دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

هل تصبح الأردن سوريا القادمة؟ فهم مرونة المملكة الهاشمية

مثل الحلوى، تصبح الثورة أكثر جاذبية عندما ترى الآخرين يمتلكونها. منذ اجتاح الربيع العربي الشرق الأوسط في عام 2011، ألقت القوى الداخلية والخارجية أعينًا جائعة على الأردن، متسائلة عما إذا كانت المملكة الهاشمية قد تتبع مسار سوريا نحو الفوضى. إن سقوط الحكومات في مصر وتونس، الذي أعقبه الحرب الأهلية المدمرة في سوريا والتي أدت إلى انهيار نظام الأسد، لم يكن سوى سبب في إثارة شهية البعض.

إن مسألة استقرار الأردن مهمة. تقع المملكة عند مفترق طرق الصراعات الأكثر تقلبًا في المنطقة، وتشترك في الحدود مع سوريا والعراق وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. إن دورها كدولة عازلة وحليف رئيسي للغرب يجعل استقرارها أمرًا بالغ الأهمية للأمن الإقليمي. ومع ذلك، فإن هذا الموقف الاستراتيجي نفسه يعرضها لقوى مزعزعة للاستقرار من جميع الاتجاهات.

أساس الاستقرار: الشرعية الدينية

على عكس سوريا قبل انهيارها، طور الأردن آليات متطورة لإدارة الضغوط الداخلية. لقد أتقنت الملكية الهاشمية فن القمع الخفي والإصلاح الانتقائي، فسمحت للبخار بالهروب من قدر الضغط دون السماح له بالانفجار. ولكن كما تظهر تجربة سوريا، فإن حتى الأنظمة المستقرة ظاهرياً يمكن أن تتفكك بسرعة مدمرة.

في قلب هذا الاستقرار يكمن فرق حاسم: الشرعية الدينية للعائلة الحاكمة. إن النسب المباشر للهاشميين من محمد يوفر شرعية دينية لا جدال فيها داخل الإسلام السني، الذي يمثل أكثر من 90٪ من سكان الأردن. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع عائلة الأسد في سوريا، التي اعتبر العديد من المسلمين السنة إيمانها العلوي هرطوقياً، مما خلق فجوة شرعية لا يمكن التغلب عليها والتي غذت الصراع السوري. ومع ذلك، فإن هذه الشرعية الدينية ليست سوى أحد أعمدة الاستقرار؛ ولا تقل أهمية عن ذلك جهاز الأمن المتطور في المملكة.

البنية الأمنية

تظل أجهزة الأمن في الأردن محترفة وموحدة بشكل ملحوظ، وتستمد قوتها بشكل كبير من العائلات القبلية في الضفة الشرقية التي تنظر إلى الملكية باعتبارها الضامن لامتيازاتها. كما يعمل الدعم الغربي والتدريب المهني على تعزيز هذا الولاء. إن هذه الوحدة تتناقض بشكل واضح مع الجيش السوري، الذي انقسم على أسس طائفية عندما اندلعت الاحتجاجات.

لقد أثر الصراع السوري بشكل مباشر على المشهد الأمني ​​في الأردن، حيث تشير التقديرات إلى انضمام ما بين 2000 و 5000 أردني إلى الجماعات الجهادية في سوريا. ويشكل هؤلاء المقاتلون المتمرسون في المعارك، وكثير منهم من المناطق المتدهورة اقتصاديا مثل معان والزرقاء والرصيفة، مصدر قلق أمني مستمر. ومع ذلك، أثبتت أجهزة الاستخبارات الأردنية مهارتها في مراقبة واحتواء التهديدات من خلال ردود دقيقة ومدروسة. وقد تجلى هذا في عام 2016 عندما هاجم مسلحو داعش مركزا حدوديا – كانت الاستجابة مدروسة ولكنها فعالة، واستهدفت الخلايا المسلحة فقط بدلا من استخدام نهج الانتقام العشوائي في سوريا.

