على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، كان هناك تصعيد ملحوظ في الهجمات التي تستهدف قواعد التحالف الدولي في شمال شرق سوريا والتي نظمتها الميليشيات المدعومة من إيران والعاملة في العراق وسوريا. وبالتزامن مع ذلك، وردت تقارير تشير إلى إنشاء مراكز عملياتية تهدف إلى تنسيق هذه الضربات. ويبدو أن هذه التطورات جزء من محاولة لاستغلال السخط الشعبي الواسع النطاق تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف استراتيجي يتمثل في توسيع وتعزيز النفوذ الإيراني في سوريا. ويأتي هذا التصاعد في التوترات على خلفية الحرب في غزة التي بدأت قبل أكثر من شهر، والتي تنطوي على أعمال عدائية بين إسرائيل والعديد من الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس.
وتشهد الأسبوعين الماضيين هجمات شبه يومية تستهدف مقرات القوات الأمريكية شرقي سوريا. وتركزت هذه الهجمات في حقل العمر وقاعدة كونيكو في ريف دير الزور؛ وقاعدة خراب الجير وتل بيدر والشدادي بريف الحسكة؛ وكذلك قاعدة التنف بالقرب من منطقة الحدود الثلاثية بين سوريا والعراق والأردن. وقد تنوعت أساليب الهجوم، حيث شملت ضربات الطائرات بدون طيار، والصواريخ البدائية الصنع، وقذائف الهاون. ووقعت الهجمات بالتوازي مع أنشطة مماثلة في العراق، وكانت هناك تهديدات بتصعيد متزايد في الأيام المقبلة.
وفقًا للبنتاغون، نفذ الجيش الأمريكي غارات جوية ضد الميليشيات الإيرانية في دير الزور في 26 تشرين الأول، وهجوم ثانٍ ضد مواقع تابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني في دير الزور في 9 تشرين الثاني، و مجموعة ثالثة من الضربات الدقيقة ضد الحرس الثوري الإيراني والجماعات المرتبطة بإيران في البوكمال والميادين في 12 تشرين الثاني. وكما أقر بيان البنتاغون، في الفترة ما بين 17 تشرين الأول و9 تشرين الثاني، تعرضت قوات التحالف الأمريكية والدولية لهجوم 46 على الأقل. منها 24 في العراق و22 في سوريا. وتضمنت الهجمات استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ، وأصيب 56 جنديًا أمريكيًا، وتوفي أحد المقاولين بنوبة قلبية. وأوضح البنتاغون أن واشنطن لا تسعى إلى تصعيد الصراع وأن هذه الضربات نُفذت دفاعًا عن النفس لحماية القوات الأمريكية.
وفي الأيام الأخيرة، صدرت بيانات متعددة تتبنى المسؤولية عن الهجمات التي استهدفت القوات الأمريكية في سوريا، والتي نسبت إلى جماعة تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”. ويعكس هذا التصنيف تسمية حزب الله اللبناني، المعروف باسم “المقاومة الإسلامية في لبنان”. ويبدو أن اختيار الاسم، بدلاً من نسب الهجمات إلى فصائل عراقية أو سورية، هو قرار استراتيجي يهدف إلى تجنب الإحراج السياسي للحكومة العراقية أو نظام بشار الأسد، وبالتالي منع فرض ضغوط سياسية إضافية على حلفائهم.
وبحسب ما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ورد أن اجتماعاً عقد في البوكمال الأسبوع الماضي بهدف تنسيق أنشطة المقاومة الإسلامية في العراق. ويُعترف بهذا الكيان كمركز عمليات مشتركة يضم ممثلين عن مختلف فصائل الميليشيات من الحشد الشعبي في العراق، وميليشيات الفاطميون وزينبيون، وحزب الله اللبناني، والفوج 47، وسرايا الخراساني، بالإضافة إلى فصائل محلية بما في ذلك فرقة عمل حزب الله – ميليشيا يقودها زعيم حزب الله الحاج مهدي – ولواء الهاشمية.
وبحسب مصادر سرية من دير الزور، فقد تم إنشاء مركز العمليات ليتولى تنسيق الأنشطة بين قادة الميليشيات في الميدان عبر ثلاثة محاور استراتيجية. يتضمن المحور الأول تنسيق الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي تستهدف قواعد التحالف الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وتنطلق هذه الهجمات من ريف البوكمال والعشارة، وكذلك من أحياء مدينة الميادين ومحيط دير الزور. أما المحور الثاني، فيخصص لتنسيق الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على قاعدة التنف، من خلال جهود تعاونية بين الفصائل العاملة في البادية السورية والعراقية، على جانبي الحدود. ويركز المحور الثالث على التنسيق بين الوحدات الأمنية السرية العاملة في ريف الحسكة والمكلفة بمراقبة قواعد التحالف في المنطقة. وترتبط هذه المجموعات بميليشيا سرايا الخراساني في مدينة الحسكة، وميليشيا فرقة العمل التي يقودها الحاج مهدي التابع لحزب الله في القامشلي.
وتعتمد هذه العمليات على قوات نخبوية تم تدريبها على شكل مجموعات خلال العام الماضي في معسكر الديماس قرب دمشق، ومعسكرات تدريب قرب مدينة الميادين. وتم تدريب بعض المجموعات على كيفية تنفيذ هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ، في حين تم تدريب مجموعات أخرى على العمليات الأمنية وتقنيات جمع المعلومات تحت إشراف قادة حزب الله في ريف دمشق ومراكز الحزب في لبنان.
