أوغاريت بوست (مركز الأخبار)-تباينت آراء الأوساط السياسية السورية حول المسار الجديد الذي أفرزه الهجوم التركي الأخير على شمال شرق سوريا، وما أعقبه من اتفاق عسكري بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية، دخلت بموجبه القوات الحكومية إلى منطقة “شرق الفرات” بعد سنوات من مغادرتها خلال الحرب المستعرة في البلاد منذ عام 2011.
الاتفاق العسكري الذي مهد لمحادثات سياسية لاحقة بين الإدارة الذاتية ودمشق، وفق تصريحات مسؤولي الجانبين، للوصول إلى حل دائم لمستقبل مناطق شمال شرق سوريا وإدارتها الذاتية، في وقت أصبحت فيه البلاد وتحديداً تلك المنطقة “بؤرة صراع” بين قوى إقليمية ودولية لتمكين نفوذها بالتزامن مع إطلاق أعمال اللجنة الدستورية السورية، التي بدأت أعمالها رسمياً أواخر الشهر المنصرم.
ورغم أن الموقف الرسمي للحكومة السورية يرفض وجود سلطات موازية للمركزية في دمشق، إلا أن الإدارة الذاتية تصر على خصوصية مناطقها وقواتها العسكرية، وتضمين ذلك دستورياً.
المعارض السوري، فاضل الخطيب، يرى في حوار مع شبكة أوغاريت بوست الإخبارية، أن المعارضة السورية هي التي دفعت الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية للتوجه نحو المحادثات مع الحكومة وروسيا، ويضيف أن المعارضة حتى عندما دافعت عن “داعش” والنصرة، واعتبرتهما من فصائل الثورة السورية لم توقف حربها على قسد.
وأكد الخطيب، أن القرار الفعلي لإنجاح هذه المحادثات بيد روسيا وليس الحكومة السورية، كما اعتبر أن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية لا تختلف عن عشرات المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستبقى مهيمنة على “شرق الفرات”
وفيما يلي نص الحوار الكامل مع المعارض السوري، فاضل الخطيب:
ـ ماهي قراءتكم للمسار الجديد في الأزمة السورية المتمثل بإطلاق المحادثات بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في شمال سوريا؟
في البداية لابد من تأكيد بضع نقاط هامة. لم يخففوا هجومهم على قسد يوم كانت تدحر داعش، لم يوقفوا عدائهم لقسد يوم كانوا يدافعون عن دور أردوغان في إنشاء داعش، حتى عندما دافعوا عن جبهة النصرة، أو سكتوا عنها، لم يسكتوا عن حربهم ضد قسد. يوم كان مثقفيهم مشغولين بإبداعات طفولية واكتشافهم أن “داعش عند الجميع، وأن النصرة فصيل رئيسي في الثورة، وأن علوش حامل همّ الأمة”، كان حينها شباب وصبايا قسد يلاحقون فلول داعش، كانت حينها قسد تحمي أمهاتهم من داعش. لم تترك قوى النفوذ والمعارضة في سوريا أي خيار أمام الإدارة الذاتية إلا الحوار مع النظام، والحوار الذي تمّ حتى الآن كان بين الإدارة الذاتية وممثلي روسيا الذين يمثلون النظام. وهل هناك جهة شبه رسمية يمكن الحوار معها حول وضع المنطقة إلا النظام وروسيا؟ أي أن المفاوضات في هذا الظرف ليست نقيصة أو خيانة وطنية، بل هي تكريس ونتيجة لانتصار حققته قسد على أرض الواقع، وغالبا في كل الحروب والصراعات، أو في نهاياتها تكون هناك مفاوضات وتوافقات تعكس موازين القوى والنفوذ على الأرض. وربما هي أول مرة خرجت المسألة الكردية إلى إطار دولي لا يمكن تجاهله ويتخطى التضامن الأدبي الشكلي. أي أن نضال القوى الثورية المنضوية تحت مظلة تحالف قسد من الكرد والعرب والسريان وغيرهم ضد داعش وحلفائها تعطي ثمارها السياسية وتفرض وجودها كطرف رئيسي يشارك في رسم مستقبل البلد، وهو نصر كبير لا يمكن، ولا يجوز تجاهله، ثمارها، ليس فقط في دحر الإرهاب، بل بتقديم بديل ديمقراطي تعددي لشعبنا وللعالم، بديل يمكن البناء عليه واعتباره تجربة استثنائية جيدة في المنطقة. وأنا أتمنى أن تحقق تلك المفاوضات نقلة نوعية أكثر من الاعتراف بنظام فيدرالي لا مركزي.
ـ هل الاتفاق العسكري بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات الحكومية يزيد من فرص نجاح الوصول لاتفاق سياسي شامل بين الطرفين؟
رغم أن القرار الفعلي ليس للحكومة السورية، بل لروسيا قبل كل شيء، لكنه لابد من الأخذ هنا أيضا عدة عوامل بعين الاعتبار، والتي ستحدد في النهاية حجم هذا الاتفاق، وقد يكون العامل التركي ومحاولة حكومة أردوغان منع تحقيق أي انتصار سياسي للكورد وحلفائهم في شمال سوريا، وستعمل على المساومة مع الروس والايرانيين الذين لا يمكن تجاهل دورهم في سوريا، رغم تراجع الدور الإيراني الملحوظ والسريع لصالح روسيا. أعتقد أن النظام السوري على استعداد لتقديم تنازلات ربما أكثر من التي تسمح به روسيا، تنازلات ربما يحظى بتخفيف “عداء” وعقوبات البيت الأبيض عليه. هنا الجميع يحاول “البيع والشراء”، الجميع يحاول شد “البساط الكردي” نحوه، سيما بعد أن أثبت الكورد وحلفاؤهم من العرب والسريان وغيرهم في المنطقة أنهم حلفاء يمكن الوثوق بهم، وهذا ما يُخيف تركيا ويقض مضاجع أردوغان، وأردوغان على استعداد للمساومة مع الأسد ويضغط بتمويل قطري لمنع تحقيق خطوة كبيرة باتجاه حكم ذاتي على غرار شمال العراق. ولا يجوز لنا تجاهل دور إسرائيل في أي ترتيب سياسي في سورية، وأعتقد أنها تستطيع الضغط على الروس وعلى الأمريكيين من جهة أخرى من أجل قيام “نظام إدارة ذاتية” أكثر من فيدرالية لامركزية وأقل من حكم ذاتي ضمن إطار الجمهورية السورية. وأنا شخصيا أتمناه لأشقائنا في جزء من الشمال السوري الذي يقطنونه.
ـ كيف ستؤثر هذه التطورات على مسار اللجنة الدستورية التي بدأت أعمالها في جنيف؟
لا أعتقد أن أي طرف من دول النفوذ في سوريا تأخذ عمل هذه اللجنة بجدية. إنها مجرد تقطيع للوقت الضائع، ولا تختلف عن عشرات المؤتمرات والاجتماعات في أكثر من عشر مدن هنا وهناك. أعتقد أنه مهما تمخض عن اجتماعات هذه اللجنة، فإنها لن تساعد على الانتقال نحو سورية الأفضل. لابد من دستور جديد، يكون بعيداً عن ممثلي النظام والمعارضة وجماعات ما يسمى مجتمع مدني ـ منذ متى هناك مجتمع مدني وسياسي في سورية؟ كلهم اكسسوارات أو شراشيب سياسية سياحية.
ـ ما انعكاسات الاتفاق بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية على الأزمة بشكل عام؟
بالتأكيد سيعطي المصداقية، ليس لحكومة بشار الأسد، بل للدول صاحبة النفوذ والقرار، ويبدو أن الحل السياسي في مناطق الإدارة الذاتية في الشمال السوري قادم بدون أن يكون هناك حل سياسي لباقي مناطق سورية. والحل السياسي الشامل يطرح بضع أسئلة: إلى متى يبقى “الانكفاء” الأمريكي مستمرا؟ هل الثورة ـ الحراك في لبنان والعراق سيكون عامل تسريع لفرض حل حقيقي في سورية، بل إلى أي مدى سيحقق النجاح أم سيكون سبباً جديداً لتقطيع الوقت؟ والحل الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا برحيل عائلة الأسد عن السلطة وإطلاق سراح المعتقلين كبادرة حسن نية من أجل البدء بمرحلة جديدة، وفرض حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة وبضمانات دولية غربية، وحتى الآن لا يبدو من مؤشرات جدية لذلك.
ـ هل سيسَرع هذا الاتفاق من خروج القوات الأجنبية من سوريا، وما مصير “شرق الفرات برأيكم؟
من المبكر جداً الحديث عن ذلك، لكن يمكن تأكيد أن القوات الروسية والأميركية باقية، وبقاء قوات إيرانية مرتبط بمآلات ثورات العراق ولبنان، بل بإمكانية اندلاع انتفاضات في إيران وتركيا أيضا. لن تبقى خريطة أو خرائط الشرق الأوسط السياسية كما عرفناها خلال قرن من الزمن.
أما شرق الفرات سيبقى تحت هيمنة أمريكا، حتى لو انسحبت من المنطقة، وهي لن تنسحب.
حوار: بهاء عبد الرحمن