تم الترويج لمجمع مشترك مخطط لإيواء الهيئات العسكرية العليا في تركيا على أنه خطوة لتعزيز التنسيق والتشغيل البيني للجيش، ولكن هناك دوافع سياسية واقتصادية كامنة وراء المشروع.
أطلقت تركيا بناء المجمع العسكري الضخم، الهلال والنجمة، الذي سمي على اسم رموز علمها الوطني، ليضع وزارة الدفاع ورئيس الأركان العامة ومقرات القوات البرية والجوية والبحرية تحت سقف واحد، بهدف معلن هو تعزيز التنسيق بين المؤسسات العسكرية وفعاليتها العملياتية.
ويمتد المشروع، الذي يطلق عليه اسم “البنتاغون التركي”، على مساحة تبلغ حوالي 12.6 مليون متر مربع وسيتضمن مساحات داخلية تبلغ 890 ألف متر مربع لإيواء ما يصل إلى 15 ألف موظف. سيتم تشييد المجمع في ضاحية باجليجا بأنقرة، ليس بعيدًا عن المقر الجديد شديد الحراسة الذي انتقلت إليه المخابرات التركية (MIT) العام الماضي. وتقع وزارة الدفاع ورئيس الأركان العامة ومقرات القوات البرية والجوية والبحرية حاليًا في مبان منفصلة في كيزيلاي، القلب التجاري للعاصمة التركية، على مقربة من مباني البرلمان والحكومة.
ووفقًا لوسائل الإعلام التي تديرها الدولة “سيجعل التصميم والأصالة والحجم والميزات التكنولوجية (لمجمع الهلال والنجم) واحدًا من أكثر المقار حداثة ووظيفية في العالم”.
وتفاخر الرئيس رجب طيب أردوغان في حفل وضع حجر الأساس في 30 آب، بأن الهيكل “سيبث الخوف في نفوس الأعداء ويمنح الثقة للأصدقاء”.
من المتوقع أن يتم افتتاح المجمع في 19 أيار 2023، قبل شهر واحد فقط من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة.
وتعود خطة نقل المقرات العسكرية خارج وسط المدينة إلى ما يقرب من عقد من الزمان، على الرغم من الإعلان عنها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016. تم تقديم المشروع لأول مرة إلى أردوغان خلال اجتماع المجلس العسكري الأعلى في عام 2013 عندما كان رئيسًا للوزراء وكذلك تم طرح المشروع في اجتماعات أخرى رفيعة المستوى في السنوات التالية.
بعد محاولة الانقلاب، أُخضعت قيادة القوة مباشرة لوزارة الدفاع بدلاً من هيئة الأركان العامة، وهي خطوة يبدو أنها سرّعت خططًا لجمع جميع الهيئات العسكرية العليا تحت سقف واحد.
وفي حديثه للصحفيين في عام 2019، قال وزير الدفاع خلوصي أكار إن مجمع الهلال والنجم المرتقب “ينافس البنتاغون”، مضيفًا أن أردوغان أعطى الضوء الأخضر للمشروع.
وبالنظر إلى مباني وزارة الدفاع التي تحتوي على أنظمة عالية التقنية مهمة من الناحية الاستراتيجية، فمن المرجح أن يحقق المجمع الجديد أرباحًا مربحة لشركات البناء القريبة من أردوغان، والتي تُمنح بشكل روتيني مشاريع عامة كبيرة.
لم يتم الكشف عن تفاصيل حول تكلفة وتمويل المجمع حتى الآن، على الرغم من أنها تحمل أهمية إضافية في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد والمالية العامة من ضائقة شديدة. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن التكلفة تبلغ 600 مليون دولار.
وستقوم شركة “رونيسانس هولدينغ” ببناء البنتاغون التركي وهي الشركة نفسها التي بنت قصر أردوغان الرئاسي الضخم في أنقرة، الذي تم افتتاحه في عام 2014، وقصره الصيفي الجديد، بالإضافة إلى المقر الجديد لمقر الاستخبارات التركية في أنقرة واسطنبول. من بين المشاريع الأخرى الممنوحة لشركة رونيسانس، المجمعات الطبية المترامية الأطراف المعروفة باسم “مستشفيات المدينة” والتي يتلقى فيها المقاولون مليارات الليرات التركية كإيجارات وخدمات كمدفوعات من الحكومة.
ورأى بعض المراقبين أن أردوغان يريد تدشين المجمع قبل الانتخابات المقررة. في كلتا الحالتين، من المعتاد أن يمارس أردوغان الضغط علنًا على المقاولين لتقديم مواعيد الإنجاز، على الرغم من أن هذا قد يؤثر على جودة العمل، كما حدث غالبًا في الماضي. ما إذا كان بإمكان مقاول واحد إكمال مثل هذا المشروع الكبير في مثل هذا الوقت القصير يظل مفتوحًا للتساؤل.
وفيما يتعلق بالهدف الأساسي للمشروع، قال أردوغان إن الظروف الأمنية السائدة تتطلب مؤسسة دفاعية منسقة بشكل أفضل. في سياق العمليات العسكرية التركية في سوريا وليبيا وأذربيجان، فإن اتساع نطاق مهام ومهام الجيش التركي يجعل من وجود مقر موحد ومجهز تجهيزًا جيدًا ضرورة. إن وجود موقع مشترك بين وزارة الدفاع وهيئة الأركان وقيادات القوات يمكن أن يساعد في ضمان تنسيق أكثر فاعلية وأسرع بالإضافة إلى استخدام أكثر كفاءة للموارد من خلال توفير الوقت والطاقة والقوى العاملة بشكل كبير.
ومع ذلك، إلى جانب هذه المكاسب، فإن التواجد في مواقع مشتركة لجميع وحدات الدفاع ينطوي على مخاطر. أي عمل عدائي مثل هجوم 11 ايلول على البنتاغون، على سبيل المثال، يمكن أن يجعل جميع المؤسسات عرضة للخطر في وقت واحد.
ومع ذلك، فإن وضع هيئة الأركان العامة وقيادات القوات في منشأة مشتركة مع وزارة الدفاع هو أيضًا محاولة لتعزيز السيطرة المدنية على الجيش، بالإضافة إلى تعزيز إمكانية التشغيل البيني بين القوات البرية والجوية والبحرية. ومع ذلك، فإن القدرات العسكرية الرئيسية مثل تكوين القوات المشتركة، وقابلية التشغيل البيني، والحرب المرتكزة على الشبكة، لا تتطلب بالضرورة أن يكون القادة العسكريون قريبين جسديًا في القرن الحادي والعشرين. يبقى أن نرى ما إذا كان المجمع سيعزز قدرات الجيش التركي في السيطرة على القيادة والفعالية التشغيلية، لكنه سيعطي بالتأكيد قضية لأردوغان للتباهي بها قبل الانتخابات وتحقيق أرباح جيدة للشركات المقربة من الحكومة.
المصدر: موقع المونيتور الأمريكي
ترجمة: أوغاريت بوست