شبكة الأمان الدولية

على عكس سوريا، التي وجدت نفسها معزولة بشكل متزايد قبل الحرب الأهلية، فقد زرع الأردن شبكة قوية من الدعم الدولي. تقدم الولايات المتحدة ما يقرب من 1.7 مليار دولار سنويا في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية مشتركة. كما ضخت دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مليارات الدولارات في الاقتصاد الأردني من خلال المساعدات المباشرة ومشاريع الاستثمار.

إن العلاقات الأردنية الإسرائيلية تشبه إلى حد كبير العلاقات بين الأردن وإسرائيل. ففي عام 2018، اندلعت الاحتجاجات الاقتصادية في عمان، وحين نزل الآلاف إلى شوارع عمان احتجاجا على تدابير التقشف، سارعت دول الخليج إلى ترتيب حزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار لمساعدة الأردن على استقرار الوضع. ولم يكن لدى الأسد السوري، الذي واجه احتجاجات مماثلة في عام 2011، شبكة أمان اقتصادية يستطيع الاعتماد عليها. ومن بين العلاقات الدولية الحاسمة للأردن، ربما لا يوجد ما هو أكثر تعقيدا أو أهمية استراتيجية من شراكته مع إسرائيل.

المفارقة الإسرائيلية الأردنية

إن العلاقة بين الأردن وإسرائيل تشبه كعكة الطبقات من التناقضات. ففي الظاهر تكمن معاهدة السلام الرسمية، التي تمثل أحد الإنجازات الدبلوماسية القليلة التي حققتها إسرائيل في العالم العربي. وتحت هذه القشرة، يدعو الملك عبد الله الثاني بانتظام إلى إقامة دولة فلسطينية في يهودا والسامرة وغزة، وهو الموقف الذي غالبا ما يخلق توترات دبلوماسية مع إسرائيل.

ومع ذلك، يكمن في العمق سرير من التعاون البراغماتي. فالأردن يعمل كشريك حاسم في تبادل المعلومات الاستخباراتية وجهود مكافحة الإرهاب، وخاصة فيما يتصل بالتهديدات الإيرانية. إن إسرائيل تزود الأردن بموارد مائية حيوية، ليس كعمل خيري بل كاستثمار استراتيجي في الحفاظ على استقرار المملكة. وبالنسبة لإسرائيل، يمثل استقرار الأردن مصلحة أمنية وطنية بالغة الأهمية، حيث يعمل كحاجز حيوي ضد النفوذ الإيراني والتوسع الإقليمي الفلسطيني المحتمل.

إدارة الإسلام السياسي: توازن دقيق

إن علاقة الأردن بالحركات الإسلامية تحكي لنا قصة رائعة عن التكيف السياسي والبقاء. فعندما تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، عملت في البداية كحليف مخلص للملك حسين، ووقفت بثبات إلى جانب النظام الملكي ضد التهديدات اليسارية والقومية خلال فترة الخمسينيات والستينيات المضطربة. وقد أكسبها هذا الولاء امتيازات غير مسبوقة، بما في ذلك الحق في العمل بحرية عندما كانت الجماعات السياسية الأخرى محظورة.

وكانت أواخر السبعينيات نقطة تحول، حيث أدت التطورات الإقليمية إلى توتر العلاقة: فقد دفعت معارضة الأردن الفاترة لمبادرة السادات للسلام مع إسرائيل، ودعم الملك حسين للشاه الإيراني، ودعم النظام الملكي لصدام حسين ضد إيران، جماعة الإخوان المسلمين نحو موقف أكثر مواجهة. ولكن على النقيض من سوريا حيث تحولت المعارضة الإسلامية إلى العنف، اختارت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مسار المشاركة السياسية السلمية.

