الرسائل التي بدأت تصل بغداد تُفضي إلى نتيجة مفادها أن التحركات تذهب باتجاه عزل بين معبر القائم العراقي – البوكمال السوري ووجود توافق مستتر أميركي – روسي – تركي لإسقاط نظام الأسد.
توافق دولي مبطّن لتغيير النظام في سوريا
على ما يبدو أن شفرة طلاسم الحشود الأميركية التي تُسوّر حدود العراق وجحافلها التي بدأت تهبط مع أسلحتها ومعداتها القتالية في قاعدة عين الأسد بالأنبار غربي العراق، والتحركات العسكرية المريبة التي كانت تثير قلق وتخوّف العراقيين قد حُلّت برسائل مبطنة من السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي موجهة إلى قادة الإطار الحاكم في العراق، بأن تلك التحركات والحشود لا تستهدف نظامهم السياسي وإنما إيحاءات على ما يُظَن في الداخل من الجانب السوري، وتحديداً نظام بشار الأسد.
تمعّنوا في حركة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت تتصاعد في عدد من المدن السورية مثل السويداء ودرعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية عام 2011، والتي تطالب بإسقاط النظام والحرية والكرامة مع الإغلاق الأميركي للحدود بين العراق وسوريا، أوحى ذلك لمن في بغداد بأن أميركا استلمت الضوء الأخضر لعمل ما في الداخل السوري، خصوصا مع وجود توافق دولي مبطّن لتغيير النظام في سوريا.
“تحريك الوضع الداخلي في الجانب السوري ربما يهدف إلى إسقاط النظام أو تغييره”، اعتراف يحمل الكثير من الأهمية، ويستدعي التوقف عند مضامينه عندما يصدر عن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون.
المؤكد أن الإطار التنسيقي استلم إشارات الطمأنة الأميركية ولو مبدئيا بعدم القيام بأي عمل عسكري في الداخل العراقي، وإن الغلق يعني استكمال الحصار على الجار السوري، لكن لا يعني ذلك أن شرارة ما يحدث بالجوار ستظل آثارها بعيدة عن العراقيين، أو أن المنطقة لن تصبح ساحة للمواجهات وتصفية الحسابات ويكون العراق منطلقا لإعلان ساعة الصفر.
◙ الداخل العراقي لا يخفي قلقه مما قد يحدث في الجانب السوري ليصبح مثل كرة الثلج التي تأخذ كل ما يقف أمامها عند تدحرجها
حديث المالكي المتلفز الذي تنقّل بين الطمأنة والتخوف والحذر، له ما يبرره في فقدان التوازن أو الثقة مع الجانب الأميركي، فهو لم يتطرق إلى مصير الميليشيات التي تقاتل إلى جانب الأسد، وما سيؤول إليه مصيرها أو الحكم عليها، على اعتبار أن أغلب قواعد تلك الميليشيات السياسية تتمركز وسط المشهد السياسي بالعراق، ولا يخفى ما لردود أفعالها من دور في صناعة القرار السياسي.
الحشود الأميركية وغلق الحدود بين العراق وسوريا وصلت إلى داخل قبة البرلمان العراقي، حين أعلنت لجنة الأمن والدفاع النيابية ضرورة تجنب انعكاس الأوضاع في سوريا على العراق في قادم الأيام، حيث تشير التسريبات إلى وجود خطط أميركية غير معلنة تهدف إلى السيطرة على الأراضي السورية، وإنشاء خط فاصل يمتد من المثلث العراقي – السوري – الأردني إلى المثلث العراقي – التركي – السوري، لعزل منطقة غرب الفرات عن شرقه، وتحذيرات من عودة تنظيم داعش للنشاط الفعال خصوصاً وأن الجيش الأميركي يسيطر على سجن يضم 5900 عنصر إرهابي، بالإضافة إلى وجود حوالي 27 ألف نسمة من أسر مقاتلي داعش، وهؤلاء مهيؤون أيديولوجياً لقبول فكرة الانضمام إلى هذا التنظيم الإرهابي حسب إدعاء اللجنة النيابية في مجلس النواب العراقي.
بالمحصلة فإن الداخل العراقي لا يخفي قلقه مما قد يحدث في الجانب السوري ليصبح مثل كرة الثلج التي تأخذ كل ما يقف أمامها عند تدحرجها.
الرسائل السياسية التي بدأت تصل إلى حكومة بغداد مع بدء تظاهرات الجنوب السوري، وتجنيد أبناء العشائر العربية ودعم قوات الصناديد والمجلس العربي للعشائر كقوة مساندة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تُفضي إلى نتيجة مهمة مفادها أن كل هذا الفعل لم يأت من فراغ ويذهب باتجاه عزل جغرافي بين معبر القائم العراقي – البوكمال السوري، مع وجود توافق مستتر ضمن اتفاق أميركي – روسي – تركي ووجود رغبة بين تلك الأطراف لإسقاط نظام الأسد، وهو ما ستخبرنا عنه الأحداث في قادم الأيام.
سمير داود حنوش – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة