أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – هناك عشرات وربما مئات الآلاف من السوريين المفقودين والمختفين والمعتقلين الذين لا تعلم أسرهم عنهم أي شيء منذ سنوات، لا إنهم على قيد الحياة ولا إن كانوا في عداد الموتى. وكون الكشف عن مصير هذا الكم الهائل البشري بات مطلباً ليس فقط سوريا بل دولياً، قررت الأمم المتحدة إنشاء “مؤسسة” معنية بالبحث والتحقيق والكشف عن مصير هؤلاء المفقودين ولدى كافة الأطراف السورية.
“مؤسسة مستقلة أممية معنية بشؤون المفقودين في سوريا”
وينص القرار الذي تم التصويت عليه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين” الذين تقدر منظمات غير حكومية عددهم بأكثر 100 ألف شخص منذ اندلاع الحرب والصراع المسلح في سوريا عام 2011.
وتبنت الجمعية الأممية القرار بأغلبية 83 صوتاً مقابل 11 ضده (بينهم حلفاء دمشق)، وامتناع 62 عن التصويت بينهم دول عربية استعادت علاقاتها مع الحكومة السورية خلال الفترة الماضية.
دول عربية صوتت لصالح القرار وأخرى رفضته وامتنعت عن التصويت
وفي التفاصيل، كانت أغلب الدول الغربية صوتت لمصلحة القرار في حين لم تصوت له من الدول العربية سوى قطر والكويت، وامتنعت 13 دولة عن التصويت هي، “لبنان والعراق ومصر والسعودية والجزائر والبحرين والمغرب والإمارات وجيبوتي واليمن والأردن وعمان وتونس”، فيما رفضته “الصين وروسيا وكوريا الشمالية وكوبا وإيران ” وغيرها.
ولا يحدد النص طرق عمل هذه المؤسسة التي سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير “إطارها المرجعي” في غضون 80 يوما، بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان.
لكن النص يشير إلى أنه سيتعين عليها أن تضمن “المشاركة والتمثيل الكاملين للضحايا والناجين وأسر المفقودين”، وأن تسترشد بنهج يركز على الضحايا.
القرار يدعو كافة الأطراف السورية للتعاون الكامل.. ودمشق تعتبره “تدخل سافر”
كما تدعو الجمعية العامة الدول و”كل أطراف النزاع” في سوريا إلى “التعاون الكامل” مع المؤسسة الجديدة.
واعتبر سفير سوريا في الأمم المتحدة بسام صباغ، أن القرار الأممي “تدخل سافر في شؤون البلاد الداخلية”، وقال أن هذا القرار “مسيس”، وأضاف، “تؤكد سوريا أنها لم تكن طرفاً في أي من المناقشات التي جرت، ولم تجر دعوتها إليها والتشاور معها بشأن إنشاء هذه المؤسسة المزعومة”.
ولمح السفير السوري في الأمم المتحدة إلى عدم تعامل الحكومة في دمشق مع هذه المؤسسة.
توضيح مصير المفقودين وتقديم الدعم للضحايا وأسر المختفين قسراً
من أهم ما جاء في نص القرار أن الجمعية العامة “تقرر أن تنشئ، تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” في سوريا، لتوضيح “مصير جميع المفقودين وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم الكافي للضحايا وأسر المفقودين، بالتعاون الوثيق والتكامل مع جميع الجهات الفاعلة والمعنية”.
وتقرر أن “يكون للمؤسسة المستقلة عنصر هيكلي يضمن مشاركة الضحايا والناجين وأسر المفقودين وتمثيلهم بشكل كامل ومجد، وأن تعمل مع المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى بطريقة منتظمة ومستمرة”.
وتطلب الجمعية العامة من الأمين العام أن يقوم “بوضع اختصاصات المؤسسة المستقلة في غضون 80 يوم، وذلك بدعم من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، إضافة إلى الإسراع في إنشاء المؤسسة المستقلة وتأديتها لمهامها، و استقدام وانتداب موظفين محايدين ذوي خبرة لديهم مهارات والدراية الفنية المناسبة”.
“تاريخي”.. ترحيب محلي ودولي وأممي بالقرار
بدوره رحب “الائتلاف السوري المعارض”، بالقرار الأممي، وشدد في بيان له، على ضرورة “ربط هذه الآلية بملف الكشف عن المختفين قسرياً والإفراج عنهم الذي ينص عليه القرار 2254، وربطها أيضاً بملف المحاسبة”. ودعا البيان إلى ” تكثيف الجهود الجادة من أجل الإفراج عن المعتقلين، وعدم الاكتفاء بالكشف عن مصيرهم”.
فيما وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ “التاريخي”، وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو في بيان إن هذه الخطوة طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، وأنه آن الأوان لمعرفة مصير المفقودين والمختفين قسراً على مدار 12 سنة.
بدورها أشادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالقرار الأممي، وقالت أنه يحق للعائلات معرفة مصير أبنائهم المفقودين والمختفين.
بينما شدد المسؤول في منظمة هيومن رايس ووتش، لويس شاربونو، أنه على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضمان حصول هذه المؤسسة على الموظفين والموارد، وأضاف أن الشعب السوري لا يستحق أقل من ذلك.
القرار يمثل فصحة أمل لآلاف الأسر لمعرفة مصير أبنائهم
وتقول أوساط خبيرة أن هذه المؤسسة الأممية الجديدة، ستكون مؤسسة ذو هيكلية وميزانية وخبراء، وستكون مهتمها البحث والتحقيق والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسراً على مدار سنوات الحرب في سوريا وهي مبادرة إنسانية وليس لها علاقة “بالسياسة”.
ويمثل هذا القرار وهذه المؤسسة فرصة وفسحة أمل لعشرات الآلاف من العوائل التي فقدت واختفى أبنائها في سنوات الحرب أو تم اعتقالهم ولم يعد يُعلم عنهم أي شيء، لعل هذه المؤسسة تعيد المفقودين لذويهم والمختفين لحياتهم وتجعل المعتقلين قسراً يتنفسون الحرية من جديد.
إعداد: علي إبراهيم