إن تمرد يفغيني بريغوجين، الذي أعيد تصنيفه في نظر فلاديمير بوتين من وطني إلى خائن بعد أحداث الأسبوع الماضي، هو نوع من اختبار الضغط ليس فقط للواقع السياسي المحلي لروسيا، ولكن أيضاً لنشاط السياسة الخارجية للكرملين.
ويتفق جميع الخبراء الروس على أن التغييرات في النظام السياسي لروسيا أمر حتمي الآن، لا سيما على الجانب الدفاعي حيث ذكرت CNN أن سيرغي سوروفيكين، الجنرال الروسي البارز، قائد القوات الجوية، قد تم اعتقاله، كما أن رئيس الأركان العامة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، الذي طلب بريغوجين إقالته، لم يُرَ منذ تمرد فاغنر.
السؤال الوحيد في التغييرات هو التوقيت، لأن الرئيس فلاديمير بوتين لا يحب اتخاذ القرارات تحت الضغط، أو الاعتراف بالصدوع التي تكشفت في أعقاب تمرد فاغنر.
وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، تم بالفعل إطلاق عملية إعادة توزيع أصول بريغوجين في روسيا، مما يشير إلى نية الكرملين في نهاية المطاف بحرمان بريغوجين من جميع أدواته السياسية الداخلية، لكن المشاريع الخارجية تبدو أكثر تعقيداً.
ولفترة طويلة، تم تنفيذ العديد من عمليات موسكو في المنطقة الرمادية إما مباشرة من خلال بريغوجين، أو بموارده لدعم عمليات الخدمات الخاصة.
إعادة تنظيم مشاريع بريغوجين الأجنبية
قائمة المشاريع الخارجية لبريغوجين مذهلة، بما في ذلك حملات “مصنع ترول” الإعلامية ضد العمليات الانتخابية الأميركية. كما تشمل العمليات العسكرية للمرتزقة لاقتحام تدمر والغوطة الشرقية في سوريا ومحاولة التقدم السريع للقوافل تحت غطاء الدفاع الجوي إلى طرابلس عام 2020، والتي كانت بالأساس بروفة لـ “المسيرة على موسكو” الأخيرة.
ومع ذلك، لم يكن بريغوجين هو الرئيس الوحيد للهيكل شبه العسكري. في وقت من الأوقات، كانت السلطات الروسية هي التي أمرت بريغوجين بأن يصبح قائدا لشركة مرتزقة غير موجودة رسمياً من أجل تقليل التكاليف في حالة فشل العمليات. بدأ بريغوجين، الذي كان لديه وحدات مسلحة جاهزة، في الجمع تدريجياً بين مشاريعه التجارية الشخصية في الخارج وتلك التي نفذت حصرياً لصالح الدولة، لكن من حيث المبدأ نادراً ما دخلوا في صراع.
في ليبيا، حدث التنشيط الواضح للشركات العسكرية الخاصة من فاغنر في عام 2018 على وجه التحديد عندما بدأت وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان في دعم خليفة حفتر. نسق أفراد بريغوجين مع وزارة الدفاع الروسية وحتى كتبوا تقارير للإدارة العسكرية. عندما لم تتحقق آمال استيلاء حفتر على طرابلس، انخفض مستوى وجود فاغنر، وبدأت وزارة الخارجية مرة أخرى في التواصل بنشاط مع خصوم حفتر وتحقيق التوازن بين مختلف اللاعبين.
أيضاً، لطالما كانت قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية مركزاً للدعم اللوجستي لوحدات بريغوجين في بلدان مختلفة، ولا سيما في إفريقيا. وبينما كان المرتزقة يطيرون في كثير من الأحيان حول العالم كركاب منتظمين، تم تسليم جميع الأسلحة والمعدات، بما في ذلك معدات الدفاع الجوي، عن طريق رحلات النقل التابعة لوزارة الدفاع.
وبالتالي، من الصعب للغاية على يفغيني بريغوجين، المنفي نتيجة للاتفاقات بين موسكو ومينسك، أن يصبح بوب دنارد الجديد، الأسطورة العسكرية الفرنسية الذي شارك لعقود في الانقلابات وأنشطة المرتزقة في إفريقيا.
وتعليقاً على تقارير أمريكية سابقة يقول مصدر المونيتور المقرب من السلك الدبلوماسي الروسي في سوريا: “حتى الآن، لا أحد لديه الكثير من الأفكار حول كيفية إعادة تنظيم عمل مجموعة فاغنر هنا دون عواقب وحوادث، لذلك من المحتمل ألا يجدوا شيئاً أفضل إنكار وجود وحدات فاغنر هنا، كما تفعل دمشق بالفعل، لكنهم سيجرون تدقيقاً ببطء ويبحثون عن حل”.