واليوم، تحتل جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، 31 مقعداً من أصل 138 مقعداً في البرلمان ــ وهو أقوى أداء لها منذ 35 عاماً. إن النهج المتطور الذي تنتهجه الملكية يمتد إلى حماس أيضاً. ففي حين طردت الأردن قيادة حماس بشكل حاسم في عام 1999، حافظت على قنوات هادئة مع المجموعة، معترفة بنفوذها بين السكان الفلسطينيين في المملكة.

ولكن صعود السلفية يمثل تحدياً أكثر جوهرية. فعلى النقيض من جماعة الإخوان المسلمين البراغماتية، تدعو هذه الجماعات إلى تفسير أكثر حرفية للنصوص الإسلامية وغالباً ما ترفض الديمقراطية باعتبارها غير إسلامية. ومع ما يقدر بنحو 6000 إلى 7000 من أتباعها، فإنهم يدعون إلى التحول الكامل إلى دولة إسلامية بحتة، مما يمثل تحدياً فريداً لعملية التوازن الدقيقة التي يبذلها الأردن.

الضغط الاقتصادي

إن الضغوط الاقتصادية في الأردن تعكس تلك التي ساعدت في إحداث انهيار سوريا، ولكن مع اختلافات حاسمة في الإدارة. إذ يبلغ معدل البطالة بين الشباب حوالي 30% على المستوى الوطني، ويصل إلى 50% في بعض المناطق. ويشكل وجود 1.3 مليون لاجئ سوري ضغطاً على الموارد العامة، مما يكلف الأردن ما يقدر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً. ويتجاوز الدين العام 90% من الناتج المحلي الإجمالي.

لقد كانت استجابة المملكة لهذه التحديات متعددة الأوجه. فقد اجتذبت المناطق الاقتصادية الخاصة في العقبة والمفرق الاستثمارات الأجنبية وخلقت فرص العمل. ونفذت الحكومة إعانات مستهدفة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي مع خفض أعباء الدعم الإجمالية تدريجيا. وتركز الإصلاحات التعليمية على التدريب الفني وريادة الأعمال لمعالجة البطالة بين الشباب. وتهدف مشاريع التنمية في المناطق الريفية إلى منع المظالم الاقتصادية من التحول إلى اضطرابات سياسية.

وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة. فقد قوبلت خصخصة الشركات المملوكة للدولة بمقاومة من جانب العاملين في القطاع العام. ولا يزال الاعتماد على الطاقة يرهق الميزانية على الرغم من مبادرات الطاقة المتجددة. ومع ذلك، وعلى النقيض من سوريا، تحافظ الأردن على الدعم الدولي الحاسم لتجاوز هذه التحديات، حيث توفر العلاقات الاستراتيجية الدعم الأساسي للإصلاحات الاقتصادية.

تطور أم ثورة؟

 

يعتمد استقرار الأردن على ركائز متعددة: الشرعية الدينية، وأجهزة الأمن المتطورة، والدعم الدولي، والإدارة الدقيقة للإسلام السياسي. وفي حين تظل هذه الأسس قوية، تواجه المملكة تحديات كبيرة في المستقبل. فالاستقرار الإقليمي، وضغوط اللاجئين، والقيود الاقتصادية تتطلب الاهتمام المستمر والإصلاح.

يبدو أن الشعب الأردني، بعد أن شاهد الربيع العربي يتكشف في مختلف أنحاء المنطقة، يدرك أن حلاوة الثورة في البداية غالباً ما تفسح المجال لطعم مرير. وقد ثبت أن ثمن هذه النشوة الثورية المؤقتة ــ والتي تتجلى بوضوح في الدمار الذي حل بسوريا ــ باهظ للغاية. والتحدي الحقيقي الذي يواجه الأردن لا يتلخص في منع الانهيار على غرار ما حدث في سوريا، بل في إدارة الضغوط المزمنة التي قد تطغى في نهاية المطاف على هذه الأنظمة الملكية العربية الأكثر مرونة.

المصدر: allisrael

ترجمة: أوغاريت بوست