أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – يمكن أن تذهب كل المساعي والجهود الروسية التي بذلت خلال الفترة الماضية لتطبيع وإعادة العلاقات بين الحكومتين السورية والتركية، هباءً، من حيث تمسك دمشق وأنقرة بموقفهما من التطبيع، حيث تصر الأولى على الانسحاب العسكري الكامل من الأراضي السورية ووقف الدعم عن الإرهاب وعدم التدخل في شؤون الدولة الداخلية، بينما تكافح أنقرة لأن تكون إعادة العلاقات دون أي شروط.
“حلب ولاية تركية”.. حديث تركي رسمي قد يعرقل جهود الصلح مع دمشق
النقطة الثانية التي يمكن أن تعرقل جهود الصلح بين الطرفين، ما خرج على لسان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال حديث لقناة محلية، عن أن “حلب” جزء من تركيا وأن الشعب في حلب هو “شعبهم”.
وفي حديثه لقناة “TN 100” المحلية، قال سليمان صويلو، أن معظم السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هم من حلب، معتبراً أن حلب “هي ضمن حدود ميثاقنا الوطني” وأضاف “أي أن هؤلاء (السوريون من حلب والمقيمين في تركيا) هم شعبنا”.
سويلو: “اللاجئون السوريون من حلب هم شعبنا” !
كلام سويلو جاء في إطار ملف اللاجئين السوريين، حيث قال أنه لا يمكن ترحيل اللاجئين السوريين المقيمين في البلاد “إلى الموت”، مشيراً إلى أن أنقرة لن تسمح بأن تتحول تركيا “لمستودع لاجئين.. لكن السوريين إخواننا”، ولن نرسلهم إلى الموت مع وجود فرصة لإرسالهم إلى “المناطق الآمنة”، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا مع فصائل المعارضة الموالية لها.
وأكمل سليمان صويلو حديثه بالقول، أن بلاده ستبني 240 ألف منزل في المنطقة ستستقبل مليون شقيق سوري”، وتابع معلقا على تجنيس السوريين “كسياسة دولة، عارضت جمهورية تركيا دائمًا تجنيس مواطنين تركمان سوريين وعراقيين لكن ذلك تحوّل إلى مشكلة لذا قمنا بمنحهم الجنسية”.
حديث صويلو “ورقة ضغط على دمشق أم إظهار للنوايا الاستعمارية” ؟
وترى أوساط سياسية ومتابعة أن تصريحات سليمان صويلو، قد تعرقل جهود الصلح بين أنقرة ودمشق، حيث من الممكن أن تعتبر دمشق كلام الوزير التركي في إطار “النزعة الاستعمارية” و نوايا تركيا “باقتطاع أراضٍ سورية وضمها لتركيا على غرار ما حدث في لواء اسكندرون”.
فيما قال آخرون، أن حديث سليمان صويلو هو ورقة ضغط جديدة على الحكومة السورية للدخول إلى مفاوضات التطبيع دون أي شروط مسبقة، مشيرين إلى أنه لو استمرت دمشق بتمسكها بالشروط التي طرحتها على الطاولة، فإن تركيا ستقوم بلعب ورقة “حلب التركية”.
“الميثاق الملي”.. مصطلح تكرر على لسان الأتراك فما هو ؟
وخلال السنوات الماضية سلطت بعض التقارير التركية الضوء على ما يعرف “بالميثاق الملي” أو ما يسمى “بحدود الإمبراطورية العثمانية”، التي كانت المناطق الشمالية السورية جزءاً منها قبل هزيمة الجيوش العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتوقيع ما عرف حينها “بهدنة مودروس” ومن ثم رسم الحدود الجديدة لتركيا والمتعارف عليها إلى يومنها هذا.
وفي التفاصيل.. مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تكبدت الجيوش العثمانيّة الهزائم من قبل قوات الحلفاء على مختلف الجبهات، حيث دفعها ذلك لتوقيع “هدنة مودروس” في الـ30 من تشرين الأول/أكتوبر 1918م، ومن ثم قيام القوّات اليونانيّة بغزو مناطق غرب الأناضول في أيار/مايو 1919م، وحينها أعلن القائد العسكري التركيّ، مصطفى كمال باشا (المعروف بـ أتاتورك) إطلاق حرب التحرير، في الـ19 من أيار/مايو 1919م.
وفي كانون الثاني/يناير 1920م، أمر مصطفى كمال بعقد البرلمان العثماني، المعروف باسم “مجلس المبعوثان”، فانعقد المجلس في الـ28 من الشهر نفسه، وكان ذلك آخر اجتماع له، وانتهى الاجتماع بالإعلان عن “الميثاق الملّي”، والذي كان بمثابة وثيقة ترسم الحدود الجديدة لتركيا، وبحيث تخوض حرب الاستقلال في سبيل إقرارها وفرضها.
وليعترف الميثاق بذلك بخسارة تركيا للولايات العربيّة في الهلال الخصيب، ولكن باستثناء المناطق الشمالية منها، التي لم تكن ذات غالبيّة عربيّة، وخصوصاً حيث يوجد الأكراد والسريان والتركمان، والذين كانوا يعتبرون، وفق التأويل القومي التركيّ في حينه، من الأتراك.
حينها فهم من هذا الميثاق أنه يستثني مناطق شمال سوريا وشمال العراق، هذا إضافة إلى مطالبته بضم مناطق تراقيا الغربيّة، وجزر بحر إيجة، وجزيرة قبرص، إلى الدولة التركية الجديدة، باعتبار أن أغلبية سكانها من الناطقين بالتركيّة.
بعد مرور أكثر من قرن.. تركيا لاتزال تصر على تطبيق “الميثاق الملي”
وبعد مرور أكثر من 100 عام، لاتزال هذه النزعة الاستعمارية تراود تركيا، حيث تردد مصطلح “الميثاق الملي” على ألسنة المسؤولين والسياسيين الأتراك القومويين أكثر من مرة.
وجاءت الأزمة والصراع المسلح على السلطة في سوريا، لتتدخل فيها تركيا عسكرياً وتفرض سيطرتها على 7 مدن سورية، هي “إدلب وجرابلس والباب وإعزاز وعفرين ورأس العين وتل أبيض”، إضافة للتهديد بين الحين والآخر بتوسيع رقعة سيطرتها عبر عمليات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وحجة وجود “إدارة ذاتية للكرد” في الشمال الشرقي، وأن ذلك يشكل خطراً على أمنها القومي.
ومن هنا بدأ السوريون يفكرون بتكرار سيناريو “لواء اسكندرون” الذي تم اقتطاعه من سوريا عام 1938، وإقرار ذلك بعد اتفاق بين الحكومتين السورية والتركية في 1998، حينما كانت تركيا تهدد بغزو سوريا بحجة وجود زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، الذي غادر البلاد قبل التحشيد العسكري على الحدود الشمالية للبلاد.
إعداد: علي ابراهيم