أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – من جنوبها إلى شمالها وشرقها وغربها، عادت الجبهات السورية لتشتعل مرة أخرى بعد هدوء دام سنوات، حيث هناك اعتقاد بأن مرحلة جديدة تمر بها البلاد قد تنجم عنها خرائط جديدة للسيطرة العسكرية و تمايل موازين القوى لصالح أطراف على مصلحة أطراف أخرى، قبل أي حلول سياسية قد تفرض على الأطراف المتخاصمة على السلطة منذ 12 عاماً، خاصة مع عودة العرب للملف السوري.
حراك شعبي سلمي في السويداء
البداية كانت من محافظات الجنوب، وتحديداً السويداء ودرعا، التي خرجت في حراك سلمي واحتجاجات شعبية كبيرة، بعد قرارات حكومية برفع أسعار المحروقات بنسب تعدت الـ100 بالمئة على بعض مشتقاتها، وما تلاها من مرسومين لزيادة الرواتب وأجور العاملين في مؤسسات الدولة بنسبة 100 بالمئة أيضاً، والتي لم تغني ولم تسمن من جوع، بل أدت لارتفاع كبير جداً على الأسعار وهو ما أدى لانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكبر، وزيادة نسبة من يعيشون تحت خط الفقر.
ودخلت الاحتجاجات الشعبية في السويداء أسبوعها الـ3، وسرعان ما رفعت سقف مطالبها لتشمل مرة أخرى “إسقاط النظام” و “تطبيق الحلول السياسية في سوريا بما في ذلك القرار 2254″، إضافة إلى شعارات تنادي بوحدة السوريين ووحدة المصير والتعايش المشترك بين شعوب وأبناء البلاد، مع الحديث عن “اللامركزية” كحل شامل للأزمة السورية.
دير الزور.. مخطط لإشعال الشرق
تلا انتفاضة السويداء وحراكها السلمي ضد النظام الحاكم في سوريا، أحداث دامية في ريف محافظة دير الزور الشرقي، ضمن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، وتعددت الروايات حول ما يجري في المحافظة، حيث تم الادعاء أن ما يجري فيها “حرب بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية”، وهو ما تم استبعاده من قبل الكثير من الشخصيات السياسية والمتابعة السورية.
وتقول قسد والإدارة الذاتية، أن هناك مخطط مشترك بين الأطراف المتصارعة منذ 12 عاماً في سوريا، توحدوا فيه لضرب استقرار المنطقة، وهم “تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها، والحكومة السورية وإيران والمجموعات المسلحة التابعة لها مع بعض شيوخ ووجهاء العشائر في مناطق الطرفين مع خلايا لتنظيم داعش الإرهابي وبعض القيادات العسكرية التابعة لقسد” والتي تم عزلها مؤخراً، وهو المدعو أحمد الخبيل قائد “مجلس دير الزور العسكري”.
وتشهد مناطق ريف دير الزور اشتباكات عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية ومسلحين يتبعون للأطراف المذكورة، ومنهم المئات دخلوا عبر نهر الفرات من غربه إلى شرقه، للمشاركة في الاشتباكات.
قسد استعادت السيطرة على معظم المناطق بريف دير الزور
وخلال الأيام الأولى للأحداث، فقدت قسد السيطرة على مدن وبلدات وقرى عدة في ريف دير الزور، دون الخوض في قتال عنيف، إلا أن ذلك تحول بعد ما قيل أنه “مساندة العشائر لقسد”، وذلك بعد معرفة هوية الذين يقاتلون في ريف دير الزور وانتمائهم، بدأت قسد بالهجوم المضاد ضمن العملية الأمنية الأساسية المسماة “بتعزيز الأمن” واستعادت السيطرة على معظم المدن والبلدات ومحاصرة المقاتلين الآخرين في بلدة ذيبان والتي يقال أنها آخر نقاطهم.
وتدخلت قوات التحالف أيضاً في سير المعارك بعد التأكيد على مرور جماعات مسلحة موالية لإيران من غرب الفرات إلى شرقه، حيث شنت طائراته الحربية غارات جوية على مناطق عبور المسلحين ونقاطهم إضافة إلى مواقع إيرانية في البوكمال.
تصعيد عسكري تركي في الشمال مع بداية عملية قسد الأمنية
وكان لافتاً أنه مع اليوم الأول لانطلاق عملية قسد الأمنية في ريف دير الزور، صعدت القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها من هجماتهم على محاور عدة في أرياف حلب والرقة والحسكة، حيث فتح الجيش التركي جبهة منبج وعين عيسى وتل تمر في آن معاً، فيما تهافت المئات مما تم تسميتهم “مقاتلو العشائر” لقتال المجالس العسكرية التابعة لقسد في هذه المناطق تحت مسمى “دعم العشائر بدير الزور”.
وتشهد أرياف منبج عين عيسى وتل تمر اشتباكات وقصف متبادل بين القوات التركية وفصائل المعارضة من طرف والمجالس العسكرية لقسد وقوات الحكومة السورية من طرف آخر، وسط التصدي لكل تلك الهجمات وعمليات كر وفر في بعض القرى القريبة من خطوط التماس، مع شن الطائرات الحربية الروسية قصفاً جوياً على مواقع الفصائل بريف منبج.
معارك عنيفة في “خفض التصعيد”.. وسلاح الجو الروسي يعود للأجواء
التصعيد العسكري في الشمال لم يقتصر على الشمال الشرقي، بل منطقة خفض التصعيد اشتعلت هي أيضاً، حيث شنت فصائل المعارضة و “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة” هجمات عنيفة على مواقع عسكرية لقوات الحكومة السورية تسببت بسقوط قتلى وإصابات بين الطرفين.
كما دخل الطيران الحربي الروسي في سير المعارك وشن غارات جوية على مواقع لفصائل المعارضة و “تحرير الشام” وحلفائها في محاور مختلفة من “خفض التصعيد”، كذلك دخلت القوات التركية في الاشتباكات بشنها لقصف مدفعي وصاروخي على مواقع لقوات الحكومة السورية في ريف إدلب.
ومع هذه التطورات العسكرية والأزمات التي تعيشها البلاد والاحتجاجات الشعبية، يبدو أن سوريا تعيش بداية مرحلة جديدة، قد ترسم فيها ملامح المرحلة المقبلة، قبل أي حل سياسي قد تفرضه الدول العربية والمجتمع الدولي لإنهاء هذا الصراع الذي أثر على المنطقة كلها وربما العالم.
إعداد: علي إبراهيم