أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بعد إطلاق قوات سوريا الديمقراطية عمليتها الأمنية المسماة “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور، والتي قالت إنها تستهدف “خلايا داعش والعناصر الإجرامية وبؤر الفساد وتجارة المخدرات”، كان لافتاً التصعيد العسكري التركي على مناطق عدة تحت نفوذ الإدارة الذاتية، حيث أن الجبهات التي اشتعلت كانت هادئة ولو نسبياً بالأشهر الماضية.
“مسلحو العشائر”.. بداية القصة
التصعيد العسكري على منطقة منبج بشكل خاص، جاء فيما بات يقال أنه “لمسلحي العشائر” الذين يريدون الوصول إلى دير الزور للمشاركة مع العشائر الأخرى القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، وعمل الإعلام على ترويج هذه الفكرة في المجتمع السوري، بينما اتضح لاحقاً من خلال شخصيات معارضة خرجت وبيانات لقوات عسكرية حقيقة ما يجري وأن “مسلحو العشائر” ما هم إلا من فصائل المعارضة المقربة من الاستخبارات التركية كـَ “العمشات والحمزات وأحرار الشام” إضافة إلى “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة”.
وبالعودة إلى تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، فجأة بدأت “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” بالهجوم على مواقع فصائل المعارضة في “الجيش الوطني” وخلال أيام قليلة سيطرت على مدينة عفرين ومعظم أريافها، تحت مرأى ومسمع من القوات التركية، حينها تم الحديث عن أن ذلك خطة تركية لجلب “النصرة” إلى جبهات القتال مع قوات سوريا الديمقراطية في منبج وعين العرب/كوباني ومناطق شمال حلب المسماة “بالشهباء”.
تركيا تريد إشراك النصرة بمحاربة قسد
واعتبر محللون سياسيون وعسكريون وناشطون سوريون حينها، أن تركيا ضاقت ذرعاً بالفصائل التي لديها، كونه لا يمكن توحيدهم تحت راية كيان عسكري واحد، وهم في اقتتال دائمي، لذلك كان لا بد من تشكيل جسم عسكري جديد، يكون “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” عموده الفقري، وذلك لما لهذا التنظيم من قوة عسكرية ونارية وعناصره متمرسون على القتال، وليس كـَ “الجيش الوطني” الذي هم “أمراء حرب” وفصائل متصارعة فيما بينها لا يهمها سوى الأموال ولو دفعهم ذلك للقتال خارج البلاد، كليبيا مثلاً وأذربيجان.
قوات سوريا الديمقراطية بدورها حذرت في بيان خلال تلك الفترة، أن تركيا تريد تسليم خطوط الجبهات معها إلى جبهة النصرة وتشكيل “حزام أسود” حول مناطقها وذلك استعداداً لإشراكهم في أي حرب أو عملية عسكرية مستقبلية.
“جيش العشائر”.. مزيج من فصائل موالية لتركيا مع “تحرير الشام”
تعددت الرؤى والتحليلات حول الجسم الجديد الذي ترغب فيه تركيا دمج جبهة النصرة مع بعض الفصائل المعارضة فيه، وترك الباقي لوضعهم في البازارات السياسية مع ثنائي مسار آستانا، روسيا وإيران، وامكانية التضحية بهم، وبذلك تكون تركيا قد نفذت محاربة “التنظيمات المتطرفة” كما تطلب موسكو منها.
لم يكن أحد ليتوقع بأن تركيا تخطط لإطلاق تسمية “جيش العشائر” على كيان عسكري ظهر فجأة للعلن يكون عموده الفقري جبهة النصرة، وفصائل معارضة في “الجيش الوطني”، كالعمشات والحمزات وأحرار الشرقية والجبهة الشامية، وهي فصائل مدرجة على القوائم السوداء الدولية ومعاقبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ما يرتكبونه من جرائم وانتهاكات بحق المكون الكردي في سوريا.
مصطلح “العشائر” يبعد أي تدخل أو مساندة عسكرية خارجية مع قسد
ولعل هدف تركيا منذ ذلك، إبعاد أي تدخل خارجي من التحالف الدولي أو الولايات المتحدة أو روسيا، في حال نشوب حرب بين هذا الكيان الجديد الذي يسمى “بجيش العشائر” وبين قوات سوريا الديمقراطية، وتصوير الأمر على أنه حرب للعشائر العربية ضد قوات قسد أو بالأحرى ضد الأكراد، والإعلام جاهز لترويج لهذه الفكرة.
بين ليلة وضحاها.. جيش من العشائر يمتلكون أحدث الأسلحة ؟!
وظهر “جيش العشائر” بشكل فجائي مع بداية الحملة الأمنية لقسد على دير الزور، هذه المجموعات المسلحة التي من المفترض أنها أهلية ومن أبناء العشائر، استغرب الكثيرون من امتلاكهم للراجمات والمدافع والصواريخ وقذائف الهاون والمدرعات العسكرية الثقيلة، في حين كان من المتوقع بأن يمتلكوا في أحسن الأحوال أسلحة رشاشة وأخرى متوسطة أو حتى ثقيلة منصوبة على سيارات دفع رباعية، وهذا ما أثار الريبة في حقيقة هذا الكيان الجديد.
وفي زمن لا يمكن أن يتم إخفاء الحقيقة، بدأت حقيقة “جيش العشائر” أو “مقاتلو العشائر” تتكشف، ومن كاميراتهم وحديثهم، ومن حيث شعاراتهم المتطرفة التي تشبه شعارات تنظيم داعش، إضافة للباسهم العسكري الذي كان يحمل راية التنظيم الإرهابي، إضافة إلى العناصر التي سقطت قتلى في الاشتباكات على محاور ريف منبج، وتبين لاحقاً أنهم من “الهيئة وأحرار الشرقية والعمشات والحمزات” وغيرهم، إضافة لذلك كله البيانات العسكرية الرسمية التي أكدت وصول “النصرة” إلى خطوط التماس المقابلة لريف منبج.
تحرير الشام تستلم خطوط التماس مع مجلس منبج العسكري
وأكد مجلس منبج العسكري في بيان سابق له، أن “هيئة تحرير الشام” نصبت أسلحة ثقيلة ضمن قرى سكنية تم إفراغها من ساكنيها سابقاً، كما شنوا عدة هجمات مع حلفائهم الموالون لتنظيم القاعدة على قرى في ريفي منبج والباب، وتمكنت المجلس العسكرية المحلية من التصدي لهم.
وبذلك يبدو أن تحرير الشام وحلفائها من الموالين للقاعدة إضافة إلى فصائل المعارضة السورية الموالية لتركيا سيكونون عنواناً للمرحلة المقبلة ضمن جسم عسكري جديد تمت مسمى “جيش أو مقاتلو العشائر” أو امكانية تبديل اسمه لمصطلح آخر، مع إزالة فصائل انتهت صلاحيتها من المشهد العسكري نهائياً، وذلك بهدف قتال قوات سوريا الديمقراطية.
ولا يستبعد متابعون أن تكون هذه التحركات الأخيرة من ضمن المساعي الروسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق، ونتائج الاجتماعات الأمنية لوزراء دفاع “سوريا وتركيا وإيران وروسيا” والأجهزة الاستخباراتية لهذه الدول، كون هدفهم موحد ضد قسد رغم كل خلافاتهم السياسية والعسكرية.
إعداد: علي إبراهيم