بشّر انتخاب الرئيس جو بايدن بحدوث تغيير في مقاربة الولايات المتحدة حيال إيران، يهدف إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. لكن إعادة إحياء الاتفاق، إذا حدثت، لن تفعل الكثير لمعالجة مخاوف دول الخليج العربية من فرض إيران لقوتها في المنطقة عبر حلفائها وبرنامجها للصواريخ البالستية.
هدأت التوترات ولكن
لقد هدأت التوترات في الشرق الأوسط مؤخراً لكنها قد تعود إلى الظهور مرة أخرى، إذ إن أي حادث من الممكن أن يشعل فتيل مواجهة أكبر. ولذلك ينبغي على الجهات الفاعلة استخدام هذه المهلة لإيجاد آلية لمنع مثل تلك الحوادث من الخروج عن نطاق السيطرة.
إن إعادة إحياء الاتفاق النووي محورية لأسباب تتعلق بمنع الانتشار النووي، لكن دول الخليج، وإيران والعراق ينبغي أن تسعى أيضاً إلى إقامة حوار إقليمي لتقليص الاحتكاكات والحد من مخاطرة حدوث صراع عرَضي. كما ينبغي على الولايات المتحدة، والدول الأوروبية والقوى الخارجية الأخرى أن تساعدها في تطوير مثل تلك النقاشات.
فبعد مباشرة الرئيس جو بايدن مهام منصبه، انخرطت ادارة الأخيرة وإيران في مفاوضات غير مباشرة لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015. مهما كانت إعادة إحياء الاتفاق مفيدة لمنع انتشار الأسلحة النووية وللعلاقة الأميركية – الإيرانية المتوترة فإنها (إن حدثت) لن تزيل التوترات بين إيران وجيرانها العرب في منطقة الخليج – خصوصاً السعودية والإمارات العربية المتحدة – وهي التوترات التي ارتفعت حدتها بشكل خطير في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ويبقى من غير الواضح ما إذا كان يمكن لخطة العمل الشاملة المشتركة، إذا أعيد إحياؤها، أن تشكل الأساس لمحادثات من شأنها أن تعالج الهاجس الرئيسي لدول الخليج، أي فرض إيران لقوتها في المنطقة من خلال شركائها المسلحين غير الحكوميين وصواريخها البالستية. وينبغي على السعودية والإمارات، من جهتهما، الاستمرار في الحوار مع إيران والسعي إلى نقاشات إقليمية أوسع تشمل الدول العربية الأخرى في الخليج إضافة إلى العراق.
تحقيق التقدم أمر صعب
وسيجعل تاريخ العداء بين إيران، من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، تحقيق التقدم صعباً. فالتصور بوجود تهديد إيراني لأمن دول الخليج العربية يعود إلى الثورة الإسلامية في عام 1979. إذ إن العلاقات بين الجانبين تجمدت وتلاشت منذ ذلك الحين، وفي بعض الأحيان، أدى اللجوء إلى الدبلوماسية إلى تخفيف حدة التوترات. لكن بعد أربعين عاماً، وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والانتفاضات الشعبية في عام 2011 التي أوجدت فراغاً في السلطة في أجزاء من العالم العربي، فإن السعودية والإمارات شعرتا برعب متزايد من محاولات إيران فرض قوتها، والتي يرون فيها محاولة عدوانية لبسط هيمنتها الإقليمية.
في حين أن الإمارات والسعودية تعترفان بقيمة خطة العمل الشاملة المشتركة في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، فإنهما تجادلان بأنها لم تفعل ما يكفي لتأخير، ناهيك عن منع، امتلاك إيران للسلاح النووي. ما يفوق ذلك أهمية هو أنهما انتقدتا الاتفاق علناً لتركيزه على الطموحات النووية لإيران واستبعاد ما يقلقهما أكثر من أي أمر آخر، وهو حلفاء طهران غير الحكوميين وصواريخها البالستية.
مخاوف دول الخليج
ما يضيف إلى خوف الدولتين الخليجيتين مما تريان فيه قوة إيران المتنامية هو التصور بأن واشنطن قد تكون ماضية في تقليص التزامها بأمن الخليج. وانتقدتا إدارة جورج دبليو بوش لغزوها العراق، المناورة التي رأتا فيها تقويضاً لاستقرار المنطقة وتعود بالفائدة لا محالة على إيران، ونظرتا إلى عدم استعداد إدارة أوباما للاندفاع لمساعدة الرئيس حسني مبارك عندما أطيح به عام 2011 علامة على انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
تغيّر آخر جاء مع اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس المكلفة بالعمليات الخارجية للحرس الثوري، في كانون الثاني 2020. رحب السعوديون بهدوء بالاغتيال. أما بالنسبة للإماراتيين، فإن الرد الانتقامي لإيران على مقتل سليماني وأوجه أخرى من “الضغوط القصوى” عززت مخاوفهم في أن يعلقوا في حرب مفتوحة لا يسعون إليها وأدركوا أنها ستحدث ضرراً كبيراً لاقتصادهم ومجتمعاتهم. في وقت لاحق، وحالما تفشت جائحة كوفيد-19 في مطلع عام 2020، وضربت إيران بقسوة على نحو خاص، أرسلت الإمارات مساعدات لجارتها المحاصرة – كالتفاتة حسن نوايا محملة بالرمزية.
لم يوفر انتخاب بايدن عزاء يذكر لدول الخليج العربية، فقد أوضحت إدارة بايدن فوراً أنها تسعى إلى علاقة مختلفة مع السعودية، علاقة تؤكد على ضبط الأعمال العسكرية السعودية في اليمن والمطالبة باحترام أفضل لحقوق الإنسان داخل المملكة.
جهود واشنطن
ثم أطلقت إدارة بايدن جهداً للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كامل قبل إجراء مفاوضات محتملة حول قضايا مثل برنامج إيران للصواريخ البالستية والتنظيمات المسلحة التي تعمل بالوكالة عنها، وهي المفاوضات التي كانت قد دعت إليها السعودية والإمارات. وعندما رأت الرياض وأبو ظبي علامات ما قد يحصل في المستقبل، لم تعبرا عن معارضتهما لمفاوضات أميركية مع طهران من حيث المبدأ، لكنهما أشارتا، على الأقل عندما كانت النقاشات جارية داخل الإدارة حول ماهية المقاربة التي ينبغي اتباعها، إلى أنهما تريدان مقعداً على طاولة المفاوضات.
يعد إطلاق مباحثات أمنية مباشرة بين السعودية وإيران في آذار 2021، التي يبدو أنها تركز بشكل رئيسي على اليمن حتى الآن – خطوة مهمة إلى الأمام بالنسبة للدولتين اللتين قطعتا كل القنوات الدبلوماسية في عام 2016. وفي ملاحظته للتغيير الحاصل في المقاربة، أشار الأمير محمد إلى أن بلاده تسعى إلى “علاقة جيدة” مع إيران.
ورغم ذلك، وسواء نجحت الولايات المتحدة وإيران في إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أو لم تنجح، فإن المخاوف العربية في الخليج المتعلقة بفرض إيران لقوتها في المنطقة ستظل قائمة. تبرر إيران توسيع نفوذها الإقليمي على أنها طريقة للخروج من عزلتها الطويلة وكسر العقوبات، وتجادل بأن برنامجها للأسلحة التقليدية، الذي يشمل صواريخها البالستية، رادع في وجه العدد الكبير من القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة وجيرانها الخليجيين الذين ينفقون أكثر منها بكثير على الدفاع. إن اتفاقاً نووياً مجدداً لن يعالج هذه القضايا، وقد يكون هناك اتفاق متابعة يعالجها بشكل كامل قيد الإعداد منذ زمن طويل.
المصدر: مجموعة الأزمات الدولية
ترجمة: اوغاريت بوست