وتشير معلومات من مصدر داخل مقر ميليشيا فرقة العمل بريف القامشلي، إلى عقد اجتماعات مكثفة للحاج مهدي وقيادات إيرانية أخرى في ريف القامشلي ومدينة الحسكة وريف دير الزور. وكان الغرض من هذه الاجتماعات هو إعداد الميليشيات الإيرانية لتصعيد محسوب ضد القواعد الأمريكية، وضمان أن تكون الهجمات منسقة وفعالة بشكل متزايد، ومعايرتها لتجنب إثارة انتقام أمريكي كبير. ويعكس هذا النهج الاستراتيجية التي ينفذها حزب الله في جنوب لبنان ضد إسرائيل منذ 7 تشرين الأول، كما أشارت تصريحات مصادر مقربة من الحاج مهدي قبل أيام. هناك تهديد ضمني بمزيد من التصعيد، يتوقف على تقييم رد قوات التحالف الدولي على الهجمات الحالية، مع الاستفادة أيضًا من التردد الأمريكي في توسيع الصراع وفتح جبهات جديدة.
وشهدت الأشهر الأخيرة تدفقاً كبيراً للأسلحة إلى ريف القامشلي ومدينة الحسكة. وتصل الأسلحة أسبوعياً من دمشق إلى مطار القامشلي عبر طائرات إليوشن، ضمن التعزيزات العسكرية الممنهجة لقوات النظام المتمركزة في القامشلي وريفها. وتتكون الشحنات في الغالب من بنادق قنص دقيقة، ومعدات رؤية ليلية، وطائرات بدون طيار صغيرة، وعبوات ناسفة، ورشاشات متوسطة العيار، ومدافع هاون. وفي الوقت نفسه، كان هناك ارتفاع في التدريب المكثف للفصائل المحلية، مع إرسال هذه المجموعات بشكل منتظم إلى دمشق ودير الزور. علاوة على ذلك، شهدت الأسابيع الماضية عمليات نقل كبيرة لعناصر ميليشيا سرايا الخراساني إلى ريف دير الزور. كما تمركزت مفارز أمنية قرب الشدادي وتل حميس، مهمتها مراقبة تحركات قوات التحالف في قاعدتي الشدادي وخراب الجير بريف الحسكة.
وكان التصعيد الإيراني الأخير متوقعا، حيث تناولت تقارير من معهد الشرق الأوسط العام الماضي تفاصيل الجهود الإيرانية لتعزيز نفوذها في شرق سوريا كجزء من استراتيجية “نسج السجاد” الأوسع التي تنتهجها طهران. ويشمل ذلك خططًا لاستهداف قواعد التحالف الدولي من خلال بدء “المقاومة الشعبية” والعمليات الأمنية التي تستهدف القوات الأمريكية، بهدف نهائي هو إجبارها على الانسحاب وتمهيد الطريق لوجود إيراني أكبر. وكان محور هذه الجهود هو حشد ميليشيا سرايا الخراساني التابعة للحرس الثوري الإيراني والعاملة في مدينة الحسكة، بالإضافة إلى ميليشيا حزب الله في ريف القامشلي الجنوبي. علاوة على ذلك، تحاول إيران حشد الدعم الشعبي من خلال دعم زعماء القبائل العربية.
تشير التطورات الأخيرة إلى أن إيران، عبر وكلائها في شرق سوريا، مستعدة لمواصلة هجماتها على قواعد التحالف الدولي، وتوقيت عملياتها استراتيجيًا لتنفيذ هجمات أكثر تأثيرًا تلحق خسائر كبيرة. قد تستغل هذه الاستراتيجية عددًا من العناصر، حيث يكون رد فعل التحالف المتردد على هذه الهجمات ذا أهمية خاصة. وبحسب تقديرات المصادر، بدأت هذه الميليشيات الاستعداد لهجمات واسعة النطاق من داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من القواعد الأمريكية. ويشكل هذا تصعيدًا محفوفًا بالمخاطر لا يعرض قوات التحالف للخطر فحسب، بل يعرض أيضًا سلامة السكان المحليين.
وبينما تستمر هذه الميليشيات في محاولة حشد السكان المحليين ضد القوات الأمريكية وربطهم بالهجوم الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، فإنها تولد مزاجاً سائداً من المقاومة الشعبية. وقد تجبر هذه المقاومة المزدهرة قوات التحالف على التفكير في انسحاب استراتيجي من المنطقة أو البقاء محصورة داخل قواعدها. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تمهد الطريق أمام الميليشيات المدعومة من إيران لترسيخ الاضطرابات الأمنية وتوسيع نفوذها في المنطقة، على حساب قوات سوريا الديمقراطية.
إن صمت التحالف الطويل وغير المبرر بشأن مسألة التعزيزات الإيرانية، إلى جانب تجاهل واشنطن لجهود طهران المتضافرة لتوسيع نفوذها في منطقة شرق الفرات – حتى داخل المناطق التي تسيطر عليها حليفتها، قوات سوريا الديمقراطية – قد قادنا إلى منعطف حرج. وربما فات الأوان الآن لعكس هذا المد، وهو ما يشكل تهديداً قد يجعل المنطقة نقطة اشتعال لصراع دولي، يكون السكان المحليون وقوده. ومن خلال أعمالها التصعيدية الأخيرة، تسعى إيران إلى إظهار اتساع نفوذها وقيادتها المتماسكة والموحدة على العمليات التي تمتد من جنوب لبنان عبر شرق سوريا إلى العراق وتصل إلى الحوثيين في اليمن. ومن الممكن أن يمنح هذا الموقف الاستراتيجي إيران نفوذاً في أي مفاوضات سياسية مقبلة، مما يجعلها تبرز باعتبارها المستفيد الوحيد من الاضطرابات المستمرة في المنطقة، على حساب السكان المحليين في هذه المناطق.
المصدر: معهد الشرق الأوسط للأبحاث
ترجمة: أوغاريت بوست