أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بجولة رئاسية جديدة، ساد اعتقاد بأن أنقرة لن تبدي المرونة ذاتها التي كانت تتعامل بها بخصوص إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، وأنها ستبدأ بفرض الشروط، وهو ما يمكن اعتباره حصل بالفعل، بينما لاتزال دمشق تعتبر أن الانسحاب العسكري هو الأساس لأي مفاوضات مع تركيا، وذلك بالتزامن مع مساعي روسية لتقريب وجهات النظر وإزالة العقبات.
تراجع وتيرة التطبيع بين دمشق وأنقرة بعد الانتخابات في تركيا
وخف تسارع عودة العلاقات بين الطرفين بعد الجولة انتخابات الرئاسية في تركيا، بينما بدأت أنقرة تقابل شروط مطالب دمشق للصلح، بشروط عدة، منها محاربة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، والعمل على وضع دستور جديد للبلاد وإشراك المعارضة الموالية لأنقرة بالحل السياسي، مع التعاون على عودة اللاجئين السوريين لبلادهم.
شروط قالت أوساط سياسية أنها تعبر عن مصالح تركيا في سوريا، وليست لتلبية متطلعات السوريين في حل حقيقي وجذري للأزمة والصراع القائم في البلاد، مشددين أن تركيا أيضاً مثلها مثل الأطراف الأخرى لها أجنداتها وأهدافها في سوريا، وكل طرف من هذه الأطراف يسعى لتمرير ما يريد وكله على حساب الشعب السوري.
آستانا.. اتفاق على تسريع وتيرة التطبيع فكان التصعيد في الشمال
وخلال الجولة الـ20 من اجتماعات مسار آستانا في الـ20 من حزيران/يونيو الماضي، تم التوافق على تسريع وتيرة استعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، والعمل معاً لإزالة العقبات أمام هذه المساعي.
تلا ذلك تصعيد عسكري عنيف وغير مسبوق في مناطق سيطرة هذه الأطراف وحلفائهم على الأرض، حيث تشهد منطقة “خفض التصعيد” منذ ذاك الحين تصاعداً بعمليات القصف المتبادل بين قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة بمختلف أشكالها ومسمياتها، مع عودة الطيران الحربي الروسي لأجواء المنطقة وتسببه بوقوع خسائر بشرية بين المدنيين لأول مرة في 2023.
وكان هناك من أرجع هذا التصعيد إلى وجود خلافات بين هذه الأطراف على منطقة “خفض التصعيد” والشمال بشكل عام، حيث بالتزامن مع العنف في شمال غرب سوريا، صعدت تركيا في المنطقة الشمالية الشرقية.
“هناك عراقيل”.. موسكو لاتزال تعمل على تسريع التطبيع
وبالعودة لسياق تطبيع العلاقات، أكّد مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، على استمرار العمل بشكل مكثف على تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، موضحاً أنه سيتم إبلاغ رؤساء الدول عند الانتهاء لتحديد تفاصيل وتاريخ لقاء رجب طيب أردوغان مع بشار الأسد.
ولفت المبعوث الروسي إلى وجود مصاعب محددة في طريق تطبيع العلاقات، بينها التواجد العسكري التركي في سوريا، مؤكداً على عدم وجود أي تباطؤ في عملية التطبيع، وأن العملية تتطور بشكل شهري.
وتابع “في البداية كان لقاء على مستوى الخبراء، ثم لقاء ثلاثي على مستوى وزراء الدفاع، ثم على مستوى وزراء الخارجية الذين كلفوا نواب الوزراء بالعمل على خارطة طريق، ويتم حاليا العمل على تفعيل خارطة الطريق، ويجري العمل بشكل نشط ومكثف، وعندما تنتهي الأطراف من عملها، سيتم إبلاغ الرؤساء بالنتائج من أجل العمل لعقد لقاء بين أردوغان والأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
“الاتفاقيات بخصوص إدلب عمل صعب”
وبخصوص إعادة فتح الطرق الدولية، قال لافرينتيف إن العمل مستمر، وإن الالتزامات التي أخذتها تركيا على عاتقها، بإبعاد فصائل المعارضة لمسافة 6 كم عن أوتوستراد M4، ووضع نقاط للجيش التركي مستمرة فيها، وهذا العمل فيه صعوبات محددة، مشيراً إلى أن بعض الصعوبات تتعلق بالعلاقة بين تركيا و المجموعات التي تسيطر على تلك المناطق، وهذا العمل صعب بما فيه الكفاية، وقال “لكننا لا نرفع أيدينا، ومستمرون بالعمل عن قرب وبتنسيق بين سوريا وتركيا بوساطة العسكريين الروس”.
دمشق متمسكة بشرط الانسحاب حتى تعيد العلاقات
بدوره علق السفير السوري السابق لدى أنقرة، نضال قبلان، إنه لا يوجد تقدم جدي في “المصالحة” بين دمشق وأنقرة، مشيرا إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد، لن يلتقي بنظيره التركي إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق على الشروط الأساسية.
تصريحات “قبلان” جاءت لوكالة “سبوتنيك” الروسية والتي قال فيها، أن شرط الانسحاب العسكري من الأراضي السورية لا يمكن التفاوض عليه، مؤكداً عدم وجود أي اختراق جدي في طريق المصالحة، وأشار إلى أنه لا يمكن البدء بأي محادثات دون خطوات عملية من الجانب التركي لضمان التزاماته بالمطالبات السورية وأولها “الانسحاب العسكري”.
واعتبر قبلان أن تعيين “أردوغان”، لرئيس المخابرات التركية هاكان فيدان كوزير للخارجية، يمكن أن يكون خطوة إيجابية وقوية لتسهيل قرارات مستقبلية، خاصةً بالنسبة للعلاقات بين دمشق وأنقرة.
“مكافحة الإرهاب وفتح المعابر وعودة السيطرة على إم فور”
وأعاد القول أن الانسحاب التركي هو شرط دمشق الأساسي لأي علاقات مع تركيا ولا يمكن أن تتم هذه العودة مع احتلال الأراضي السورية، وأضاف أن هناك شروط أخرى كـَ “وقف الدعم التركي عن التنظيمات الإرهابية” و فتح المعابر الحدودية الرسمية بين البلدين، وعودة السيطرة السورية على طريق إم فور الاستراتيجي.
وتسيطر تركيا على 7 مدن سورية بمعظم أريافها، وهي إدلب وإعزاز وجرابلس والباب وعفرين بريف حلب، ورأس العين بريف الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة، وتهدد بين الحين والآخر بشن عمليات عسكرية جديدة في الشمال التابع للإدارة الذاتية، بحجة أنهم يهددون أمنها القومي.
كما بات من المعلوم للجميع أن هدف تركيا من عودة العلاقات مع دمشق هي لتوسيع جبهة الحرب ضد الأكراد السوريين وعدم قيام أي كيان كردي أو إدارة تمثلهم في الشمال، وليس من المستبعد أن تتنازل أنقرة كثيراً حتى تحقيق هذا الهدف لصالح دمشق وموسكو، مع بقاء السؤال حول ما ستحصل عليه أنقرة في حال تقديمها لأي تنازلات.
إعداد: علي إبراهيم