دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

ماذا بعد زيارة الشرع إلى المملكة العربية السعودية؟

إن المملكة العربية السعودية تتبنى نهجاً استباقياً وجاداً في التعامل مع التحولات الدرامية التي شهدتها سوريا في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد. وهي عازمة على الاضطلاع بدور استراتيجي يصون مصالحها الوطنية مع ضمان الاستقرار في سوريا ــ وهو عنصر أساسي في الأمن العربي الأوسع نطاقاً. ولهذه الاستراتيجية آثار مباشرة على استقرار البلدان المجاورة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية نفسها.

وبدلاً من الاستجابة للأحداث، وضعت الرياض نفسها كلاعب رئيسي منذ البداية، فشاركت في الجهود السياسية والإنسانية والدبلوماسية من خلال وزارة خارجيتها. وتشمل هذه المبادرات الحوار مع الدول المؤثرة المتورطة في الأزمة السورية.

لقد أدى انسحاب إيران والميليشيات المتحالفة معها، إلى جانب تقليص الوجود العسكري والسياسي لروسيا، إلى خلق فراغ كبير في السلطة. والقوى الإقليمية مثل تركيا حريصة على ملء هذا الفراغ، والسعي إلى النفوذ في دمشق من خلال استراتيجيات القوة الناعمة.

ورداً على ذلك، لم تكتف المملكة العربية السعودية بمراقبة هذه التغييرات، بل سعت إلى تشكيلها. ومن خلال القيام بذلك، تهدف المملكة إلى الحفاظ على التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، مع تسهيل عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، ومساعدتها على الانتقال التدريجي نحو الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء دولة مدنية تتجاوز الانقسامات العرقية والطائفية.

وعلاوة على ذلك، تواصل المملكة العربية السعودية، بصفتها خادم الحرمين الشريفين، مشروع التنوير الذي يهدف إلى إحياء الإسلام المعتدل القائم على الاحترام المتبادل ورفض العنف والأصولية. ولمواجهة الجماعات المتطرفة، تتعامل المملكة مع الجماعات المتطرفة بحكمة مدروسة، وتنفذ تدابير أمنية مباشرة ضد الخلايا الإرهابية مع معالجة القضايا الإيديولوجية وتحدي الخطاب المتطرف.

وبالتالي، فإن الاهتمام السعودي باستقرار سوريا ينبع جزئيًا من الرغبة في منع البلاد من أن تصبح ملاذًا للإرهاب أو منصة للإيديولوجيات العنيفة المنتشرة في جميع أنحاء العالم العربي. إن دعم دمشق يتماشى مع تعزيز الاعتدال ومعالجة الفكر المتطرف بشكل منهجي.

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن ملايين السوريين يقيمون في المملكة العربية السعودية، لا يعاملون كلاجئين بل كمقيمين قانونيين يتمتعون بالتعليم المجاني وفرص العمل وظروف المعيشة الكريمة. وتسعى الرياض إلى إرسال إشارات إيجابية مفادها أن هذه الرعاية تمتد إلى وطنهم، مؤكدة أن السياسة السعودية تسعى إلى مساعدة السوريين على إعادة بناء دولتهم الوطنية الحديثة دون التدخل في شؤونهم الداخلية.

ويلاحظ المراقبون للمملكة العربية السعودية التحديث المستمر للمجتمع والقوانين وهياكل الدولة. وقد أطلقت رؤية 2030 تحولات جوهرية يعتزم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان دعمها على المدى الطويل. ويتطلب نجاح هذه الرؤية ليس فقط الأداء الاقتصادي القوي ولكن أيضا الاستقرار الإقليمي، مما يجعل أمن سوريا مصلحة سعودية استراتيجية لدعم تنميتها ومشاريعها الضخمة.

على هذه الخلفية، تحمل زيارة أحمد الشرع إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع واستقباله من قبل ولي العهد ثقلا كبيرا. ووفقا لوكالة الأنباء السعودية، ناقش الثنائي التطورات السورية والعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، واستكشاف سبل دعم أمن واستقرار سوريا مع تعزيز التعاون في مختلف المجالات.

يشير استقبال ولي العهد للشرع إلى دعم الرياض للانتقال السياسي في دمشق ورغبتها الحقيقية في تحقيق تطورات إيجابية في الأمن والاستقرار والتنمية، مما يؤدي إلى حكومة وطنية شاملة تمثل جميع التركيبة السكانية السورية.

ولكن هذا لا يعني دعماً سعودياً غير مشروط لكل تحرك تتخذه القيادة السورية الجديدة. ذلك أن سياسة الرياض تتجنب عادة إعطاء أي طرف شيكاً مفتوحاً أو التصرف كوصي على الإدارات السياسية في الدول الأخرى. وبدلاً من ذلك، تدعم المبادئ العامة للأمن والاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية وملء أي فراغ أمني أو سياسي. وتسعى الرياض إلى تجنب الهزات المزعزعة للاستقرار التي قد تزعزع استقرار المشهد السوري، وتترك التفاصيل الدقيقة والتنفيذ المحدد لتقدير السوريين. وقد توافق المملكة أو تختلف مع قرارات معينة، وتقدم المشورة عندما تطلبها دمشق.

إن زيارة الشرع للسعودية، في حين توفر الدعم السياسي وربما تفتح الأبواب أمام عواصم أخرى، تقدم فرصة تاريخية لسوريا. ويعتمد النجاح على تطوير خطط عملية موثوقة تشرك جميع السوريين في العمليات السياسية وإعادة بناء الدولة، وتجنب سياسات الانتقام والحصص الطائفية أو العرقية. ومن الممكن أن يبني هذا النهج الثقة ويعزز التعاون المستدام بين البلدين.

المصدر: صحيفة عرب نيوز

ترجمة: أوغاريت بوست