في السابع من شهر مايو – أيار 2023 اتخذت جامعة الدول العربية قرارا اعتبر تاريخيا ينص على عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة بعد تعليق عضويتها لأكثر من عشر سنوات.
القرار الذي اتخذته الدول العربية مفهوم في ظل التغيرات التي يشهدها العالم وتشهدها دول المنطقة، وفي ظل سياسة تصفير المشاكل السياسية، وذلك لفسح المجال والعمل على مواجهة الأزمات الاقتصادية.
قرار استئناف مشاركة سوريا في “اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها” كان قرارا ملزما ساريا على الفور، رغم اعتراض بعض الدول، على أن يتم العمل لاحقا لإيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن الحرب الأهلية السورية بما فيها مشكلة اللاجئين في الدول المجاورة وداخل سوريا، وملف الكبتاغون وتهريب المخدرات عبر دول المنطقة.
نصّ القرار حينها على أن يقوم الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة العربية بتشكيل لجنة اتصال وزارية مع الحكومة السورية لإيجاد حل للأزمة “وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة”.
◙ لا يمكن أن نشكك بصدق نوايا جيران سوريا، الذين يأملون في التوصل إلى حل للأزمة، وهي الأكثر تعقيدا وخطورة في “قلب الشرق الأوسط”
ورأت أطراف مشاركة في اتخاذ القرار أن عودة سوريا لشغل مقعدها “مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات”.
وهو ما أكده مسؤول أردني طالب دمشق بإظهار جديتها في التوصل إلى حل سياسي، واعتبر ذلك شرطا مسبقا للضغط من أجل رفع العقوبات الغربية، وهي خطوة حاسمة لا بد من اتخاذها قبل توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، كما أكد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في مؤتمر صحفي “هي بداية حركة وليست نهاية مطاف بمعنى أن مسار التسوية للأزمة السورية سيأخذ مرحلة من الإجراءات”.
وأضاف أبوالغيط “أيضا هي ليست بقرار لإقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وسوريا. هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة. نحن نتحدث في هذا القرار عن شغل المقعد”.
بعد عشرة أيام يكتمل الشهر الرابع على صدور القرار، وهي خطوة لم تتلها أي خطوات أخرى. كل ما شاهدناه هو اجتماعات تنتهي بالاتفاق على عقد اجتماعات أخرى، وهكذا..
رغم ذلك، كانت الخطوة بالنسبة إلى دمشق التي دعت الدول العربية لإظهار “الاحترام المتبادل” أكثر مما تأمله.. هي فوز بكل شيء دون أن تقدم أيّ مقابل.
سينشغل العالم طويلا بالمشكلة السورية دون أن يتوصل إلى أيّ حلول واقعية لها، وسيكتفي التاريخ بتسجيلها “أعقد مشكلة واجهتها البشرية”.
مجرد قراءة بسيطة للخارطة الديموغرافية داخل سوريا وللسوريين خارج الأراضي السورية تظهر الصعوبات التي ستواجهها أخلص النوايا وأطيبها.
بالطبع، لا يمكن لأيّ طرف مهما بلغت سعة اطلاعه على الوضع أن يقدم قراءة دقيقة 100 في المئة، ولكن يمكن الاقتراب من الحقيقة.
آخر الدراسات تؤكد أن عدد سكان سوريا 26.7 مليون نسمة، 16.7 مليون تقريبا منهم يعيشون داخل سوريا، و9.12 مليون خارج الأراضي السورية، وهناك ما يقارب المليون بين مفقود ومغيب.
◙ أكثر ما يمكن للحكومة دمشق عمله هو التركيز على حل قضية الكبتاغون التي تعاني منها الدول المجاورة، والتفاوض على حل ملف المفقودين والمغيبين
الداخل السوري نفسه قصة أخرى، ولتبسيط الأمر يمكن الحديث عن ثلاث مناطق رئيسية، حيث تضم مناطق المعارضة السورية التي تسيطر عليها تركيا 4.3 مليون شخص تقريبا، وتضم مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” ويشار إليها باختصار (قسد) نحو 2.6 مليون، وهي تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي، وكذلك للميليشيات العربية والآشورية/السريانية، وبعض الجماعات التركمانية والأرمنية والشركسية والشيشانية.
