من الضروري أن تكون هناك ديناميكية في تعاطي الجانبين، والأهم من ذلك كله أن تكون العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضا وجوا وبحرا.
التصعيد يلقي بظلاله على المشهد العراقي
أخذت العلاقة بين بغداد وواشنطن منحى آخر غير الذي رسمته الوثيقة الإستراتيجية التي وقّعها الطرفان بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، فبعد عام من الاستقرار بدأت العلاقات الأميركية – العراقية تتخذ منعطفاً نحو الأسوأ في الشهريين الماضيين، خصوصاً بعد التصعيد غير المسبوق الذي ألقى بظلاله على المشهد السياسي العراقي بتأثير “طوفان الأقصى” وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة على أيدي الماكينة الصهيونية.
الحكومة العراقية حرصت أشد الحرص على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة دوليا، وتحديداً الولايات المتحدة والتي تمثل الشريك الرئيسي للعراق، حيث استطاع العراق أن يكون لاعباً إقليميا بنّاء وعامل استقرار في المنطقة، ونجح إلى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة، مثل الخلاف بين طهران والرياض والذي استمر على مدى عقود، وتقريب وجهات النظر بين الرياض ودمشق وإعادتها إلى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت سنوات، ما جعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي عموماً.
على واشنطن أن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة، لأن ممارسة الضغط على الحكومة يقودها إلى المزيد من التشنج واتخاذ مواقف أكثر عدائية ضد المجتمع الدولي.
العلاقات العراقية – الأميركية اقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن دونالد ترامب 2020، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواء من الجانب الأميركي أو من أيّ طرف آخر، وأن العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة. وعلى الرغم من التصريحات القوية من العراق إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة إلى واشنطن أثناء حديثه إلى الصحافة من خلال الإشارة إلى أن إنهاء الوجود الأميركي سيعني بداية لعلاقة جديدة بينهما ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل “الاتفاقية الإستراتيجية” بين البلدين والانتقال إلى العلاقات الثنائية بين الجانبين.
في ظل الوضع الراهن وتأثيراته الكبيرة سوف تحتاج الحكومة العراقية إلى عمل مضن لإرضاء الجميع وخروجها منتصرة، ولا يزال أمام الحكومة العراقية أن تعمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المنافسات العابرة، ويجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات والتي من شأنها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع، من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أيّ جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية، كما ينبغي على الحكومة العراقية أن تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.
بالمقابل، يجب على الولايات المتحدة أن تكون صبورة من الناحية الإستراتيجية حتى لا تقوض خطوات الدولة العراقية وحكومتها. وبخلاف ذلك، فإن واشنطن تخاطر بتصعيد الوضع حتى خارج نطاق سيطرتها، وعليها أن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة، لأن ممارسة الضغط على الحكومة يقودها إلى المزيد من التشنج واتخاذ مواقف أكثر عدائية ضد المجتمع الدولي، وهذا بحد ذاته يفقد العراق دعماً دولياً مهماً، لذلك من الضروري أن تكون هناك ديناميكية شفافة في التعاطي بين الجانبين، والأهم من ذلك كله أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضاَ وجواً وبحراً.
محمد حسن الساعدي – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة