أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – مع انشغال العالم بالحرب بين إسرائيل وحركة حماس وما يحصل من فظاعات في قطاع غزة الذي يشهد غارات جوية عنيفة غير مسبوقة، تتصاعد حدة العنف في المناطق الشمالية السورية، بشقيها “مناطق الإدارة الذاتية” و منطقة “خفض التصعيد”، في وقت باتت المخاوف تتزايد من احتمال شن عمليات عسكرية جديدة في تلك المناطق.
حرب غزة أنسى العالم التصعيد في شمال سوريا
العنف في الشمال السوري كان متزامناً، حيث أن التصعيد الجوي التركي على مناطق الإدارة الذاتية سبق تزايد العنف في منطقة “خفض التصعيد”، وذلك بعد الهجوم الإرهابي الدموي الذي طال الكلية الحربية في حمص، وراح ضحيته العشرات من المدنيين بينهم ضباط ومئات الإصابات، وهذا التصعيد بدوره كان محل اهتمام بالغ لدى الأطراف العربية والإقليمية والدولية.
إلا أنه مع صبيحة الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، استفاق العالم على نبأ شن حركة حماس لعملية عسكرية أسمتها “طوفان الأقصى” ضد بلدات إسرائيلية تقع ضمن ما يعرف بنطاق “غلاف غزة”، ومن هنا أيضاً صب الإقليم والعالم كله اهتمامه على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والقصف الجوي غير المسبوق على قطاع غزة، واحتمال أن تتوسع دائرة الصراع لتشمل كامل منطقة الشرق الأوسط.
ويبدو أن الأطراف الرئيسية في الصراع السوري (روسيا وتركيا) وجدوا الفرصة في انشغال العالم بالصراع بين إسرائيل وحماس لتصعيد العنف في الشمال السوري، حيث أن تركيا قامت بتدمير 80 بالمئة من البنى التحتية في مناطق شمال شرق البلاد، وذلك بحجة إنها قواعد عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية ومن ضمنها وحدات حماية الشعب، التي تربطها أنقرة بحزب العمال الكردستاني.
ولاتزال القوات التركية تعمل على عمليات استهداف ما تبقى من مصادر ومحطات توليد الطاقة وضخ المياه من البنى التحتية لإخراجها عن الخدمة، على الرغم من أن تركيا من الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على عدم استهداف البنى التحتية والمنشآت الحيوية التي يعتمد عليها المدنيون في عيشهم وتجنب استهدافها وتدميرها، إلا أن أنقرة مستمرة في هذه العمليات التي كان آخرها استهداف قيادي في قوات سوريا الديمقراطية ومنشأة زراعية ومحطة توليد الطاقة الكهربائية بناحية عين عيسى والقرى الغربية لمدينة تل أبيض.
أردوغان يهدد الشمال الشرقي من جديد
يتزامن ذلك مع تهديدات جديدة أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشن عمل عسكري بري في المنطقة التي يعيش فيها 5 ملايين نسمة، في الوقت الذي كان يندد باستهداف إسرائيل للبنى التحتية في قطاع غزة وقتلها للمدنيين وتدمير سبل عيشهم.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنهم سيواصلون عبر عمليات عسكرية جديدة لم يحدد ماهيتها، جوية كانت أم برية، بتدمير ما وصفه “بالممر الإرهابي” الذي تجري محاولات لإقامته على الحدود الجنوبية التركية، وذلك في إشارة لمناطق الإدارة الذاتية.
أما بالنسبة لمناطق “خفض التصعيد”، فهي لاتزال تشهد تصعيداً عسكرياً جوياً وبرياً عنيفاً من قبل القوات الروسية والحكومية السورية، وتسبب هذا التصعيد العسكري بفقدان العديد من المدنيين حياتهم، بينهم أطفال، إضافة لعشرات الإصابات وأضرار مادية كبيرة بممتلكات المدنيين.
غارات جوية روسية مكثفة وقصف بري واسع
وخلال الساعات الـ24 الماضية، شنت طائرات حربية روسية غارات جوية على مناطق في سهل الغاب وتلال الكبانة بعد أن قصفت الأحياء السكنية في إدلب، وهو ما أدى لسقوط ضحايا بين المدنيين، مع قصف صاروخي لقوات الحكومة طال مواقع عدة تابعة “لتحرير الشام” وغيرها من فصائل المعارضة.
وسبق أن قصفت “تحرير الشام” مدينة القرداحة، مسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد، براجمات الصواريخ، إضافة إلى بلدة شطحة بسهل الغاب غرب حماة، دون ورود معلومات عن سقوط خسائر بشرية، كما قصفت القوات التركية النقاط العسكرية لقوات الحكومة السورية في مدينة سراقب ومحيطها.
فيما أعلنت “الهيئة” في وقت سابق من يوم الجمعة، بأنها أخلت موقعاً عسكرياً جديداً في ريف جسر الشغور غرب إدلب، وذلك بسبب القصف البري والجوي العنيف الذي أدى لخسائر مادية وبشرية في صفوفه.
نوايا بقضم مناطق جديدة.. و”العنف تصاعد بشكل كبير في الشمال”
ويعتقد متابعون بأن تصاعد حدة العنف والتهديدات بعمليات عسكرية جديدة في شقي الشمال من طرفي الصراع، هي محاولة من الطرفين لإعادة التوازن للمنطقة مجدداً، في الوقت الذي لا يلغي هذا نوايا الطرفين بقضم أراضي جديدة لصالحه.
وعلقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا على لسان رئيسها “باولو بينيرو” على تصاعد العنف في سوريا، وأشار إلى أن ما تشهده البلاد الآن من موجة تصعيد غير مسبوقة لم تشهدها منذ 4 سنوات، ولفت إلى أن هناك “تجاهل تام لحياة المدنيين وعدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني”، وهذا بدوره أدى “لتقويض وتآكل جوهر نظام الحماية الدولي ذاته”.
وأشار إلى أن “إدارة ظهورنا للشعب السوري، أو مجرد الحفاظ على الوضع الراهن، يؤدي إلى إدامة بؤسهم بدلاً من تخفيفه، ويمكن للمجتمع الدولي، بل ويجب عليه، أن يفعل أكثر من ذلك بكثير”.
وتؤكد أوساط سياسية ومتابعة بأن الأوضاع الراهنة في الإقليم وخاصة حرب إسرائيل وحركة حماس، وانشغال العالم فيه هو فرصة مناسبة لكل من تركيا وروسيا لتوسيع رقعة سيطرتها في الشمال، فمن سيكون السباق ؟.
إعداد: ربى نجار