أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – أدت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا ومن ضمنها المناطق الجنوبية التي تعتبر مهمشة من قبل السلطات في دمشق، لاشتعال احتجاجات شعبية سلمية سرعان ما طالبت “بإسقاط النظام” والتغيير السياسي الجذري في البلاد، وذلك في مشهد يعيد إلى الأذهان انطلاقة الاحتجاجات الشعبية في البلاد في 2011.
“الخطوة الأولى نحو الإدارة الذاتية”
وتتزامن هذه الاحتجاجات الشعبية التي تكاد تنهي شهرها الأول، مع ما تم الحديث عنه بالذهاب نحو “الإدارة الذاتية” لمحافظة السويداء في شكل من أشكال “اللامركزية”، وهي من المطالب التي تم رفعها في الاحتجاجات الشعبية، والتي أكد متظاهرون وسياسيون أنها “لا تشكل أي خطر على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، بل تهدف لإدارة أبناء المحافظة منطقتهم بعد تهميشها المتعمد من قبل السلطات في دمشق”، في حين رأى آخرون “أنها شكل من أشكال التشظي الداخلي الذي من الممكن أن يؤدي إلى تقسيم البلاد”.
وبين هذه النظريات واختلاف الرؤى حول “الإدارة الذاتية” و “اللامركزية”، بدأ “حزب اللواء السوري” ما تم وصفه “بالخطوات الأولى على طريق الإدارة الذاتية”، وذلك عبر تفعيل لجان محلية مدنية تهدف لتقديم الخدمات للمجتمع، مع بدء فريق “مكتب العمل والبلديات” التابع للحزب، بالعمل في عدة أحياء في مدينة السويداء.
وكشفت تقارير إعلامية عن أن “حزب اللواء السوري” قام مؤخراً بتشكيل 4 فرق خدمية يصل عدد أعضاءها إلى 100 عضو، مهمتهم المساهمة في بناء مؤسسات بديلة لمؤسسات الحكومة السورية، التي تم إغلاقها منذ بداية الاحتجاجات السلمية، وذلك لخدمة المجتمع، وللحد من أعباء الأهالي.
وبحسب ما تم الحديث عنه، فإن أبرز الخدمات البديلة التي سيتم تقديمها، من قبل الفرق، هي “تأمين خدمات البلديات من تقييم الطرقات والأحياء وإزالة النفايات إلى تأمين مياه الشرب”.
هل تتكرر تجربة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي بالجنوب السوري ؟
هذه الخطوة شبهها كثيرون بما حدث في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تتمتع الآن “بإدارة ذاتية” أو “حكم ذاتي”، حيث كانت البداية بفرق ضمت عشرات الأعضاء قدموا خدمات للمجتمع، وتطورت الأوضاع إلى تشكيل لجان شعبية مهمتها حماية تلك المناطق إبان موجة الإرهاب التي كانت ضربت البلاد في بدايات عام 2014، بعدها تشكلت قوات أمنية ومؤسسات خدمية وجيش عمل على ملء الفراغ التي أحدثته الحكومة السورية بانسحابها من المنطقة لحماية أمن العاصمة ومدن الداخل والساحل.
“مبادئ حزب اللواء السوري”
وتأتي خطوة “حزب اللواء السوري” بعد الحديث عن قيام قادة الاحتجاجات وشخصيات سياسية في محافظة السويداء بتشكيل “هيئة سياسية مدنية” تمثل الحراك وعموم أهالي السويداء، هدفها بلورة عنوان سياسي واضح تقوم لجان محلية بتنظيمه، ونشطاء لكتابة لافتاته التي تحمل طرحاً سياسياً، يدعو إلى تطبيق القرارات الدولية، والانتقال إلى “دولة المواطنة”، ومن ثم تقديم هذه الرؤية إلى المجتمع الدولي للحل في سوريا.
ويشدد “حزب اللواء السوري” على وحدة الأراضي السورية، ويتبنى طروحات عدة لشكل الحكم في البلاد على رأسها “اللامركزية الموسعة أو الفيدرالية أو الإدارة الذاتية”، إضافة إلى استقلال القرار السوري، وأن الشعب هو المعني بالتغيير الديمقراطي، وفصل الدين عن الدولة مع ضمانة ممارسة الطقوس والشعائر الدينية.
كما ينبذ الحزب “العنف والتطرف والإرهاب بكل إشكاله بما فيه إرهاب الدولة والتنظيمات المتشددة”، إضافة إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، والعمل على وضع دستور جديد للبلاد يحترم الحريات ويضمن المواطنة المتساوية، وتمكين السوريين من العودة الطوعية لوطنهم، وأن الجنسية السورية حق للجميع وليست هبة”.
وضمان مسؤولية الدولة عن توفير حياة كريمة لمواطنيها، وحل الأزمة السورية وفق الحوار السوري-السوري، وأن شعب سوريا شعب واحد متعدد المكونات يجمعه تاريخ مشترك وينتمي لهوية سورية أساسها وحدة الأرض والشعب.
“هيئة سياسية مدنية” تهدف “لتقديم رؤية للحل في سوريا”
وسبق أن تحدثت مصادر محلية لشبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، عن أن الهيئة السياسية المدنية ستنبثق عن مؤتمر سياسي سيعقد في السويداء، وأن هذه الهيئة المرتقبة سوف تقدم إلى المجتمع الدولي رؤيتها السياسية لمستقبل سوريا ومشاركتها في العمل السياسي على إعادة بناء الدولة.
ولفتت إلى أن المبادئ التي تنطلق منها تلك الهيئة هي “تأكيد وحدة الأراضي السورية، ورفض أي مشروع انفصالي، وتعزيز مفهوم الإدارة اللامركزية، وطرح مفهوم الإدارة الذاتية وتأمين احتياجات المجتمع، ومواجهة ظاهرة تفشي المخدرات التي انتشرت بشكل كبير نتيجة دعم الأجهزة الأمنية الحكومية لهذه الظاهرة”.
الاحتجاجات مستمرة
في غضون ذلك، تستمر الاحتجاجات الشعبية السلمية في المحافظة لليوم الـ25 على التوالي، وسط رفع المحتجون شعارات تنادي “بتطبيق القرار 2254” و “إسقاط النظام”، وتعزيز مفهوم اللامركزية وبناء جسم وطني ديمقراطي وإطلاق سراح جميع المعتقلين في السجون.
ومع استمرارها منذ 20 آب/أغسطس الماضي، تتجاهل الحكومة السورية مطالب أهالي السويداء، في وقت يتم اتهام المحتجين من قبل إعلام السلطة بأنهم “ينفذون أجندات خارجية” وأن المظاهرات في السويداء هي “أحد أشكال المؤامرة الكونية على سوريا” وغير ذلك الكثير من الأوصاف التي تعود السوريون على سماعها لكل من يعارض السلطة في دمشق.
وسبق أن شهدت محافظة السويداء احتجاجات شعبية كبيرة في شباط/فبراير 2022، بعد قرار صادر عن الحكومة السورية بقطع الدعم الحكومي عن مئات الآلاف من المواطنين عبر البطاقة الذكية، والتي تزامنت مع أوضاع معيشية واقتصادية سيئة للغاية.
فيما تجددت بعد نحو سنة ونصف بعد قرار حكومي آخر برفع أسعار المحروقات بنسب تعدت الـ100 بالمئة، ومرسومي زيادة الرواتب لموظفي الدولة، والتي لم توازن على الإطلاق ما بين انهيار الليرة والاقتصاد وارتفاع الأسعار وقدرة المواطن السوري على تأمين لقمة العيش.
إعداد: رشا إسماعيل