ولا يعكس هذا الخلاف اللفظي مدى سوء العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا فحسب، بل يعكس أيضاً خطر المزيد من التدهور
عندما يقوم قادة قوتين عظميين عالميتين بتوجيه اللكمات الشخصية لبعضهم البعض، يصبح التبادل العلني بينهما أكثر من مجرد مشهد. ويصبح مصدرا للقلق والانزعاج.
انخرط الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حرب كلامية في الأيام الأخيرة، وبينما يسعى الرجلان لإعادة انتخابهما في مراحل مختلفة هذا العام، فإن أبعاد السياسة الخارجية لهذه الانتخابات تمتد من أوروبا إلى الشرق الأوسط والعالم والبحر الاحمر.
وعلى الرغم من فكرة أن بوتين يفضل إعادة انتخاب بايدن – كما قال يوم الأربعاء الماضي – فإن عدة أسباب تشير إلى خلاف ذلك. وأهمها الدور المحوري الذي لعبه بايدن في تحفيز الناتو وتعزيز دعمه لأوكرانيا، وتوسيع عضوية المجموعة في نهاية المطاف. تراجعت مكانة روسيا الدولية في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى العقوبات الأميركية والأوروبية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل عامين.
وعلى النقيض من بايدن، تعهد سلفه وخصمه المفترض – دونالد ترامب – بحل الصراع الأوكراني ليس من خلال الحسم العسكري، ولكن من خلال صفقة مع موسكو. كما تعهد ترامب بشكل لا لبس فيه بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أثناء ولايته. وهو الموقف الذي من الناحية المنطقية سيكون لصالح روسيا.
وهذا يعني أن اقتراح بوتين بأن موسكو ترغب في رؤية بايدن يهزم ترامب يبدو أنه تكتيك لزعزعة استقرار الإدارة الأمريكية. من المؤكد أن بايدن يعرف ذلك، خاصة وأن الحزب الديمقراطي الحاكم يحمل استياء مستمرا تجاه الكرملين لأسباب تاريخية، ويتهمه بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي أدت إلى فوز ترامب على هيلاري كلينتون.
لكن هذا لا يعني أن موسكو تنتظر بفارغ الصبر رئاسة ترامب، خاصة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بها.
وحتى عندما تشاجر بوتين لفظياً مع بايدن، حلق بوتين إلى السماء على متن قاذفة نووية حديثة تعود إلى الحقبة السوفياتية لتذكير الغرب بفاعليته في الصراعات النووية المحتملة. وردا على ذلك، حذرت الولايات المتحدة من إطلاق أسلحة نووية مضادة للأقمار الصناعية إلى الفضاء، وصنفت ذلك باعتباره تصعيدا محفوفا بالمخاطر في ديناميكيات القوة في الحرب الباردة وانتهاكا لمعاهدة عام 1967 التي تحظر نشر الأسلحة النووية في الفضاء.
ونفت موسكو أن يكون لديها أي نية لتصنيع وإطلاق أسلحة إلى الفضاء، واتهمت إدارة بايدن بـ”تلفيق خبيث” يهدف إلى الحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي على المساعدات العسكرية لأوكرانيا. في الوقت نفسه، حشد الدبلوماسيون الأمريكيون جهودهم لحشد الإدانة الدولية ضد روسيا، ولم يتواصلوا مع مجموعة السبع فحسب، بل أيضًا مع الصين والهند، وحثوهم على انتقاد موسكو بسبب تعريض الاستقرار العالمي للخطر من خلال سباق تسلح نووي محتمل في الفضاء.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية حينها فرض عقوبات على أكثر من 500 كيان وفرد، تزامنا مع الذكرى الثانية للحرب في أوكرانيا. ويمثل هذا حزمة العقوبات الأمريكية الأكثر شمولاً ضد موسكو حتى الآن. وتستهدف بعض هذه العقوبات، التي تم وضعها بالتعاون مع دول أخرى، على وجه التحديد المجمع الصناعي العسكري الروسي وشركات في دول ثالثة تسهل وصول موسكو المزعوم إلى السلع الخاضعة للعقوبات.
تحمل هذه العقوبات عواقب وخيمة على روسيا وتهدف إلى زيادة عزلتها الدولية. ومع ذلك، فإن العزلة اليوم لا تقتصر على روسيا. كما أنه يؤثر على الولايات المتحدة، ليس بسبب الحرب في أوكرانيا، بل بسبب موقف واشنطن من الصراع في غزة.
وفي اجتماع مجموعة العشرين الأخير في البرازيل، وجدت أميركا نفسها معزولة. وواجهت انتقادات لحمايتها إسرائيل من المساءلة، ولاستخدامها مرة أخرى حق النقض لمنع صدور قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وفي الاجتماع، تحدث وزراء من مختلف البلدان – بما في ذلك الدول الحليفة مثل أستراليا – بصراحة، ووجهوا انتقادات حادة لواشنطن. وأعربت البرازيل وجنوب أفريقيا، إلى جانب دول أخرى، عن عدم رضاها عن الحماية الأمريكية لإسرائيل وعن استيائها الشديد من الإجراءات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة. وكانت دول مثل إسبانيا وأيرلندا والأرجنتين من بين الدول التي أبدت الفزع والغضب أيضًا.
وتجنب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المواجهة، ورد ببساطة بالقول: “قد تكون هناك خلافات حول التكتيكات… لكننا نحاول التركيز على تحقيق النتائج فعليا”. وبالفعل، تواصل إدارة بايدن البحث عن صيغة جديدة لحل أزمة غزة، في الوقت الذي تحاول فيه إحياء حل الدولتين.
وتحمل قضية غزة أهمية أقل بالنسبة لروسيا في الوقت الحالي، حيث تظل تركز على الحرب في أوكرانيا وعلى تنافسها مع الغرب. وما يحمل ثقلاً بالنسبة لروسيا هو التأكيدات التي تلقتها من إيران، بأن عمليات الحوثيين في البحر الأحمر لن تؤثر على المصالح الروسية أو مصالح أصدقائها.
وفي خطاب يلقيه يوم الخميس، من المتوقع أن يوضح بوتين موقف روسيا الاستراتيجي وطبيعة علاقاتها مع الغرب. ومن وصفها بأنها لم تعد صديقة لموسكو، هل سيطلق عليها لقب «العدو»؟ وهذا من شأنه أن يسلط الضوء على التدهور الخطير في العلاقات وعدم وجود احتمال في الأفق لاستعادتها.
وهناك مخاوف من تصاعد التوترات ووصولها إلى مواجهة خطيرة بين الدول النووية. ويكمن الخطر بشكل خاص في انقطاع الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة.
وتتجلى الحيرة الدولية في ملفات مختلفة، أبرزها الصراع في أوكرانيا، والحرب بين إسرائيل وغزة بالنسبة للأوروبيين. ولا تركز المناقشات الجارية على إيجاد حل شامل لهذه الصراعات. إنهم يكتفون بحدود “إدارة الأزمات” والعمل من أجل “الاستقرار الدائم”، وليس من أجل تحقيق “تسوية سلمية” أو سلام مع ضمانات لا لبس فيها لأمن إسرائيل.
إن روسيا خارج نطاق بحث الولايات المتحدة عن “آلية” جديدة تقوم على خفض التصعيد والحل الدبلوماسي مع ضمانات غامضة. وبدلاً من ذلك، ينصب تركيز واشنطن على محور جديد يشمل الدول العربية المؤثرة، وخاصة تلك التي لها صلة بحماس. لقد أدركت أن إدارة بايدن تسعى إلى إجبار إيران على إقناع حماس وحزب الله والحوثيين بوقف التصعيد. وإذا نجحت، فإن فرص توسع الحرب في غزة إلى صراع إقليمي منخفضة.
في هذه الأثناء، يكمن القلق في أنه حتى مع استمرار بايدن في التعامل بحذر مع الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن حربه الكلامية مع بوتين لا تزال بلا قيود حتى الآن. وفي عام الانتخابات، يحمل هذا أهمية إضافية.
المصدر: صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية
ترجمة: أوغاريت بوست