تخطط تركيا لعملية عسكرية في شمال العراق هذا الصيف تستهدف حزب العمال الكردستاني لتأمين طريق تجاري استراتيجي يربط الخليج بتركيا عبر العراق، بحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية ودولية عن مصادر مطلعة.
أعلنت وزارة الخارجية التركية أن مسؤولين أتراك رفيعي المستوى، بمن فيهم وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر، يزورون العاصمة العراقية الخميس لإجراء مشاورات أمنية ومحادثات حول التعاون في مجال الطاقة. وتأتي الزيارة قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، والتي من المقرر أن تتم قبل نهاية نيسان.
وكثيرا ما تشن تركيا هجمات برية وجوية على مواقع حزب العمال الكردستاني – الذي يشن حربا مستمرة منذ عقود ضد الدولة التركية – في شمال العراق.
كما قامت على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية بتشغيل عشرات القواعد العسكرية في شمال العراق في حربها ضد حزب العمال الكردستاني.
وتهدف أنقرة هذه المرة إلى دفع حزب العمال الكردستاني جنوبًا، حسبما صرحت مصادر مطلعة على الخطط لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
ويناقش المسؤولون الأتراك والعراقيون أيضًا إمكانية القيام بعمليات مشتركة إلى جانب قوات حكومة إقليم كردستان لتأمين المنطقة من الموصل إلى دهوك ومدينة أوفاكوي الحدودية التركية كجزء من مشروع طريق تنمية العراق، حسبما أفاد موقع ميدل إيست آي.
ويسعى طريق التنمية إلى إنشاء ممر حيوي للبنية التحتية يربط الخليج العربي بتركيا عبر العراق، على الرغم من أنه يواجه عقبات مثل التمويل وقضايا الحكم والمخاوف الأمنية والتوترات الجيوسياسية الإقليمية.
على مدى الأشهر الماضية، تكبد الجيش التركي خسائر كبيرة من هجمات حزب العمال الكردستاني في التضاريس الوعرة في شمال العراق، مما دفع إلى مراجعة الاستراتيجيات العسكرية التركية في المنطقة. وقد أظهرت الهجمات المستمرة التي يشنها حزب العمال الكردستاني مدى صعوبة العمل في ظروف الشتاء القاسية في جبال شمال العراق، حيث غالباً ما تثبت الطائرات بدون طيار ومعدات المراقبة عدم فعاليتها.
وستركز هذه العملية العسكرية الجديدة على الأجزاء الغربية من إقليم كردستان العراق، بالقرب من المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، حليف أنقرة. والهدف هو قطع طريق حزب العمال الكردستاني إلى الموصل وتأمين المنطقة لبناء مشروع الطريق السريع والسكك الحديدية الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر. ومن المتوقع أن يخلق هذا المشروع الطموح، الذي يتطلب استثمارا يقدر بـ 17 مليار دولار، ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل ويدر إيرادات سنوية تبلغ 4 مليارات دولار.
يعد الرئيس التركي أردوغان أحد الداعمين الرئيسيين لمشروع طريق تنمية العراق لأنه يرى أنه جزء مهم من رؤية تركيا للاتصال بطريق النقل الدولي عبر قزوين (TITR)، والذي يسمى أيضًا الممر الأوسط، وهو طريق تجاري من جنوب شرق آسيا والصين إلى أوروبا عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا.
ويتناقض هذا المشروع مع مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) المنافسة التي تدعمها إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والتي تتجاوز تركيا.
صرح وزير الدفاع التركي يشار غولر لوسائل الإعلام التركية هذا الأسبوع أنه يتعين على تركيا فرض سيطرتها على مسافة 30 إلى 40 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية لضمان نجاح العملية. وهناك سعي إلى التعاون مع بغداد، لكن المشاكل المعقدة نشأت بسبب الانقسامات الداخلية في العراق وتأثير إيران غير المباشر على القرارات العراقية المتعلقة بحزب العمال الكردستاني.
ويشكل النفوذ الإيراني في العراق مصدر قلق لأنقرة. فهي ترى أن وجود حزب العمال الكردستاني ليس فقط بمثابة تهديد مباشر، بل أيضًا كعامل يمكن أن يمكّن طهران من ممارسة الضغط على بغداد وبشكل غير مباشر على تركيا. وقد أدى هذا إلى تكهنات بأن العملية العسكرية التركية المخطط لها في شمال العراق يمكن أن تخدم غرضًا مزدوجًا: محاربة حزب العمال الكردستاني ومواجهة نفوذ إيران المتزايد في المنطقة.
قدم فاتح يورتسيفر، ضابط البحرية السابق في القوات المسلحة التركية والذي يكتب تحليلات متعمقة للوضع الجيوستراتيجي لتركيا ويستخدم اسمًا مستعارًا لأسباب أمنية، نظرة ثاقبة لدوافع تركيا والتداعيات الإقليمية الأوسع.
ويشير إلى التفاعل بين الحملة العسكرية التركية وتنافسها الجيوسياسي مع إيران.
ويوضح يورتسيفر أن “الحملة التركية المقبلة في شمال العراق ليست مجرد عملية لمكافحة الإرهاب، ولكنها أيضًا خطوة استراتيجية لموازنة نفوذ إيران في المنطقة”.
وأضاف أن “الحملة في شمال العراق تظهر أيضًا على خلفية ذوبان الجليد في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة”.
وفي حين أن العلاقات مع روسيا فاترة، تعمل تركيا على إعادة تنظيم نفسها استراتيجياً مع الغرب من خلال زيادة التعاون الدفاعي. ويشمل ذلك التصديق على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) مقابل حصولها على طائرات إف-16 من الولايات المتحدة، والمشاركة في مبادرة سكاي شيلد الأوروبية واحتمال شراء طائرات يوروفايتر تايفون، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في الموقف الجيوسياسي لأنقرة.
وقال يورتسيفر: “مع تزايد نشاط الميليشيات الموالية لإيران في العراق، فإن الولايات المتحدة مهتمة للغاية بأن تلعب تركيا وحكومة إقليم كردستان دورًا أكثر فعالية في شمال العراق”.
وتحدث عن أهمية مشروع طريق تنمية العراق، وقال: “هذا المشروع مهم ليس فقط لمصالح تركيا الاقتصادية ولكن أيضًا لتطلعاتها الاستراتيجية”. إن تأمين الحدود بين تركيا وشمال العراق أمر بالغ الأهمية لنجاح هذه المبادرة. ومع ذلك، فإن نفوذ إيران المتزايد في بغداد، والذي تمارسه من خلال وكلاء مثل حزب العمال الكردستاني، يشكل تحديًا مباشرًا لهذه الخطط.
ويتوقع أن تمثل العمليات العسكرية التركية القادمة في شمال العراق تحولًا كبيرًا في ديناميكيات القوة في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصلب العلاقات بين تركيا وإيران. وقال يورتسيفر: “الوضع يتجه نحو مواجهة أكبر بين تركيا وإيران في ظل تنافسهما على النفوذ في العراق وخارجه”.
المصدر: turkishminute
ترجمة: أوغاريت بوست