أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – لطالما كان “التواجد العسكري التركي على الأراضي السورية” من أكثر النقاط الخلافية في مسار التطبيع وعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة الذي يجري برعاية روسية ومباركة إيرانية، حيث لاتزال هذه الخلافات قائمة وهي التي تعرقل مسار الصلح والارتقاء بمستوى العلاقات المنقطعة بين الدولتين منذ أكثر من 12 عاماً.
أنقرة باقية في شمال سوريا
وبعد صمت من قبل مسؤولي دمشق وأنقرة حيال النقاط الخلافية بينهما، خرج وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وهو رجل استخبارات تركيا الأول، بتصريح يؤكد فيه بقاء قواتهم العسكرية في الشمال السوري وذلك “لمحاربة الإرهاب والتنظيمات الانفصالية” حسب قوله. وذلك في إشارة إلى الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة “امتداداً لحزب العمال الكردستاني” في سوريا.
وتسيطر تركيا على 7 مدن رئيسية في سوريا وهي، “إدلب والباب وجرابلس وإعزاز ورأس العين وعفرين وتل أبيض”، وقد قسمتها أنقرة بفعل اتفاقات مع الأطراف الأخرى المشاركة في الصراع على السلطة، روسيا وإيران، إلى 3 أقسام هي “غصن الزيتون و درع الفرات و نبع السلام”، كل منطقة تابعة لولاية تركية ونصب عليها والي.
مع محاولات توسيع رقعة السيطرة.. فيدان “ملتزمون بوحدة سوريا”
ومنذ سنتين تحاول تركيا توسيع رقعة سيطرتها في الشمال السوري عبر شن عمليات عسكرية جديدة على مناطق شمال شرقي سوريا، إلا أنها واجهت رفضاً دولياً وإقليمياً واسعاً، خاصة من الولايات المتحدة وروسيا وإيران، حيال خططها الجديدة، لتبقى خطوط التماس على حالها منذ العملية العسكرية الأخيرة نبع السلام التي حصلت في 2019.
وبالعودة لتصريحات رجل استخبارات الرئيس التركي الأول، هاكان فيدان، الذي تسلم منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، قال أن بلاده ملتزمة التزاماً كاملاً بسلامة الأراضي السورية ووحدتها، وأن تركيا ستواصل مكافحة ما أسماها “التنظيمات الإرهابية في سوريا” وفي مقدمتها “بي كي كي” و “واي بي جي”.
واتخذت تركيا من تواجد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” وأن هناك أطراف كردية موالية للحزب في الشمال الشرقي؛ ذريعة للقيام بعملياتها العسكرية في تلك المناطق، وسيطرتها على مدن عفرين ورأس العين وتل أبيض، خلال عامي 2018 و 2019، وذلك على الرغم من إعلان حزب العمال الكردستاني عدم وجود أي علاقات بينه وبين الأطراف السورية، سوى أنهم أكراد، إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً مع المسؤولين الأتراك الذين لايزالون يعتقدون ذلك.
“تركيا تعمل على منع تدفق اللاجئين من سوريا”
أما في مسألة اللاجئين السوريين والمهاجرين في تركيا، قال فيدا أن تركيا تولي اهتماماً كبيراً لمنع تدفق المهاجرين إليها انطلاقاً من سوريا، وتمهيد الطريق أمام عودة السوريين في تركيا إلى بلاهم بشكل طوعي.
وخلال الفترة الماضية، أعادت السلطات التركية عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري عبر معابر باب السلامة وباب الهوى وتل أبيض، بينهم نساء وأطفال، وذلك بعد أخذ أوراقهم الثبوتية وإجبارهم على توقيع أوراق العودة الطوعية، وهو ما أكدته العديد من التقارير الدولية من قبل منظمات وجهات معنية بحقوق اللاجئين والإنسان.
وتعتبر تركيا المسبب الأول والرئيسي في خلق أزمة اللجوء في أراضيها، وذلك عبر فتح الحدود على مصراعيه في بدايات الأزمة السورية والسماح بتدفق اللاجئين إلى أراضيها، تلا ذلك عملية دمجهم بالمجتمع التركي، إلا أن ذلك كله تغير خلال السنتين الماضيتين وخاصة مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، حيث كان ترحيل السوريين من بين برامج الأطراف المتسابقة لكرسي الرئاسة.
“أنقرة تدعم الحل السياسي في سوريا”
وفي تصريحاته خلال مناقشة موازنة، وزارة الخارجية لعام 2024، في البرلمان التركي، أضاف فيدان، أن أنقرة تجدد دعمها للمسار السياسي في سوريا، وفي مقدمته القرار الأممي لمجلس الأمن ذات الصلة رقم 2254، وذلك لضمان السلم الأهلي في هذا البلد، وبين أن تركيا “تواصل جهودها ميدانياً وعلى الطاولة بما يتماشى مع هذه الأهداف”.
وأضاف أن بلاده تواصل مساعي ما أسماها “قيام دولة إرهابية في شمال سوريا” وذلك في إشارة إلى الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي.
وترى أوساط سياسية سورية ومتابعة، بأن تركيا إلى جانب كل من روسيا وإيران ضمن مسار آستانا، هم الأطراف الرئيسية في مفاقمة الصراع والأزمة السورية وغياب الحلول السياسية وجمودها، وذلك لاحتكار العملية السياسية للأطراف التي يدعمونها على الأرض، وإقصاء شرائح واسعة من المجتمع السوري ومكوناته، والتمسك بدلاً من ذلك بإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، وهو ما يبدو أنه سيكون صعباً كثيراً في الوقت الذي تصر فيه تركيا على البقاء في الشمال السوري، ودمشق تتمسك بخيار الانسحاب العسكري ووقف دعم الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
إعداد: علي إبراهيم