أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في وقت كثرت التكهنات والتفسيرات لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين لأول مرة منذ 2004، واعتبارها “مدفوعة من روسيا لمساندة مساعي عدم سقوط الدولة السورية اقتصادياً”، إضافة إلى إنها قد تكون “هروباً من الضغط الروسي والإيراني” اللذان سيطرا على موارد البلاد لتحصيل فاتورة تدخلهما العسكري في البلاد، أعلن الرئيس الصيني عن توقيع اتفاقيات “شراكة استراتيجية” مع سوريا.
هل تنجح الصين من انتشال سوريا من القاع ؟
وتعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة فاقمها استمرار الصراع على السلطة والتدخلات الخارجية وغياب وجمود الحلول السياسية، وسط انهيار متسارع للعملة المحلية ووصولها لمستويات تاريخية، وسط التأكيد على أن هذه الأزمة لن يستطيع حلفاء دمشق من الحد منها، إلا في حال تعاون دولي إقليمي وعربي.
ويمكن اعتبار زيارة الرئيس السوري إلى الصين، زيارة طلباً للمساندة الاقتصادية أكثر منها سياسية أو عسكرية أو في أي إطار آخر، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقائه الأسد، أنّ الصين وسوريا أقامتا “شراكة استراتيجية”.
“اتفاقات شراكة استراتيجية بين بكين ودمشق”
وقال الرئيس الصيني، وفق تقرير لشبكة “سي سي تي في” التلفزيونية الرسمية عن الاجتماع، “سنعلن بصورة مشتركة اليوم إقامة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسوريا، التي ستصبح محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية”.
وأضاف شي: “في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سوريا، والدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين”، وأكد شي أنّ العلاقات بين البلدين “صمدت أمام اختبار التغيّرات الدولية وأن “الصداقة بين البلدين تعزّزت بمرور الوقت”.
وقال الرئيس السوري إنّ “هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكّل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعاً التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد”، وأضاف “أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون استراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات”.
وهذه أول زيارة رسمية للأسد منذ نحو عقدين إلى الدولة الحليفة، وفي وقت يجهد للحصول على دعم لإعادة إعمار بلاده التي دمرتها الحرب، وإيقاف انهيار الاقتصاد.
الصين حليف قوي لدمشق في المحافل الدولية
وكانت الصين إلى جانب روسيا، أحد الحلفاء الأقوياء لدمشق في المحافل الدولية، حيث سبق وأن استخدمت حق النقض الفيتو، ضد مشاريع قرارات كثيرة تدين دمشق في الصراع القائم على السلطة في البلاد، من حيث استهداف تجمعات سكانية مدنية بكافة أنواع الأسلحة ومنها المحرمة دولياً، كالكيماوي في الغوطة، إضافة إلى إفشال قرارات تدين دمشق بجرائم حرب وضد الإنسانية.
وكانت وكالة الأنباء الحكومية السورية “سانا” أفادت بتوقيع 3 وثائق للتعاون بين الصين وروسيا، وذلك بحضور الرئيسين شيجين بينغ والأسد في مدينة خانجو.
وحسبما ذكرت “سانا”، فإن الوثيقة الأولى اتفاق تعاون اقتصادي، والثانية مذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، أما الثالثة فهي مذكرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
ومنذ كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، شهد الملف السوري تحولات كبيرة تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في مايو للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.
كذلك تحولات دبلوماسية على الساحة العربية، من حيث الاتفاق السعودي الإيراني بدعم صيني، والذي كان مفاجئاً للجميع، وهو ما أسفر عن عودة العلاقات بين طهران والرياض.
الصين تتحدى العقوبات الأمريكية والغربية
وتقول أوساط سياسية، أن الصين من حلفاء العرب الاستراتيجيين، وبإمكان بكين لعب دور مهم ومحوري في مفاوضات التطبيع وإعادة العلاقات بين العرب ودمشق، كذلك الحال مع تركيا، التي تملك الصين علاقات جيدة مع أنقرة، ويمكنها هنا مساندة المساعي الروسية في لتسريع تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
وبالشراكة الاستراتيجية مع دمشق، فإن الصين تعلن عن تحدي الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، اللتان تفرضان عقوبات على دمشق، ومن بينها قانون قيصر التي تطال كل شخص أو جهة أجنبية يتعاملان مع دمشق. وتشمل العديد من القطاعات، بدءا من قطاع البناء ووصولا إلى النفط والغاز، وهو ما يعني أن أي استثمار صيني -أو أي استثمار آخر- في سوريا سيكون مهددا بالعقوبات بما في ذلك مشاريع إعادة الإعمار التي تقول بكين إنها على استعداد للإسهام فيها.
لا منافس لبكين في سوريا
ولا شك في أن بكين بقدرتها المالية واقتصادها القوي للغاية والذي يعتبر الأول عالمياً، يمكن أن تكون الرابح الأكبر أو النهائي من الحرب في سوريا، ويمكن أيضاً أن تضع يدها على المكتسبات الروسية والإيرانية؛ أو على الأقل مشاركتهم بها، في حال دعمها الاقتصادي وإنشاء مشاريع استثمارية في البلاد.
ومن المستبعد أن تجد الصين أي مناسف اقتصادي لها على الساحة السورية، سواءً روسيا (الغارقة في الحرب مع أوكرانيا) أو إيران (التي تعاني من العقوبات واقتصادها ليس بحال أفضل)، وتركيا (التي تعاني هي أيضاً اقتصادياً ومن غير الممكن أن تكون شريكاً اقتصادياً استراتيجياً لدمشق)، والولايات المتحدة (التي هي أحد خصوم بكين في الشرق الأوسط من المستبعد أن تكون هناك أي شراكة بينهما).
ويستبعد أن تجد الصين منافسة من الدول العربية الثرية التي تتعامل إلى حد الآن مع الملف السوري بحذر، فهي يمكن أن توفر بعض التمويل ولكن لا تستطيع تأمين أو حماية استثماراتها هناك. كما ليس من الوارد أن تضع نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة حول الملف السوري.
وتأتي زيارة الرئيس السوري بشار الأسد في وقت تلعب بكين دوراً متنامياً في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لخطتها “طرق الحرير الجديدة” المعروفة رسميا بـ”مبادرة الحزام والطريق”، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا، حيث انضمت سوريا في كانون الثاني/يناير 2022 إلى مبادرة “الحزام والطريق”.
إعداد: ربى نجار