وفي الوقت نفسه، كتب أحد أفراد بريغوجين، الموجود الآن في سوريا، أن “قطاعات كاملة من السياسة الخارجية الروسية تعتمد على أصول شركة فاغنر في الخارج، وإذا تمت إزالتها، فسيكون هناك ضغط سريع للنفوذ الروسي، أكثر في أفريقيا، وبدرجة أقل في سوريا”.
فاغنر أقوى في إفريقيا
في البلدان الأفريقية، غالباً ما مارست هياكل بريغوجين، التي كانت تؤدي مهاماً حساسة، ضغوطاً لنشر منشآت عسكرية رسمية لصالح وزارة الدفاع الروسية. عملت فاغنر، بهيكلها المرن وسرعتها في اتخاذ القرار، كقاطرة مهدت الطريق للوكالات الروسية الرسمية.
بهذا المعنى، في سوريا، حيث تتمتع موسكو بحضور رسمي مستقر، فمن الأسهل نظريًا استبدال الهيكل العسكري والإداري الواسع لشركة فاغنر العسكرية الخاصة بمرور الوقت وحل مشكلة رواتب المرتزقة، التي تزيد عدة مرات عن راتب الجندي روسي المتعاقد.
بالإضافة إلى كادر الأفراد العسكريين في سوريا، هناك Redut PMC، التي أنشأتها وزارة الدفاع، ويعمل بها ويمولها جنود الاحتياط المحمولون جواً. أيضًا، تستمر مشاريع جينادي تيمشينكو، رجل الأعمال القريب من الكرملين، في العمل في سوريا، والتي قد تستوعب مشاريع بريغوجين الاقتصادية في حمص وعدة محافظات أخرى.
يقول خبير روسي، غالبًا ما يسافر إلى إفريقيا وتحدث معه المونيتور بشرط عدم الكشف عن هويته: “على المدى القصير، من الواضح أن استبدال مشاريع بريغوجين في إفريقيا، لا سيما في منطقة الساحل، أمر مستحيل. لن يشارك المدربون العسكريون الرسميون في ما تورط فيه فاغنر، أي مباشرة في قمع التمرد”.
في أواخر حزيران، ستستضيف سانت بطرسبرغ القمة الروسية الأفريقية الثانية، وأي تغييرات قد تؤثر على الصورة الروسية. إذا كانت هناك مهمة حقيقية لاستبدال بريغوجين في إفريقيا، فعندئذ يمكن لموسكو أن تفعل ذلك تدريجيًا، خاصة وأن عددًا من الأنظمة الأفريقية ترغب في التفاعل بشكل أكبر مع الشركات الروسية الرسمية في المجالات الاقتصادية والثقافية، بدلاً من فاغنر، بحسب ما أشار اليه المصدر.
ووفقًا لمصدر آخر مقرب من مركز تجنيد فاغنر في وسط روسيا، فإن بعض أعضاء شركات فاغنر العسكرية الخاصة يوقعون بنشاط عقودًا للذهاب إلى إفريقيا، لأن “هناك احتمال أن تكون بيلاروسيا نوعًا من نقطة العبور”. في وقت سابق، ذكرت بعض قنوات تلغرام باللغة الروسية، نقلاً عن مصدر في مينسك، أن القاعدة البيلاروسية لفاغنر لن تكون سوى قاعدة عبور للراحة والتدريب.
وهكذا، يقترح المحلل العسكري البيلاروسي ألكسندر أليسين أن بريغوجين لن يبقى في بيلاروسيا لفترة طويلة وسيتم إرساله إلى إفريقيا. وقال إن “بيلاروسيا لديها العديد من القواعد الجوية لطيران النقل هناك، ومسارات طائرات النقل التابعة للخطوط الجوية البيلاروسية والطيران العسكري راسخة للغاية”.
يشير أليسين إلى أن لوكاشينكو قام بنشر الشبكات على نطاق واسع في إفريقيا في السنوات الأخيرة للمشاريع الزراعية والصناعية.
ولكن حتى لو افترضنا أن بريغوجين ووحدات فاغنر الموالية له، التي أعيد انتشارها إلى بيلاروسيا، ستعمل في إفريقيا لصالح ألكسندر لوكاشينكو، فإن هذه الأنشطة لا تتوافق بالضرورة مع مصالح موسكو.
هناك شعور بأنه لا موسكو ولا مينسك ولا بريغوجين نفسه قد اكتشفوا كيفية تقسيم المشاريع الأجنبية ومنع المنافسة بين الشركات العسكرية الخاصة التي أعيد تنظيمها وشركات بريغوجين الخاصة. قد تضطر موسكو إلى تحمل أنشطة الموالاة السابق والمتمردين الحاليين لفترة طويلة، بينما سيتعين على بريغوجين في النهاية الاختيار – إما الدخول في المعارضة، أو البحث عن عذر مناسبما فعله مع الكرملين.
المصدر: موقع المونيتور الأمريكي
ترجمة: أوغاريت بوست