تعقيدات الوضع السوري لا تنتهي عند هذا الحد، هناك تواجد عسكري مباشر لدول كبرى تحرص على الدفاع عن مصالحها في منطقة هي أشد المناطق تعقيدا في العالم (روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا). دون أن ينسينا ذلك كله الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية.
بوجود 10 مليون لاجئ سوري في دول الجوار والدول الأوروبية، تصبح المشكلة السورية أعقد مشكلة عرفها التاريخ الحديث. خاصة أن اللجوء والنزوح لم يعودا حالة مؤقتة، بل أصبحا حالة دائمة، حيث أن معظم اللاجئين السوريين اليوم يميلون للاستقرار في الدول الأوروبية، ونجحوا إلى حد كبير في تأسيس مجتمعاتهم وأعمالهم وحققوا درجة واسعة من الاندماج، وحصل جزء كبير منهم على جنسيات الدول المستضيفة أيضاً.
في ظل وضع متشابك مثل هذا، ماذا يمكن للجنة الاتصال التي شكلتها جامعة الدول العربية لمتابعة الأزمة السورية وتصحيح المسار تمهيدا لإنهاء النزاع وفق المبادرة الأردنية خطوة خطوة، عمله؟
كل ما يمكن إنجازه هو دعوة الطرف السوري لإجراء محادثات لمناقشة “الملفات المثيرة للقلق”، وهي ملفات أصبحت معروفة للجميع؛ تشمل عودة اللاجئين، وتهريب الكبتاغون، ووحدة الأراضي السورية، واحتياجات التعافي المبكر، ورفع العقوبات وإعادة الإعمار.
وهو ما حدث بين الخامس عشر والسادس عشر من شهر الحالي، حيث عقدت اجتماعات ثنائية متعددة، التقى فيها مسؤولون مصريون بشكل فردي مع الوفدين السوري والسعودي، كما عقد وزيرا الخارجية الأردني والسوري اجتماعا ثنائيا، وضمت محادثات اللجنة الكاملة وزراء خارجية سوريا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والعراق، بمشاركة الأمين العام للجامعة العربية.
وانفضت الاجتماعات بإعلان وزير الخارجية المصري سامح شكري عن عقد الاجتماع المقبل في بغداد. وكالعادة، مؤكدا أن اللجنة “ستقدم يد العون للشعب السوري الشقيق للخروج من محنته”.
◙ قرار استئناف مشاركة سوريا في “اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها” كان قرارا ملزما ساريا على الفور، رغم اعتراض بعض الدول
بالطبع، لم تغب اللهجة الودية عن البيان الختامي الصادر عن اللجنة وأكدت فيه أنها “تشجع الحكومة السورية على مواصلة الخطوات والإجراءات المتخذة للتعامل مع كافة تداعيات الأزمة السورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري في الخروج من الأزمة”.
لا يمكن أن نشكك بصدق نوايا جيران سوريا، الذين يأملون في التوصل إلى حل للأزمة، وهي الأكثر تعقيدا وخطورة في “قلب الشرق الأوسط”، ويمكن أن يكون لها تأثير كارثي على الأمن والرخاء في المنطقة.
ولكن لا بد من التساؤل: ماذا يمكن لحكومة دمشق أن تقدمه بالمقابل؟
فشل سياسة خطوة خطوة لا يعود سببه إلى تعنت الحكومة السورية. ليس لدى دمشق الكثير لتقدمه، أوراق الأزمة تمسك بها أطراف خارجية، وهذه الأطراف ليست مستعدة للتخلي عن أيّ من أوراقها.
وعدا عن الأطراف الأجنبية، فسوريا محكومة اليوم بثلاث حكومات، ومحكومة أيضا بمخاوف اللاجئين.
أكثر ما يمكن للحكومة دمشق عمله هو التركيز على حل قضية الكبتاغون التي تعاني منها الدول المجاورة، والتفاوض على حل ملف المفقودين والمغيبين.
لنكن واقعيين، حكومة دمشق ليست أعقد أوراق ملف الأزمة السورية، ولكنها أثبتت دائما أنها تعرف كيف تفوز بكل شيء دون أن تضطر لتقديم أيّ شيء.
علي قاسم – كاتب سوري – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة