دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

مؤسسة بحثية أمريكية: الوضع في درعا مريع

كضربة رمزية للانتفاضة المناهضة للحكومة التي ولدت في درعا عام 2011، يحاول نظام بشار الأسد والميليشيات المدعومة من إيران مرة أخرى إخضاع هذه المدينة، والتي تعتبر مهد الثورة التي بدأت منذ عقد من الزمن.

وحصلت جولة من الاشتباكات اندلعت بسبب الانتخابات الرئاسية غير الشرعية في سوريا في 31 ايار، حيث رفضت عدد من مدن محافظة درعا المشاركة في الانتخابات ونزل المدنيون إلى الشوارع احتجاجا.

ونتيجة لذلك، تم وضع عدة أحياء في محافظة درعا تحت حصار وحشي. وفي أواخر حزيران، طوّقت الفرقة الرابعة من الجيش السوري وقوات النظام الأخرى المدينة، وقطعت جميع الطرق المؤدية إلى درعا البلد جنوباً، ومنعت دخول المواد الغذائية والأدوية، ودخول وخروج المدنيين. كما شرع النظام وحلفاؤه في قطع الكهرباء والمياه والاتصالات، لم تشهد درعا حملة عسكرية كهذه منذ سيطرة النظام على المحافظة في تموز 2018.

الواقع المعقد للتأثير والسيطرة بعد تسوية 2018

رغم سيطرة نظام الأسد على درعا منذ تسوية 2018، فإن الواقع على الأرض يشير إلى وجود ثلاث مناطق نفوذ في المحافظة. الأولى هي المنطقة التي تعتبر مركز مفاوضات بين المعارضة والنظام، وتحت إشراف روسي مباشر. في هذه المنطقة، حافظ النظام على سيطرة مؤسسية لكنه حرم من الوجود الأمني. أما دائرة النفوذ الثانية فتتألف من المستوطنات التي يتمتع فيها النظام بسيطرة عسكرية شاملة، مثل بصرى الحرير والحراك وصيدا والبلدات المجاورة، وكذلك المناطق الغربية مثل جاسم ونوى. والثالث يشمل مناطق استولى عليها النظام دون توقيع اتفاق تسوية، مثل داعل وإنخل والحارة.

إن توطيد نفوذ إيران في درعا هو أحد النتائج المهمة لانتشار القوة هذا. عبر الفرقة الرابعة والحرس الثوري الإسلامي والميليشيات المنتشرة في درعا، نجحت إيران في توسيع نفوذها في الجنوب وأقامت وجودًا عسكريًا في مواقع استراتيجية بالقرب من الحدود الجنوبية لسوريا. والتطورات الأخيرة دليل آخر على فشل روسيا في احتواء إيران في درعا. بينما قاد الروس المفاوضات الأولية، قلبت إيران العملية بعد ذلك، مما مكن الحلفاء المحليين من السيطرة العسكرية على المحافظة.

تطورات درعا في ظل تشتت جيش النظام بين روسيا وإيران

فرضت قوات النظام، اعتباراً من 25 حزيران، حصاراً شاملاً على أحياء درعا البلد (التي يسكنها قرابة خمسين ألف نسمة)، الحصار يهدف إلى معاقبة المدنيين على التظاهرات المستمرة منذ 2018 ورفض سكان درعا البلد المشاركة في عملية التصويت. مع تصاعد الخلاف، التقت اللجنة المركزية في درعا البلد بالجنرال الروسي أسد الله، الذي هدد باقتحام الأحياء المعارضة لكنه اتفق على منع القوات المدعومة من إيران من القيام بعمل عسكري في المدينة.

وبعد عدة اجتماعات بين اللجنة المركزية والنظام، اتفق الطرفان على تسليم ما تبقى من أسلحة خفيفة لمقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر ليسوا من أعضاء الفيلق الخامس مقابل رفع الحصار المفروض على درعا البلد وإنهاء الحرب.

ومع ذلك، لم يتم تنفيذ الاتفاقية حتى الآن نتيجة العديد من العقبات التي وضعها اللواء حسام لوقا، رئيس مديرية الأمن العام، والعميد غيث دلة، قائد الفرقة الرابعة، ووزير الدفاع السوري علي أيوب (جميعهم يهدف الى السيطرة المطلقة للنظام السوري على أحياء درعا البلد بأكملها). أثار هذا الإعلان استياء الروس الذين يعرفون أن إيران تصعد الصراع وتحاول تعزيز سيطرة حلفائها المحليين بالقرب من الحدود السورية والأردنية.

ويمكن استنتاج عدة نقاط مهمة من التطورات السريعة في درعا البلد خلال الأسبوع الماضي:

أعطى عدم تدخل الروس خلال العملية العسكرية (الضربات الجوية) مقاتلي الجيش السوري الحر السابقين سهولة في الحركة. قد يفسر عدم تدخل الروس أيضًا عدم رغبتهم في تعقيد الوضع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال، وعدم مساعدة الحلفاء الإيرانيين على الأرض للتقدم بطريقة من شأنها الإضرار بالاتفاق الهش بين روسيا وتركيا هناك.

ويشير سقوط العديد من نقاط التفتيش العسكرية التابعة للنظام ونقاط التفتيش في غضون ساعات بأيدي الجيش السوري الحر السابق باستخدام الأسلحة الخفيفة فقط إلى هشاشة بنية جيش النظام في هذه المواقع. وترجع هذه الهشاشة إلى اعتمادهم على مقاتلين غير مدربين و انهيار معنويات الجنود.

كما ساهم إغلاق الطرق ومهاجمة نقاط النظام الأمنية في ريف درعا الشرقي والغربي بشكل كبير في تشتيت تركيز النظام على منطقة جغرافية محددة.

والحملة الإعلامية التي بدأت مع بداية حصار درعا البلد حرضت على ردود دولية. وأصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عدة بيانات رسمية تدين الحملة وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

تهجير قسري

الطريقة التي تعامل بها نظام الأسد مع مدينتي طفس والصنمين يمكن أن تنذر بما سيحدث في درعا البلد في الأيام المقبلة. وبعد هجوم النظام على مدينة الصنمين في آذار، تدخلت روسيا عبر الفيلق الخامس لحل الصراع وفرضت هدنة انتهت بترحيل مقاتلين إلى الشمال، وأولئك الذين بقوا اضطروا إلى تسليم الأسلحة. وفي كانون الثاني، حصل السيناريو ذاته في طفس، بعد أن طالب النظام الأهالي بتسليم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأن يتوجه الراغبون في مغادرة درعا شمالًا.

وبحسب هذا السيناريو، قد تتدخل روسيا لإنهاء الهجوم على درعا البلد، ووضع حد للعملية العسكرية، والتوقيع على اتفاق جديد. لكن التفاصيل والشروط تعتمد على حجم خسائر نظام الأسد في الأيام المقبلة. يبدو أن هذا هو السيناريو الأكثر واقعية للنظام، بالنظر إلى خسائره المتسارعة ومفاوضاته مع لجنة درعا المركزية.

المنطقة الواقعة تحت ظل الفيلق الخامس

النجاح الأخير للجيش السوري الحر سوف يمنحه اليد العليا على طاولة المفاوضات. قد تتفاوض اللجنة المركزية لوقف التصعيد في جميع البلدات والمدن مقابل وقف الحملة العسكرية ورفع الحصار ونشر حواجز للفيلق الخامس في درعا. رغم أن هذا السيناريو محتمل، إلا أنه يتطلب موافقة روسيا والأردن، ومن غير المرجح أن تقبل إيران والنظام بهذا السيناريو الذي قد يهدد سيطرتهما في الجنوب.

العودة إلى تسوية 2018

إذا لم يتدخل الروس في الأيام المقبلة لوقف الحملة العسكرية للنظام واستمر الجيش السوري الحر في الحفاظ على خط التصعيد العسكري والحفاظ على مكاسبه على الأرض، فقد يتحول النظام إلى شروط ما قبل 25 حزيران لمنع المزيد من الخسائر والأضرار.

السيناريو الأسوأ: سيطرة مطلقة من قبل النظام دون أي مصالحات أو تسوية

هذا السيناريو هو الأفضل لنظام الأسد وحليفته إيران( الغير محبذ للروس). يعتمد على شن حملة عسكرية واسعة على الحي وفرض سيطرته المطلقة، ما سيؤدي إلى حملة اعتقالات واسعة للسكان ولن يسمح لهم حتى بالفرار إلى الشمال السوري. هذا السيناريو مفضل لإيران لأنه سيخلق فراغًا كبيرًا في المنطقة يمكن أن يستغله الحلفاء المحليون على المستوى الإداري والعسكري والأمني​​، مما سيشكل تحديًا كبيرًا لروسيا فيما يتعلق بالسيطرة على الوجود الإيراني القريب من الحدود السورية والأردنية.

على المدى الطويل، سيعمل هذا السيناريو على تعزيز هشاشة الوضع الأمني ​​في المنطقة لمجموعة من الأسباب. ويشمل ذلك: زيادة الاغتيالات ضد حلفاء إيران في المنطقة. ارتفاع وتيرة الاشتباكات بين عناصر اللواء الثامن وحلفاء إيران، وزيادة في عدد الهجمات الإسرائيلية على القوات المدعومة من إيران. وخلاصة أن هذا السيناريو يعتبر الأسوأ لدرعا وأهلها لأنه لا يخدم سوى إيران وحلفائها المحليين من النظام.

المصدر: المجلس الأطلسي

ترجمة: أوغاريت بوست