قمة جدة كانت لحظة انفراج بالنسبة للكتلة، لكن الكرة في ملعب النظام السوري.
أصبح ترسيم الحدود البحرية لسوريا مصدر قلق للعالم العربي. يعد ضمان أمن البحر الأبيض المتوسط قضية مهمة من الناحية السياسية، بالنظر إلى الطبيعة الغنية بالنفط والغاز لحوض شرق البحر الأبيض المتوسط ومركزيته المستقبلية لأوروبا والولايات المتحدة وروسيا والدول الآسيوية.
تركيا، بطبيعة الحال، لديها أسباب للقلق بشأن حدودها البحرية والبرية مع سوريا. قبرص لديها مصلحة في ترسيم الحدود البحرية. يحتل لبنان مكانة خاصة في الاهتمام العربي بسبب التحول النوعي الإقليمي نحو سوريا.
وستتطلع الدول العربية الرئيسية أيضًا إلى لعب دور لأسباب اقتصادية ودبلوماسية واستراتيجية. بهدف العمل كجسر بين أوروبا والدول العربية المتوسطية، تمتلك دول الخليج الخبرة والقدرات الإدارية والموارد المالية لاستخراج النفط والغاز من خلال الشركات العالمية.
سيوفر فرصة للمملكة العربية السعودية لتأسيس وجود في شرق البحر الأبيض المتوسط، والاستفادة من مواردها الوفيرة من النفط والغاز كوسيلة للتنويع القيّم. الأهم من ذلك، أن مهمة ترسيم الحدود سيتم تنفيذها بالتنسيق مع كل من روسيا والولايات المتحدة، مما يعكس نموذجًا عربيًا جديدًا في معالجة المشاكل الإقليمية.
بمعنى آخر، ستنتقل الدول العربية من كونها لاعبًا سلبيًا إلى لاعب رئيسي يشكل تطلعات المنطقة. إن الرؤية الجماعية للعالم العربي، بعد كل شيء، هي تعزيز فهم المنطقة بأسرها لأهمية التنمية المستدامة، والحكم الفعال، وإعداد مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
يحمل حل قضايا الحدود السورية مزايا إستراتيجية ضمن رؤية أوسع
جزء من المهمة هو الاندماج السلمي مع البيئة العالمية، وتطبيع العلاقات بين الجيران، والامتناع عن معارضة القرارات السيادية لأي دولة عربية فردية. ويتضمن هذا النهج الاستراتيجي إضفاء الشرعية على الخطوات التي تتخذها بعض الدول العربية لحل النزاعات وتعزيز المصالحة والتقارب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، سواء مع إيران أو تركيا أو إسرائيل.
وهذا يمثل نهجًا جديدًا نسبيًا لم يكن موجودًا في الماضي – نية لاستخدام لغة الحوار والإقناع، مع استكمالها بالدعم السياسي والاقتصادي والتنموي. وتعتبر إعادة دمج سوريا في المجتمع العربي مثالاً على هذا النهج.
أظهرت القيادة السعودية، على وجه الخصوص، قدرتها على الحفاظ على العلاقات التاريخية مع الغرب، مع تنمية علاقات بناءة مع الشرق. إنها تساعد في بناء نظام عربي قائم على البراغماتية وليس الأيديولوجية. يبدو أن المنطقة العربية بدأت في تنظيم نفسها وحل مشاكلها بعيداً عن التدخلات الخارجية.
على سبيل المثال، في رعاية الصفقة السعودية الإيرانية، كان دور الصين هو دور المحفز وليس العنصر النشط. علاوة على ذلك، فإن ما حدث في العد التنازلي لقمة جدة، بما في ذلك الدعوة الموجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، هو مثال على صنع القرار العربي – رغم التحفظات والانتقادات داخل الجامعة العربية – المستقلة عن الأدوار الأمريكية والأوروبية والروسية.
اليوم، سوريا في مرحلة انتقالية، وعبء إثبات أن لقيادتها نوايا حسنة يقع على عاتق السيد الأسد. يجب أن يعمل على بناء سوريا جديدة، من خلال اتخاذ خطوات داخلية، وكذلك بالسماح بعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم. وسيعزز ذلك الجهود العربية لرفع العقوبات عن سوريا وبدء إعادة الإعمار وترسيم حدودها البحرية وتسخير مواردها. ولكن إذا أضاعت حكومته هذه الفرصة، فسيجد الأسد نفسه محاصراً في دائرة من الفشل.
والجهود جارية لإقامة علاقات مؤسسية بين سوريا وجيرانها. اجتمعت اللجنة الوزارية العربية المشتركة المعنية بالشأن السوري – والتي تضم السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان – في القاهرة قبل قمة جدة وتم الاتفاق على عدة بنود. لم تشمل هذه الأحكام إجراءات لقمع تهريب المخدرات فحسب، بل تشمل أيضًا استئناف الحوار بشأن إعادة الأشخاص النازحين إلى مناطق آمنة داخل سوريا. ويجري التعاون مع الأمم المتحدة لتحديد هذه المواقع الآمنة.
ستساعد قضية تهريب المخدرات على وجه التحديد في تبرير الانفتاح العربي على سوريا. لبنان يتعامل مع سوريا من خلال لجنة وزارية مشتركة وجامعة الدول العربية مسترشداً بمبدأ “إذا كان جاري بخير فأنا بخير”. كما تبنت بيروت، نظرياً على الأقل، استراتيجية للتصدي لتهريب الكبتاغون تشمل مراقبة حدودها وموانئها، ويتم اتخاذ الإجراءات بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
ولم يلتزم الرئيس السوري حتى الآن بتنفيذ المطالب التي على عاتقه، بما في ذلك الحد من تهريب المخدرات. كما أن دمشق لم تطرح مواقفها من أي من القضايا الأخرى. وبينما رحبت بالمبادرة الأخيرة، فإنها لم تتبنّى أو ترفض رسميًا شروطها.
باختصار، أعادت قمة جدة تنشيط جامعة الدول العربية ومنحتها هدفاً متجدداً. وهذا يمثل إعادة تنشيط لنفوذها، مليئًا بالتأييد السعودي والدعم من بقية دول الخليج. إنها بداية جيدة لكتلة شرعت في السير على طريق حل التحديات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة وبناء مستقبل أفضل.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال
ترجمة: أوغاريت بوست