أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – دخلت إيران على خط المساعي للتطبيع بين دمشق وأنقرة، وهذه المرة ليس كطرف في الحوار، بل كجهة تقدم الاقتراحات، وهو تطور جديد في ملف الصلح بين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، بعد خصومة وعداء سياسي دام أكثر من عقد من الزمن، وألقى بظلاله على الملف السوري وأدى لمفاقمة الصراع على السلطة وديمومته وغياب الحلول السياسي وخلق صراعات جديدة.
“سوريا أكدت جهوزيتها للحفاظ على أمن الحدود مع تركيا”
وفي تصريحات له يوم الأحد الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن سوريا أكدت لطهران أنها تتمتع بالجاهزية الكاملة للحفاظ على أمن الحدود مع تركيا من داخل أراضيها.
وفي مقابلة مع صحيفة “الوفاق” الإيرانية أضاف أن بلاده قدمت اقتراحاً خلال اجتماعات مشتركة بأن تتعهد أنقرة بإخراج قواتها من سوريا مقابل تعهد دمشق بمنع أي تعرض للأراضي التركية، وفقاً لما ذكرته “وكالة أنباء العالم العربي”، وذكر أن الاقتراح المقدم لسوريا وتركيا يتضمن أن تكون روسيا وإيران ضامنتين للاتفاق، وأن تضع سوريا قواتها على الحدود مع تركيا.
المقترح الإيراني يأتي بعد مقترح روسي “بتفعيل اتفاقية أضنة” الأمنية
المقترح الإيراني يأتي بعد أسبوعين من فتح روسيا المجال لإعادة تفعيل ما يعرف “بالاتفاقية الأمنية” أو “اتفاقية أضنة”، وهي اتفاقية وقعت بين الحكومتين السورية والتركية في 1998، حينما كانت تركيا تهدد باجتياح البلاد بسبب وجود رئيس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، الذي غادر البلاد بمجرد تعرضها للتهديد بعد مكوثه فيها لسنوات طويلة.
وحينها قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنه “في اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة العام 1998، عندما تم التوقيع على اتفاقية أضنة، التي تسمح بدخول القوات التركية لمكافحة الإرهاب إلى عمق معين داخل الأراضي السورية، بهدف وقف التهديدات الإرهابية”، لافتاً إلى أن هذه الاتفاقية لاتزال سارية ولم يندد بها أحد.
“لا تعليق من دمشق وأنقرة حول مقترح طهران”
تصريحات الوزير الروسي اعتبره متابعون وأوساط سياسية على أنه محاولة في “شرعنة” بقاء القوات العسكرية التركية في الأراضي السورية.
ومنذ الإعلان عن المقترح الإيراني لم يصدر أي موقف من قبل الحكومة السورية أو أي تعليق رسمي، في حين أكدت السلطات السورية وعلى لسان كبار المسؤولين، على رأسهم الرئيس بشار الأسد، أن الانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية هو شرط رئيسي للتطبيع مع تركيا، ودون تحقيق هذا الشرط فإنهم لن يدخلوا في مفاوضات رفيعة المستوى مع أنقرة، وهو ما ترفضه الأخيرة، التي تؤكد أن قواتها متواجدة في سوريا ولن ترحل حتى تحقيق الحل السياسي والاستقرار في سوريا وإنهاء ما يصفونها “بالتهديدات الإرهابية” لأمنهم القومي.
“تركيا لن تغير موقفها من التواجد العسكري في سوريا”
كما أن المقترح الإيراني لم يصدر عليه أي تعليق رسمي من أنقرة، إلا أن مصادر دبلوماسية تحدثت “للشرق الأوسط” أن تركيا لن تغير موقفها من وجود قواتها العسكرية في سوريا، قبل الانتهاء من الحل السياسي وتحقيق الاستقرار وضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين.
وآخر تصريح تركي حول انسحاب قواتهم من سوريا جاء على لسان وزير الدفاع يشار غولار، عن اعتقاده بأن الأسد “سيتصرف بعقلانية”، قائلاً إن “صياغة دستور جديد لسوريا واعتماده، يعدان أهم مرحلة لإحلال السلام هناك، وإن الجيش التركي لن يغادر سوريا دون ضمان أمن حدوده وشعبه… وأعتقد أن الرئيس السوري سيتصرف بعقلانية أكثر في هذا الموضوع”.
“جمود في مسار التطبيع”.. “وهدف إيران من المقترح”
ولا يخفى على أحد أن مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة الذي انطلق بمساعي روسية في 2022، وانضمت إليه إيران مؤخراً، يشهد جموداً كبيراً منذ الاجتماع رقم 20 لمسار “آستانا” في 20 و21 حزيران/يونيو الماضي، والذي اجتمع خلاله نواب وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران، وتم خلاله بحث خريطة طريق للتطبيع وضعتها موسكو.
وتقول أوساط سياسية أن المقترح الإيراني الجديد يرسل رسالة مباشرة إلى روسيا بأن طهران أيضاً هي من الأطراف الفاعلة في الملف السوري، ودورها لا يقل شأناً عن الدور الروسي، وأن الحلول السياسية ومسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة يجب أن تراعي مصالح إيران أيضاً كما مصالح روسيا وسوريا وتركيا.
كما يبدو أن المقترح الإيراني يتلخص أيضاً في إعطاء دمشق تعهدات لأنقرة بإبعاد القوات الكردية وسوريا الديمقراطية “قسد” وإبعادها عن الحدود الجنوبية التركية، مع موافقة دمشق على دخول القوات التركية في حال وجود أي خطر على ما يعتبرونه “الأمن القومي” لعمق محدد داخل الأراضي السورية تحت مسمى “محاربة الإرهاب”، وبذلك شرعنة التواجد التركي في البلاد.
إعداد: علي إبراهيم