أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – ربطت الحكومة السورية المشاركة في أي عملية عسكرية ضد الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، بشروط يجب على أنقرة تنفيذها، وذلك بعد تكرار تمسكها بالانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية “التي تحتلها” ووقف دعم الإرهاب وعدم التدخل في شؤون الدولة الداخلية.
“الصعب يصبح ممكناً”.. والثوابت الوطنية في مهب الريح
الشرط الأساسي الذي اعتبرت فيه دمشق أن “الصعب يصبح ممكناً” في إشارة للمشاركة في أي عملية عسكرية تركية ضد ما وصفوه “بالأكراد” في الشمال الشرقي هو الانسحاب العسكري التركي، وهو ما قاله نائب وزير الخارجية السوري، ورئيس الوفد السوري إلى اجتماعات آستانا، أيمن سوسان، في حديث مع “العربية/الحدث”.
وكان سوسان قال في حديث له على هامش الاجتماع العشرين والأخير بالصيغة الثلاثية لمسار آستانا في كازاخستان، أن الشروط التي تتحدث عنها دمشق للصلح مع تركيا، ليست شروطاً بل ثوابت وطنية لا يمكن التفاوض بشأنها، وأصر على أنه لطالما تركيا “تحتل أرضي سورية” فالعلاقات لن تعود إلى طبيعتها، وأنه على أنقرة الالتزام باحترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها والإقرار بسحب قواتها وفق جدول زمني محدد.
وكان سوسان أيضاً اتهم تركيا بأنها لاتزال “تقدم الدعم والرعاية للمجموعات الإرهابية في إدلب” وهي لم تلتزم بكل ما طرح في آستانا، وشدد أن هذه ليست شروطاً بل ثوابت وطنية غير قابلة للمساومة والتفاوض.
“ضغوطات روسية على دمشق لقبول الحوار دون شروط”
ويبدو أن الحكومة السورية تعرضت لضغوطات كبيرة من قبل روسيا هذه المرة في سبيل تطبيع العلاقات مع تركيا، حتى تغير موقفها من الصلح، ولو كان على حساب مطالبها وشروطها للتطبيع.
ويبدو أن إيران أيضاً هذه المرة لم تستطع الوقوف في وجه الضغوطات الروسية، حيث أشار وزير الخارجية الروسي في وقت سابق إلى أن موسكو لا تؤيد الحوار المسبق بشروط بين دمشق وأنقرة، في موقف اعتبره السوريون “متحيزاً لتركيا على حساب السيادة والأراضي السورية”.
وكانت إيران تعطي مساحة لدمشق “بالمناورة السياسية” في تطبيق مطالب “الحليف الأكبر” روسيا، خاصة في إطار الصلح مع تركيا، إلا أن هذه المرة حتى طهران لم تفيد دمشق؛ التي وجدت نفسها مجبرة للقبول على ما يبدو للصلح دون أي شروط، والإبقاء على الحديث عن هذه المطالب إعلامياً فقط.
الاتفاق على “خارطة الطريق الروسية” للتطبيع
بدوره قال المبعوث الخاص للرئيس السوري إلى سوريا إلكسندر لافرنتييف، أن سوريا وتركيا وإيران اتفقت على مفهوم “خارطة الطريق” التي قدمتها روسيا بشأن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وأن هذه الدول أعربت عن وجهات نظرها ومقترحاتها والآن يجب تنظيمها وتنسيقها.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن لافرنتييف، أن عملية إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة ستستغرق بعض الوقت، ولفت إلى أن الأهم هو أن عملية التطبيع تمضي قدماً وأنها عملية تقدمية ولا يجب تأجيلها والجميع متفقون عليها”.
تركيا لن تنسحب من سوريا إلا في حال واحدة
وكان محللون سياسيون أتراك أكدوا أن قوات بلادهم لا يمكن أن تنسحب من شمال سوريا، إلا في حال محاربة الأكراد وإسقاط الإدارة الذاتية أو سيطرة قوات الحكومة السورية على كامل الشريط الحدودي بين البلدين، وهو ما سيضمن لأنقرة حسب رؤيتهم “أمنها القومي”.
الاتفاق على محاربة “الأجندات الانفصالية”
بدورها قالت وزارة الخارجية التركية في بيان، أن هناك أهمية لتنفيذ جميع الإجراءات المتعلقة بالشمال السوري وإدلب، وأن الاجتماعات الأخيرة تناولت الوضع الميداني ومكافحة الإرهاب والتطورات الإقليمية والعملية السياسية في سوريا و عودة اللاجئين وايصال المساعدات، وأشارت إلى أن جميع المشاركين جددوا عزمهم على “محاربة الأجندات الانفصالية” التي قالت أنها “تهدد الأمن القومي لدول الجوار”، إضافة لعدم القبول بأي كيان تحت مسمى الإدارة الذاتية.
وشنت تركيا عمليات عسكرية عدة في الأراضي السورية بذريعة “أمنها القومي و محاربة الإرهاب”، وهي تسيطر فعلياً على 7 مدن وأريافها في مساحة تقدر بأربعة أضعاف ما تحتلها إسرائيل.
الإدارة الذاتية: الاجتماع الأخير يدخل المنطقة بمرحلة زعزعة استقرار
وعلق “رئيس دائرة العلاقات الخارجية” في الإدارة الذاتية بدران جيا كرد، على التطورات الأخيرة في اجتماعات آستانا، بأن هذا المسار بعد مشاركة دمشق دخل مرحلة العمل على قضايا أمنية واستخباراتية لزعزعة الاستقرار في المناطق المستقرة.
وأضاف أن الاجتماع كان واضحاً في “معاداة الإدارة الذاتية وحقوق الكرد وشعوب المنطقة”، وتابع أن ما جرى في هو “مخططات لتقاسم وضمان مصالح أطراف هذا المسار والشروع بالعمل ضد المصالح السورية الوطنية”.
من هو “الانفصالي الحقيقي” ؟
وتحدث عن “نعت” الإدارة الذاتية “بصفات كاذبة” مبيناً أن التهرب من “واقع الاحتلال التركي ومشاريعه التقسيمية والجرائم التي يرتكبها داخل سوريا والادعاء بأن الإدارة الذاتية تشكل تهديداً على الأمن القومي التركي يدفعه للتساؤل عن الجهة التي تهدد الأمن القومي الوطني السوري”.
وتساؤل “هل هو شعبنا الذي ينشئ مشروعاً ديمقراطياً ليحمي نفسه والعالم من الإرهاب، أن النظام التركي الذي يحتل ويقتل وينهب ويدعم الإرهاب ويهدد أمننا الوطني في سوريا” ؟.
وعلق على ما جاء في بيان آستانا حول التعليم، وقال “اتهامات بحق الإدارة الذاتية بفرض سياسات تمييزية في مجال التعليم ونهب الثروات” تأتي في “تتغاضى الأنظار عن عمليات التتريك وفرض اللغة التركية واجراءات التغير الديمغرافي في المناطق المحتلة”.
ولفت إلى أن خطاب آستانا “بعيدة كل البعد عن لغة الحوار والتصالح والتوافق بين السوريين” بل “يحتوي على التصعيد والاتهام والتصادم، ويحمل في طياته التصعيد ودفع المنطقة باتجاه المجهول واختلاق الأزمات، وأشار إلى أن سوريا بحاجة “لتضميد الجراح وتقريب وجهات النظر لتحقيق إجماع سوري يتوافق عليه السوريون للحل وليس لتوافق الأنظمة الحاكمة المستبدة على حساب الحقوق الوطنية”.
إعداد: على إبراهيم