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار. ومع ذلك، رفضت إسرائيل اقتراحها بشكل قاطع، قائلة إنها لن تسمح للحركة بمواصلة إدارة غزة.
ومع ذلك، إذا صدقنا بعض وسائل الإعلام الغربية، فقد تكون إسرائيل على استعداد لتسهيل رحيل كبار قادة حماس من غزة كجزء من وقف إطلاق النار والتسوية. في الواقع، تشير هذه التقارير إلى أن إسرائيل منفتحة على السماح ليحيى السنوار بالذهاب إلى المنفى مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء حكم الجماعة في المنطقة.
وتفيد التقارير أن الجهود الحالية التي تبذلها الولايات المتحدة والدول العربية الرئيسية تهدف إلى توفير ضمانات أمنية لإسرائيل مقابل قبولها “حل الدولتين” وإقامة دولة فلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، تجري الآن محاولة العثور على خليفة للرئيس الفلسطيني محمود عباس قادر على قيادة الضفة الغربية وقطاع غزة. هناك شعور، على الأقل في بعض أجزاء العالم العربي، بأن تصرفات حماس أثبتت أنها مكلفة بالنسبة للشعب الفلسطيني.
وفي الأسبوع الماضي، أوضحت الرياض موقفها من خلال بيان صادر عن وزارة خارجيتها، مؤكدة أنها أبلغت موقفها الثابت للولايات المتحدة بأن العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لن تنشأ إلا بعد اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من القطاع.
ومهما يكن الأمر، فإن تصرفات الحكومة الإسرائيلية في غزة وأماكن أخرى لا تزال تهدد بتصعيد الصراع الحالي في المنطقة. إن أي عملية في رفح قد تكون لها عواقب وخيمة، كما أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية تظل متوترة.
ومن المتوقع أن تصدر إدارة بايدن إنذارًا نهائيًا لإسرائيل، بدءًا من اتباع نهج لطيف ولكن من المحتمل أن يتصاعد إلى إجراءات غير مسبوقة إذا استمرت حكومة نتنياهو في تحديها. وإذا حدث ذلك، فإنه قد يؤدي إلى إضعاف العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، لم تنجذب إدارة بايدن ولا النظام الإيراني حتى الآن إلى الاستفزازات الإسرائيلية. وهذا يؤكد أهمية الجهود الدبلوماسية الأميركية، خاصة في تهدئة الطبقة السياسية في لبنان. تعتبر التفاهمات مع إيران حاسمة، حتى في الوقت الذي يهدد فيه الوكلاء المدعومين من طهران المصالح الأمريكية في المنطقة.
ويبدو أن إدارة بايدن تبنت استراتيجية تذكرنا برد إدارة ترامب السابقة على استفزازات الوكلاء المدعومين من إيران في كل من سوريا والعراق، من خلال استهداف قادتهم. قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار اثنين من كبار قادة الميليشيات في بغداد في وقت متأخر من يوم الأربعاء.
وتحاول طهران أن تنأى بنفسها عن تصرفات وكلائها. وهي تحافظ على اتصالات غير مباشرة مع إدارة بايدن، التي يبدو أنها اتخذت موقفا أكثر ليونة بشأن مسؤولية إيران عن الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية. ويتحرك الطرفان بحذر بين القول والفعل، تجنباً لمواجهة مكلفة.
وكما أفهم، فإن النظام الإيراني سوف يعتبر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وإن كان لا يزال بعيد المنال، نتيجة إيجابية للمنطقة.
من جهتها، إدارة بايدن مقتنعة بأن حكومة نتنياهو ستتوصل إلى شكل من أشكال التسوية مع حماس. والتحدي الآن يكمن في ترجمة هذه القناعة في واشنطن إلى واقع ملموس في الرمال المتحركة باستمرار.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست