في 4 كانون الأول، فتحت قوات الأمن السورية في مدينة السويداء في جنوب البلاد النار على أكثر من مائتي محتج كانوا يتظاهرون ضد نقص الطاقة والارتفاع الهائل في الأسعار وقضايا الحوكمة. ورداً على ذلك، طرد المتظاهرون دورية روسية سورية مشتركة كان قد تم نشرها لمراقبة الاضطرابات المحلية، ثم عادوا إلى الشوارع في 12 كانون الأول. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات تحدث يومياً في سوريا، إلا أنها نادراً ما تحصل في المناطق الخاضعة لسيطرة الأقليات مثل السويداء، حيث يخدم العديد من السكان في قوات النظام العسكرية والأمنية.
ولا يزال السبب الدقيق لنقص الطاقة غير واضح، لكن واقع حدوث ذلك في وقت مبكر جداً من الموسم يعني أن هذا الشتاء قد يكون الأقسى بالنسبة للسوريين منذ عام 2016. وفي الوقت عينه، يلوح تصويت آخر في مجلس الأمن الدولي بشأن توفير المساعدة عبر الحدود في 10 كانون الثاني. وتسلط هذه العوامل العاجلة الضوء على حاجة واشنطن للعمل بشكل مبتكر مع حلفائها من أجل وضع خطة لتخفيف المعاناة الإنسانية للمدنيين السوريين – وطوال ذلك الاستفادة من المشاكل الاقتصادية للنظام للحصول على تنازلات في التفاوض على تسوية سياسية نهائية بموجب “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
الاحتجاجات تُسلط الضوء على الحالة الرهيبة لوضع الطاقة
وفي وقت سابق، أشارت التقارير إلى أن احتمال اتساع حالة عدم الاستقرار والاضطراب في المنطقة دفع الأسد إلى نقل ملف السويداء الأمني من “مديرية المخابرات العسكرية” إلى الشخص الموثوق لديه، رئيس “إدارة المخابرات العامة” حسام لوقا.
وتم اتخاذ هذه الخطوات في ظل نقص جديد في الطاقة والوقود الذي هو أكثر حدة بكثير من النقص المزمن الناتج عن عقد من الحرب الأهلية.
ويمكن إسناد العديد من هذه المشكلات إلى المشاكل الاقتصادية للنظام، والتي تنبع إلى حد كبير من الفساد المستشري والافتقار إلى إعادة الإعمار على نطاق واسع بعد الحرب.
وترتبط خطورة الوضع الحالي أيضاً بمجموعة غامضة من القرارات غير المؤاتية التي يتخذها الفاعلون الإقليميون الرئيسيون. ففي 2 كانون الأول، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية أن إيران قد أوقفت شحنات النفط إلى البلاد اعتباراً من أوائل أيلول، متذرعةً “بظروف تخفيفية”. ولكن في تشرين الثاني، صرحت مصادر إيرانية لصحيفة “الوطن” اليومية الموالية للنظام أن شحنات النفط الخام لطهران إلى سوريا ستزداد من 2 إلى 3 ملايين برميل شهرياً. وبالفعل، تشير التقارير إلى أن ناقلات النفط الإيرانية ما زالت تمر عبر الموانئ السورية. ومهما يكن الأمر، تُعد هذه المساعدة بمثابة إسعافات أولية أكثر من كونها علاجاً سحرياً، بحيث لم يكن مجموع 16 مليون برميل من النفط الذي زودته إيران لسوريا من كانون الثاني إلى أيلول كافياً إلا لتغطية 80 يوماً من الطلب المحلي.
ويتمثل عائق خارجي آخر بسلسلة الضربات العسكرية التركية الأخيرة عبر الحدود ضد المواقع التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» («قسد») في شمال شرقي البلاد. ويبدو أن هذه الحملة أوقفت بعض حقول ومنشآت النفط السورية، مما خفض الإنتاج الوطني من 90 ألف برميل يومياً إلى حوالي 20 ألفاً – وهو انخفاض صارخ في بلد تتراوح احتياجاته اليومية من النفط حول 200 ألف برميل.
الاستفادة من الطاقة للإغاثة الإنسانية
أشعلت احتجاجات السويداء النقاشات المعتادة في الأوساط السياسية، حيث دعا البعض إلى التعليق الفوري للعقوبات بينما دعا البعض الآخر إلى تشديد العقوبات لتسريع انهيار نظام الأسد.
ومع أخذ هذه الأمور في نظر الاعتبار، من الضروري أن تفكر الولايات المتحدة بصورة أكثر ابتكاراً. أولاً، يجب أن تعمل مع الحلفاء للإبقاء على المساعدات عبر الحدود قبل انتهاء صلاحية “قرار مجلس الأمن رقم 2642” في 10 كانون الثاني. وتسمح هذه الآلية بإرسال الإمدادات عبر معبر باب الهوى إلى شمال غرب سوريا، حيث لا يزال يتواجد حوالي 4 ملايين لاجئ ونازح. وقد سمحت روسيا بتمديد الآلية لمدة ستة أشهر فقط في تموز الماضي، مراهنةً على ما يبدو بأن ظروف الشتاء القاسية ستمنحها مزيداً من النفوذ عند التفاوض على القرار التالي. ففي تصريحاتها لمجلس الأمن في 21 كانون الأول، بدت موسكو وكأنها تبتعد عن احتمال التجديد، معلنةً أنها “غير مقتنعة” بأن الآلية الحالية هي الطريقة المثلى لإدخال المساعدات إلى البلاد. لكن في ظل معاناة السوريين على المستوى الاقتصادي حتى في مناطق سيطرة النظام، قد يكون لدى روسيا حافز لقبول التمديد لمساعدة موكلها في دمشق.
ثانياً، يجدر بواشنطن أن تدرس بشكل كامل توسيع نطاق الإعفاءات الإنسانية للمساهمة في تخفيف المعاناة من دون إفادة شبكات نظام الأسد. وتشمل هذه: المبادئ التوجيهية لوزارة الخزانة التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع والتي تهدف إلى تسهيل تدفق المساعدات مع الإبقاء على العقوبات الحالية. وبناءً على هذه القواعد الجديدة، يجب على المسؤولين دراسة إمكانية تسليم شحنات الوقود الطارئة إلى سوريا مع الحد من الفرص المتاحة للنظام لاستغلال التدفقات.
وتتمثل إحدى الطرق للقيام بذلك في إنشاء “قناة بيضاء” للمساعدات الإنسانية في سوريا – على غرار النهج الذي اتُبع مع إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2020، عندما أعلنت واشنطن أن الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية يمكنها إنشاء آلية دفع للصادرات الإنسانية المشروعة إلى ذلك البلد طالما لم يتم تحويل أي أموال إلى النظام. فإنشاء مثل هذه القناة لسوريا سيتطلب من الحكومات التي تتبنى مواقف مماثلة اتخاذ قرارات متزامنة للسماح بتنفيذ الآلية، بالإضافة إلى إنشاء غرفة مقاصة سيادية لتحمل مخاطر المعاملات المرتبطة بالشحنات في سوريا. ومن شأن ذلك أن يضمن عدم استفادة نظام الأسد والمنظمات المصنفة (إرهابية) من شحنات المساعدات أو التلاعب بها – وهو مصدر قلق سياسي رئيسي.
ولتجنب التأثير على المدنيين، لم تستهدف العقوبات الأمريكية مطلقاً استيراد المنتجات النفطية المكررة، على الرغم من أن بعض العقوبات الناشئة عن “قانون قيصر لحماية المدنيين” في سوريا لها آثار جانبية. وأظهرت واشنطن استعداداً لتقديم المزيد من الإعفاءات من العقوبات لأنواع معينة من الطاقة حتى لو كان ذلك يساعد النظام بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، استثنت مؤخراً نقل الغاز الطبيعي والكهرباء عبر سوريا إلى لبنان مقابل تسليم شحنات الطاقة إلى نظام الأسد. ومن الناحية الفنية، اقتصرت عمليات التسليم هذه على الاستخدامات الإنسانية، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يدركون بلا شك أن شبكة الكهرباء السورية تزود معسكرات الاعتقال والقواعد العسكرية التابعة للنظام بالطاقة، وليس فقط منازل المدنيين.
وإذا عملت واشنطن على تسهيل شحنات الوقود الطارئة إلى سوريا، فعليها القيام بذلك من دون توسيع نطاق التطبيع مع نظام الأسد، الذي تزداد انتهاكاته سوءاً. ويعني ذلك انتزاع تنازلات سياسية واضحة في المقابل. وعلى وجه التحديد، يجب على المسؤولين الأمريكيين مطالبة النظام باتخاذ خطوات ملموسة بموجب “قرار مجلس الأمن رقم 2254″، مثل إطلاق سراح المحتجزين والسماح للجنة الدستورية بأداء عملها فعلياً، بما يتماشى مع تدابير بناء الثقة “خطوة بخطوة” التي اتخذها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن. ومن خلال الاستفادة بدقة من أزمة الطاقة، يمكن لواشنطن أن تُظهر للسوريين أنها تهتم بمصيرهم – بينما تشير في الوقت نفسه إلى الأسد ورعاته الروس بأنه لا يستطيع استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية، لذا فإن التسوية التفاوضية هي سبيله الوحيد للخروج من الانهيار المستمر.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى