بعد عدة أشهر هادئة على الحدود التركية السورية، مع عمليات اغتيال متفرقة من قبل تركيا لقادة وحدات حماية الشعب (YPG) ، تصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة. كثفت القوات التركية هجماتها ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، واستهدفت مخابئ حزب العمال الكردستاني على طول الحدود التركية العراقية.
ويأتي هذا التصعيد على خلفية التفجير الانتحاري الذي استهدف وزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة في الأول من تشرين الأول. وزعمت الحكومة التركية أن المهاجمين هما عضوان في حزب العمال الكردستاني دخلا البلاد من سوريا، فيما أعلن حزب العمال الكردستاني أنهما تابعان للواء الخالدون التابع له، وأن أحدهما فجر قنبلة مربوطة بجسده.
ولم يقم لواء خالدون، الذي نفذ الهجوم بحسب حزب العمال الكردستاني، بعمليات مسلحة داخل تركيا من قبل. ويتكون اللواء من عدة خلايا نائمة تابعة لحزب العمال الكردستاني تعمل كقوات احتياطية، بحسب تصريحات سابقة لقيادات الحزب. وكشف زعيم حزب العمال الكردستاني مراد قرليان لأول مرة عن وجود اللواء في عام 2016 خلال مؤتمر صحفي، مشيراً إلى أنه “مستعد تماماً ومستعد للقيام بأعمال التضحية عند الضرورة”.
وتفجير أنقرة هو أول عملية ينفذها حزب العمال الكردستاني منذ أن أعلن في حزيران نهاية وقف إطلاق النار من جانب واحد في 6 شباط في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا.
وبعد ساعات من انفجار أنقرة، توعد المسؤولون الأتراك بالرد بضرب أهداف لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق. ثم نفذت تركيا 20 غارة جوية على أهداف لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وأصدر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بيانا قال فيه إن بلاده “ستستهدف هياكل حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق”، مضيفا أن جميع هياكل ومرافق حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في البلدين هي “أهداف مشروعة”.
وبعد تصريح فيدان، نفذت الضربات الأولى في مدينة الحسكة السورية. وأعلنت المخابرات التركية عن تفجير سيارة تقل القيادي المعروف بـ”مظلوم عفرين”. وبعد ساعات قليلة، قصفت طائرة مسيرة تركية مصنعاً للطوب في قرية صفية على أطراف الحسكة.
في صباح يوم 5 تشرين الأول، كثفت تركيا غاراتها الجوية وهجمات الطائرات بدون طيار في عدة مناطق في شمال وشمال شرق سوريا. وأكدت مصادر في القامشلي والحسكة، أن “عدداً كبيراً من الطائرات العسكرية تحلق في سماء المنطقة، ولا يكاد يوجد أي وقت بين الرحلات”. استمرت الغارات الجوية خلال الأيام التالية، واستهدفت ما مجموعه 145 موقعًا لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا.
واستهدفت الغارات الجوية التركية العديد من المقرات العسكرية والمرافق الحيوية في محافظة الحسكة وريف حلب الشرقي وريف الرقة الشمالي. ومن بين الأهداف مصنع الطوب في الحسكة ومقر قوات سوريا الديمقراطية في القامشلي وحقل عودة النفطي في القحطانية ومصافي النفط في قرية كرداهول. وفي حلب، شنت الطائرات الحربية التركية غارات جوية على بلدة تل رفعت ومطار منغ العسكري، بالإضافة إلى قواعد قوات سوريا الديمقراطية في بلدة عين عيسى بريف الرقة.
وكما هو الحال مع العمليات العسكرية التركية السابقة، تم القيام بالعملية، على الرغم من وجود العديد من التغييرات الجديرة بالملاحظة فيما يتعلق باستراتيجيات أنقرة العسكرية والعملياتية هذه المرة.
الأول يتعلق بالنطاق الجغرافي للعملية. على مدى السنوات القليلة الماضية، تألف العمل العسكري التركي من هجمات دقيقة وموجهة ضد قادة قوات سوريا الديمقراطية داخل دائرة نصف قطرها جغرافي محدود لا يزيد عن 10 كيلومترات من الحدود. كما تم تنسيق هذه الإجراءات مع التحالف الدولي لهزيمة داعش وروسيا، حيث أبرمت تركيا اتفاقيات تنسيق وتعاون مع هذين الطرفين منذ “عملية نبع السلام” في سوريا في تشرين الأول 2019.
لكن العملية العسكرية هذه المرة كانت مختلفة كثيرا، سواء من حيث نطاقها الجغرافي أو طبيعة الأهداف. ونفذت عدة غارات جوية قرب مدينة الحسكة التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن الحدود التركية. كما تم توسيع منطقة العمليات لتشمل الأراضي التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الحسكة وحلب والرقة. وأظهر مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع التركية، طائرات حربية تنفذ غارات ليلية على أهداف لقوات سوريا الديمقراطية في الحسكة.
نقطة التحول الثانية في العملية العسكرية الحالية هي حقيقة أن الأهداف التركية لم تعد مقتصرة على القادة المرتبطين بحزب العمال الكردستاني أو الموالين له داخل قوات سوريا الديمقراطية. وبدلاً من ذلك، تتمثل استراتيجية أنقرة للمضي قدمًا في ضرب البنية التحتية النفطية، بما في ذلك حقول النفط ومصافي التكرير، بالإضافة إلى محطات الطاقة ومستودعات الأسلحة والمعسكرات العسكرية والمقرات الإدارية والمالية. والغرض من هذه الاستراتيجية هو تجفيف مصادر تمويل قوات سوريا الديمقراطية.
التطور الثالث هو أن تركيا تحاول وضع قواعد جديدة للاشتباك لم يتم الاتفاق عليها مع القوى الأخرى الموجودة في المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة. في الواقع، بعد أن ضربت طائرة تركية بدون طيار أهدافًا قريبة من القاعدة العسكرية للتحالف الدولي في تل بيدر 5 تشرين الأول، أسقطتها طائرة أمريكية من طراز F-16. ومن خلال القيام بذلك، رسمت الولايات المتحدة خطًا أحمر لا يُسمح لتركيا بتجاوزه، وهو استهداف المناطق التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي.
وتأتي العملية التركية في وقت صعب بالنسبة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وجناحها العسكري، قوات سوريا الديمقراطية، التي تتعرض مناطق سيطرتها في دير الزور لهجوم منتظم من قبل مقاتلي العشائر منذ أواخر آب. ولهذا السبب أيضاً كان رد قوات سوريا الديمقراطية على العملية التركية خجولاً، حيث احتشدت فقط في ريف حلب الشرقي، مستهدفة قاعدة تركية بالقرب من بلدة دابق، حيث أصيب عدد من الجنود الأتراك في القصف.
المصدر: معهد الشرق الأوسط للأبحاث
ترجمة: أوغاريت بوست