تواجه المعارضة السورية معضلة لم تتوقع حدوثها بهذه السرعة، مع تغيرات في مواقف الدول العربية والتركية تجاه النظام في سوريا.
بدأت بعض الدول العربية في تغيير طريقة تعاملها مع الأزمة السورية، حيث لم يعد هناك موقف دولي موحد ضد تعامل نظام الأسد الوحشي مع الحرب.
بدأت الدول العربية بالاستياء من عدم وجود حل سريع للأزمة، بعد أكثر من عقد من الحرب الشرسة التي دمرت البنية التحتية وشردت المواطنين السوريين.
علمت دول كثيرة في المنطقة أن القوى الدولية الكبرى ليست جادة في إيجاد حل شامل في سوريا، خاصة وأن إدارات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لم تكن حاسمة في حل الأزمة. ودفع ذلك بعض الدول العربية وتركيا للانفتاح التدريجي على النظام السوري على مختلف المستويات والابتعاد عن المعارضة.
تواصل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي معارضة التطبيع مع النظام وفرض عقوبات شديدة على دمشق. ومع ذلك، لا يبدو أنهم على استعداد لفعل المزيد.
في ظل هذا الوضع الديناميكي، ما هي خيارات المعارضة السورية التي اعتمدت دائمًا على الدول العربية والتركية، لا سيما في أعمالها السياسية والعسكرية ضد نظام الأسد؟
ويبدو أن المعارضة ستنقسم إلى ثلاث حركات تتعلق بكيفية التعامل مع الانتقال السياسي في المنطقة.
المجموعة الأولى ستراهن على أن التطبيع العربي مع دمشق يخلق فرصة للعمل في سوريا برعاية عربية. وترى حركة المعارضة هذه أن الدول العربية لن تطبيع كل العلاقات مع سوريا دون ضمانات روسية أو صينية بأن النظام سيقدم تنازلات وأن يكون مستعدًا للتعاون مع المعارضة.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال تشكيل حكومة وحدة توحد المعارضة والنظام، وإجراء انتخابات نيابية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة السورية مثل الأجهزة الأمنية والجيش. هذه الحركة المعارضة ستفضل مقاربة سياسية عربية جديدة بعد الجمود في القضية السورية.
يعتقد بعض قادة المعارضة السورية أن الإجراء العربي التركي الجديد لن يمنح النظام السوري شيكًا على بياض. لذلك، يمهد هذا الطريق لبعض الضمانات العربية للمعارضة السورية، سواء كان ذلك لأمنها وسلامتها الشخصية أو قدرتها على العمل في البلاد.
تعتقد المجموعة السياسية الثانية أن تطبيع العلاقات بين أي دولة عربية أو حكومة إقليمية والنظام السوري لن يكون إلا صفقة ثنائية لا علاقة لها بمستقبل الحكومة السورية أو إعادة إعمار سوريا أو حتى تقديم مبادرة عربية لإيجاد حل لسوريا بعيداً عن التنسيق مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والصين.
هذا الفرع من المعارضة يعتقد أنه لا ينبغي أن يغير سياسته تجاه النظام، بل ينتظر حتى يرى نتائج التطبيع العربي مع بشار الأسد. لكن في الوقت نفسه، ستبقى هذه المجموعة مرنة وحيادية بحذر، على أمل أن تكون هناك فرصة لحل طويل الأمد للأزمة السورية.
أما حركة المعارضة الثالثة فهي مقتنعة بأن النظام السوري سيعرقل أي مبادرات عربية وسيعرقل تنفيذ الخطة التركية الروسية لإنشاء منطقة آمنة لامركزية تديرها المعارضة كبوابة لدولة فيدرالية. تعتقد هذه المجموعة أن النظام السوري لا يمكن إصلاحه أو الوثوق به.
سيجد هذا التيار صعوبة في الانخراط في الأنشطة السياسية، حيث سيفقد الدعم العربي وقد يرفضه تركي، حيث يقع المحور المركزي للمعارضة السورية. قد تتبنى هذه المجموعة فكرة التحول إلى معارضة في المنفى، تعمل بشكل دائم في الخارج، على غرار المعارضة الإيرانية المتمركزة في باريس.
قد يبدأ هذا الخيط السياسي في التعاون بشكل أوثق مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في محاولة لتشديد العقوبات ضد النظام السوري. وستأمل في تغيير مزاج الدول الغربية، خاصة مع استعداد هذه الدول للتصدي للأزمة السورية رداً على الحرب الروسية الأوكرانية.
وبغض النظر عن كل هذه النتائج السياسية المحتملة، فإن موقف المعارضة السورية سيبقى غير محسود عليه لأنها انقسمت إلى فصائل مختلفة وانتماءات مرتبطة بها حتى قبل أن تبدأ الدول العربية الانخراط مع سوريا.
كل الخيارات التي تواجه المعارضة السورية لا تسمح باختيار حر ومنضبط للطريق الذي يجب أن تسلكه، بل لعبة سياسية خطيرة وغير مختبرة للتغلب على العاصفة وإيجاد شكل جديد للوجود.
كل هذا يتوقف على ما إذا كانت دول المنطقة أو المجتمع الدولي يمكن أن يخلق فرصة يمكن أن تمهد الطريق للمعارضة لتولي السلطة بالشراكة مع النظام، أو مجرد إبقائها منتظرة. في نفس الوقت يتفكك ما تبقى من سوريا.
المصدر: صحيفة عرب نيوز
ترجمة: اوغاريت بوست