طبعا الولايات المتحدة ليست هي الطرف المغفل في اللعبة فهي التي فرضت العقوبات على إيران وهي التي تسمح بخرقها، وقبل ذلك فإنها تعرف كل مفاتيح طلسم الكهرباء في العراق.
معجزة الكهرباء تظل أكبر معجزات العراق الأميركي
بين حين وآخر تقطع إيران إمدادات الغاز عن العراق وذلك من أجل الضغط عليه لدفع ما ترتب عليه من ديون.
في المقابل فإن العراق يقوم بين وقت وآخر بتسديد مليارين أو ثلاثة مليارات دولار للجارة إيران وذلك بعد أن يستحصل الموافقة من الولايات المتحدة التي تستثنيه من العقوبات.
لعبة ثلاثية الأبعاد: العراق وإيران والولايات المتحدة. وإذا ما أردنا الكلام الصريح فإن العراق يقوم بتمويل الخزانة الإيرانية بطريقة تبدو مشروعة وذلك لارتباطها بحاجته إلى الغاز الإيراني من أجل تشغيل محطات كهربائه.
◙ معجزة الكهرباء تظل هي أكبر معجزات العراق الأميركي الذي قرر أن يضع اقتصاده في خدمة الاقتصاد الإيراني بالرغم من أن العقوبات الأميركية لا تزال سارية المفعول
طبعا الولايات المتحدة ليست هي الطرف المغفل في اللعبة. فهي التي فرضت العقوبات على إيران وهي التي تسمح بخرقها وقبل ذلك فإنها تعرف كل مفاتيح طلسم الكهرباء في العراق. فأحد وزراء الكهرباء السابقين وهو أيهم السامرائي مواطن أميركي وقد سبق للقوات الأميركية أن أخرجته من السجون العراقية بعد أن كان متهما بالتصرف بثلاثة مليارات دولار كانت قد خصصت لإنشاء مشاريع كهرباء وطنية.
كانت تلك المليارات الثلاثة مقدمة لمشروع نهب، شعاره الكهرباء يُقال إنه وصل إلى الثمانين مليارا من غير أن يرى مشروع الكهرباء الوطنية النور وبقي العراق يستورد الغاز من إيران.
طبعا اللعبة مكشوفة الدوافع والأهداف. فلو أن العراق أنجز مشروعه الوطني في قطاع الكهرباء لما كان في حاجة إلى استيراد الغاز الإيراني ولما اضطر إلى تسديد مبالغ خيالية إلى الجارة التي تعاني من آثار الحصار الاقتصادي الأميركي. لذلك كان لزاما أن تتعثر كل المحاولات وتتسرب الأموال إلى خزانات شركات وهمية وإلى جيوب سماسرة صارت مهمّتهم تحويل آمال العراقيين إلى أوهام سعيدة.
أما الواقع فإنه يعود دائما إلى أصول اللعبة. يقوم العراق باستيراد الغاز من إيران التي تلجأ بين حين وآخر إلى قطع إمداداته فتوافق الولايات المتحدة على أن يخرق العراق العقوبات ويدفع ما ترتب عليه من ديون، وهي مبالغ يفرضها الجانب الإيراني ولا تخضع لأسعار السوق. يمارس الإيرانيون السرقة لكن بموافقة الطرفين العراقي والأميركي. وليس هناك مَن يعترض في ظل غموض كلي يحيط بعجز العراق الكامل عن الاكتفاء الذاتي بالرغم من أنه يملك كل عوامل ذلك الاكتفاء. ولو أن الولايات المتحدة تشعر أن تلك السرقة ليست ضرورية لأقامت الحد على الطرفين، الإيراني والعراقي من خلال وزارة خزانتها التي في إمكانها أن تعرف الثمن الحقيقي للغاز الإيراني.
◙ لو أن العراق أنجز مشروعه الوطني في قطاع الكهرباء لما كان في حاجة إلى استيراد الغاز الإيراني ولما اضطر إلى تسديد مبالغ خيالية إلى الجارة التي تعاني من آثار الحصار الاقتصادي الأميركي
وقد لا يعرف البعض حقيقة أنه لولا التمويل العراقي لانهار الاقتصاد الإيراني وتدهور سعر صرف التومان أكثر مما هو عليه الآن ولعجزت إيران عن دفع رواتب أفراد ميليشياتها في لبنان وسوريا واليمن وقبلت بأيّ اتفاق نووي جديد يُقدم لها أو يُفرض عليها. كانت هناك دائما مصارف أهلية سُجلت بأسماء عراقيين هي في حقيقتها غطاء لشبكات تهريب الأموال إلى إيران. عملت تلك المصارف على شراء الدولار من البنك المركزي العراقي والسوق العراقية بحجة استيراد مواد غذائية وأدوية من إيران. وكان هناك الكثير من المضحكات في القوائم التي تقدمها تلك المصارف. كأن يستورد العراق بطيخا يستهلك الفرد العراقي بموجب بياناته الرقمية عشر بطيخات في اليوم الواحد. وهكذا صار العراق هو المنقذ للاقتصاد الإيراني فيما يقف شبابه الخريجون طوابير في انتظار فرصة للعمل ويزداد فقراؤه فقرا وتفتقر مستشفياته إلى الأدوية الضرورية ويجلس طلاب الكثير من مدارسه على الأرض وهم يرتدون ملابسهم المنزلية.
يوما ما قيل إن جزءا خفيا من الموازنة العراقية مخصص لإيران. لا أدري هل كان ذلك القول حقيقيا أم مبالغا فيه غير أن ما يعرفه الكثيرون أن عددا من أركان النظام الطائفي الحاكم في العراق قد طالبوا بدفع تعويضات الحرب إلى إيران، بل إن الحكيم (هل هو عمار أم أبوه) قد حدد تلك التعويضات بـ200 مليار دولار. كان هناك دائما مزاد والعراق كان دائما هو الخاسر فيه.
تظل معجزة الكهرباء هي أكبر معجزات العراق الأميركي الذي قرر أن يضع اقتصاده في خدمة الاقتصاد الإيراني بالرغم من أن العقوبات الأميركية لا تزال سارية المفعول. ليس في إمكان سفينة صينية أن تخترقها. عقوبات لو أنها طُبّقت لما كان النظام الإيراني قادرا على تطوير برنامج صواريخه. ولكن العراق الجديد قد صُمّم ليكون ثقبا في ذلك الجدار. تمد الولايات المتحدة من خلال العراق حبل نجاة للنظام الإيراني على حساب حياة العراقيين.
فاروق يوسف – كاتب عراقي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة