سوريا في حاجة إلى رؤية تخرجها من ذلك الخندق الضيق الذي وقعت فيه، وهو ما تفكر فيه الصين ويلاقي صدى في خيال الأسد.
الأسد يكسر عزلته في الصين
أزعجت الصين الولايات المتحدة حين نجحت وساطتها بين المملكة العربية السعودية وإيران وهي الوساطة التي أزالت الكثير من الحواجز بين البلدين، على الأقل على مستوى فتح الممرات الدبلوماسية واللجوء إلى لغة مباشرة مختلفة في الحوار الثنائي.
لم يكن الانزعاج الأميركي وليد لحظة بعينها ولكنه محصلة تراكمات، بدأت مع شعور الرياض بأن التحالف الإستراتيجي الذي يربطها بواشنطن يمكن أن يوضع على الرف إذا ما تعلق الأمر بالموقف من السياسات الإيرانية في المنطقة، كما أن إيران بالرغم من تعاطيها مع المخططات الأميركية بروح التخادم فإنها لا تثق بالولايات المتحدة في ظل تشدد إسرائيلي من مسألة الاتفاق النووي.
◙ الصين تدرك أن الصراع على سوريا الذي دخلت روسيا طرفا فيه يتخطى المطالب السورية الشعبية التي داستها الشركات الأمنية التي ساهمت في الحرب
لقد وجد الطرفان، السعودي والإيراني، في الصين وسيطا مضمونا يملك رؤية واسعة لمستقبل المنطقة انطلاقا من مصالحه التي لا يستند في إدارتها إلى التعامل بمبدأ الكيل بمكيالين كما هو حال الولايات المتحدة. الرؤية الصينية الصريحة والواضحة شجعت الدولتين على أن تنتقلا من مرحلة العداء المبيّت إلى مرحلة الحوار المكشوف. وهو ما لم تتمكنا منه عبر سلسلة من اللقاءات التي أجرتاها في بغداد. كانت الإرادة الصينية هي سر النجاح.
ذلك النجاح هو ما شجع القيادة الصينية على أن تمد يدها إلى مسألة معقدة أخرى من مسائل المنطقة هي المسألة السورية. لم يُستقبل الرئيس السوري بشار الأسد في بكين بناء على رغبة استعراضية في التحدي، وليست المساهمة في إعمار سوريا هي الفكرة الاستثمارية التي دفعت الصين إلى فتح أبوابها لرجل، تعرف أن الولايات المتحدة لا تطيق بقاءه في السلطة غير أنها فشلت في إزاحته. تفكر الصين في مصير سوريا أكثر مما تفكر في مصير الأسد.
في الإستراتيجية الصينية الخاصة بالمنطقة تمتلك سوريا عناصر الدولة ذات الثقل الجغرافي والاقتصادي. موقعها الجغرافي يجعل منها عقدة الطرق التي تتوسط العراق وإسرائيل وتركيا، كما أنها تملك ساحلا طويلا على البحر المتوسط.
سوريا التي سحقتها الحرب لأسباب سياسية كما توهّم الكثيرون ممَن ساهموا في تلك الحرب أو موّلوا أطرافها بالسلاح والمال لم يكن ليُلحق بها ذلك الخراب لو كانت دولة عادية غير مفيدة للشركات والقوى العالمية الكبرى. كان الأمل في الاستيلاء على سوريا موقعا وثروات لا تزال مطمورة هو الذي دفع أطرافا بعينها إلى الإنفاق على التنظيمات الإرهابية التي تم جلبها من مختلف أنحاء الأرض تحت غطاء الثورة السورية.
وبدورها تعرف الصين باعتبارها دولة حيوية كبرى عن المسألة السورية أكثر مما تعرفه الأجهزة الاستخبارية الغربية التي رعت الفصول الأهم في ما سُمّي بـ”الثورة السورية” وهي عبارة عن حرب شنت على سوريا تحت غطاء المطالبة برحيل نظام بشار الأسد.
فالصين تدرك أن الصراع على سوريا الذي دخلت روسيا طرفا رئيسا فيه يتخطى المطالب السورية الشعبية التي داستها الشركات الأمنية التي ساهمت في الحرب تحت شعارات إسلامية بأقدام مقاتليها. كان صراعا عالميا تتسيّده مصالح اقتصادية لا علاقة لها بأمن إسرائيل كما توهّم البعض. سوريا خزينة معادن نادرة لم تمتد إليها يد. وهو ما قد يجهله النظام السياسي الحاكم فيها بسبب انشغاله بالسفسطات الحزبية والإجراءات الأمنية.
◙ زيارة الرئيس السوري إلى بكين هي جزء من مراسيم الدخول الصيني إلى المنطقة بأسلحة ناعمة. لا حرب ولا قتلى ولا خراب ولا جرائم ولا أوجاع
بسبب هيمنتها الاقتصادية فإن الصين تفعل ما تريد. استقبلت الأسد وليس في نيتها أن تكون طرفا في الحرب السورية. لن تمد يدها إلى مواقع الصراع الأميركي – الروسي. لتفعل الجيوش ما تراه مناسبا لعقول جنرالاتها.
لكن سوريا في حاجة إلى رؤية تُخرجها من ذلك الخندق الضيق الذي وقعت فيه. وهو ما تفكر فيه الصين ويلاقي صدى في خيال الرئيس السوري المحاصر بالعقوبات الأميركية التي تضعه وجها لوجه أمام العقاب الأميركي الذي تعرض له العراق أثناء تسعينات القرن الماضي. لا أصدق أن الصين قد وضعت أمام بشار الأسد قارب نجاة بقدر ما هي تفكر في سوريا جزءا من مشروعها الذي من شأنه أن يعيد الاعتبار إلى المنطقة بعد أن فقدته في ظل التضليل الإعلامي الغربي.
زيارة الرئيس السوري إلى بكين هي جزء من مراسيم الدخول الصيني إلى المنطقة بأسلحة ناعمة. لا حرب ولا قتلى ولا خراب ولا جرائم ولا أوجاع ولا نزوح. ما أنجزه الروس والإيرانيون والأميركان والأتراك وضع سوريا على خارطة الهلاك. ليس في إمكان بشار الأسد أن يعيد إلى بلده الحياة. ولكن الصين في إمكانها أن تجلب الحياة من مكان آخر.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة