لا يمكن الحديث عن حل سياسي في ليبيا أو عن تنظيم انتخابات عامّة وشاملة وذات مصداقية وتحظى بالشرعية في ظل الانقسام الأمني والعسكري الذي لا يزال قائما منذ العام 2014.
الصراع الحقيقي على السلطة والثروة والسلاح لا يزال قائما
قبل أيام، احتضنت العاصمة التونسية اجتماعات مهمة أثمرت عن التوصل إلى اتفاق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوحدة، سيكون من أبرز أهدافها تأمين الحدود الجنوبية، وتوفير الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات، بما سيسمح للمترشحين للاستحقاق بالتنقل بين مختلف مناطق البلاد ويضمن الاعتراف بالنتائج من قبل الفرقاء رغم تناقضات مواقفهم ومصالحهم وانتماءاتهم ومرجعياتهم.
اجتماعات تونس رعتها بعثة الأمم المتحدة، وشارك فيها قادة أمن من شرق ليبيا وغربها، بحضور أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) ورئيس أركان الجيش الوطني اللواء عبدالرازق الناظوري، ورئيس أركان سلطات طرابلس اللواء محمد الحداد، بالإضافة إلى ممثلي مجموعة العمل الدولية الأمنية التي تتكون من تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر والاتحاد الأفريقي، وهو ما أعطاها زخما استثنائيا وفسح المجال للمشاركين بتناول جميع الملفات المطروحة، ومناقشة مختلف العقبات والعراقيل التي يمكن أن تزيد من تأزم الوضع ومن تأجيل موعد الانتخابات، وقد تعصف بجهود الوطنيين الليبيين والمجتمع الدولي وتدفع نحو الاحتمال الأسوأ وهو تقسيم البلاد.
◙ الصراع الحقيقي على السلطة والثروة والسلاح لا يزال قائما، ولن يتم تجاوزه إلا بالتوصل إلى اتفاق نهائي على تقاسم المصالح بين الفرقاء الداخليين والخارجيين
وقالت البعثة الأممية إنّ المشاركين ناقشوا دور القوة العسكرية المشتركة ومهامها والتي تم الاتفاق على تشكيلها في الاجتماعات السابقة وتجهيزها بالشكل اللازم، وإنّ الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل الأمنية لليبيا أكدت على أهمية الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادة ليبيا.
جاءت تلك الاجتماعات بعد اتصالات ومشاورات ولقاءات تمت في العديد من العواصم، كان بعضها معلنا وبعضها الآخر سريّا، مثل الزيارات المتتالية التي أداها مبعوثون أميركيون وأوروبيون إلى بنغازي للحديث إلى قائد الجيش المشير خليفة حفتر، والاتصالات التي جرت مع رئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي، ومع رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، ورئيسي مجلسي النواب والدولة عقيلة صالح وخالد المشري، وكذلك زيارات وفد الاتحاد الأفريقي واللقاءات الماراثونية التي عقدها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في طرابلس ومصراتة وبنغازي وطبرق، وجولاته في دول الجوار واتصالاته المكثفة مع أعضاء مجلس الأمن والقوى الكبرى المؤثرة في الملف الليبي.
وقد يكون ضروريا التوقف عند اللقاءات التي جمعت في أكثر من بلد بين صدام حفتر نجل قائد الجيش في شرق البلاد وأبرز القادة الميدانيين لقوات والده والمبعوث الخاص غير المعلن المكلف بالشؤون السياسية، وبين إبراهيم الدبيبة الذي يحمل صفة المستشار السياسي لرئيس الحكومة المنتهية ولايتها، بينما هو صاحب القرار الأصلي في طرابلس، ويمثّل قوى الضغط الأساسية التي تشمل جماعات المال والأعمال وصناعة النفط والغاز وتيار الإسلام السياسي ومراكز النفوذ في مصراتة وشبكات التأثير الإقليمي والدولي، لاسيما أن للرجلين تجارب سابقة في التوافق على عدد من الملفات المهمة، ومن أبرزها الإطاحة بمن كان يوصف بالرجل القوي في قطاع الطاقة وهو رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، واستبداله بالسياسي والمصرفي فرحات بن قدارة.
يعبّر إبراهيم وصدام عن مواقف وتطلعات وأهداف الفريقين الممسكين بمقاليد السلطة في طرابلس وبنغازي بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية على رأسها الولايات المتحدة، التي أعلنت أوائل مارس الجاري تأييدها إنشاء وحدة عسكرية مشتركة كخطوة أولى لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ومع فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا التي دعت سلطتي شرق البلاد وغربها إلى الإسراع بتشكيل القوة المشتركة، كما تمت مناقشة المقترح بين مصر وتركيا وعلى أكثر من صعيد، كان آخرها خلال زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة.
◙ اجتماعات تونس ناقشت مختلف العقبات والعراقيل التي يمكن أن تزيد من تأزم الوضع ومن تأجيل موعد الانتخابات، وقد تعصف بجهود الوطنيين الليبيين والمجتمع الدولي
لا يمكن الحديث عن حل سياسي في ليبيا، أو عن تنظيم انتخابات عامّة وشاملة وذات مصداقية وتحظى بالشرعية والمشروعية، في ظل الانقسام الأمني والعسكري الذي لا يزال قائما منذ العام 2014، وانبثقت عنه انقسامات سياسية واجتماعية ومخاوف جدية من العودة بالبلاد إلى ما قبل 1951، ولذلك فإن مقترح إنشاء قوة عسكرية مشتركة سيمتد انتشارها إلى جنوب البلاد، يعتبر سابقة مهمة على طريق توحيد الجيش الوطني، وتحقيقه لن يكون إلا بتوافق تام بين حفتر والدبيبة، وفي سياق صفقة شاملة تشمل ملف الانتخابات وما سيعقبها من خارطة تقاسم السلطة.
يضع الدبيبة نفسه في صدارة المشهد في طرابلس، ويتمثّل زعامة المنطقة الغربية مقابل زعامة حفتر للمنطقة الشرقية، وعلى هذا الأساس فهما مستعدان لتوفير الظروف الملائمة بما يساعد على تنظيم الاستحقاق الانتخابي، وهو ما أشارت إليه كارولين هورندال، سفيرة المملكة المتحدة في ليبيا، الرئيسة المشاركة لمجموعة العمل الأمنية لهذا الشهر، بالتأكيد على أنه مع إمكانية إجراء انتخابات في ليبيا فإن ضمان بيئة سليمة وآمنة أمر بالغ الأهمية، فيما حثّ رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم أطراف النزاع المنخرطين في مباحثات توحيد المؤسسة العسكرية على دعم توفير بيئة آمنة لإجراء تلك انتخابات للخروج من أزمة البلاد.
الأيام القادمة ستكون كفيلة بالكشف عن مختلف الصفقات التي تجرى من وراء الستار، ولكن المؤكد أن هناك خطوات مهمة على طريق تنظيم الانتخابات وفق حسابات ومصالح مركزيْ القرار الفعلي في بنغازي وطرابلس، فالصراع الحقيقي على السلطة والثروة والسلاح لا يزال قائما، ولن يتم تجاوزه إلا بالتوصل إلى اتفاق نهائي على تقاسم المصالح بين الفرقاء الداخليين والخارجيين، رغم أن إنشاء قوة عسكرية مشتركة يبقى خطوة مهمة حتى ولو كان ذلك من الناحية الرمزية على الأقل.
الحبيب الأسود – كاتب تونسي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة