أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – اعتبر محللون سياسيون سوريون أن مسار آستانا هو “ساحة للدول الضامنة” وهي تعمل من خلال هذا المسار على ترتيب تدخلاتها في سوريا بحسب مصالحها، مشددين على أن الأطراف الثلاث في المسار تعمل على تحقيق أهدافها في البلاد بعيداً عن “إيجاد حل سياسي للأزمة”.
وشددت تلك الأوساط على أن الشعب السوري لا صوت له في مسار آستانا ولا في اللجنة الدستورية السورية، التي تدور في حلقة مفرغة لأنها تحت الوصاية من قبل “روسيا وتركيا وإيران”، وليس للجنة الدستورية أي استقلالية.
وخلال حوار خاص مع شبكة “أوغاريت بوست” الإخبارية، تحدث المحلل السياسي الدكتور غياث نعيسة عما يمكن أن ينتج عن اللجنة الدستورية وجولة اجتماعات “آستانا” التي يتم التحضير لها، وهل هناك أي حل سياسي للأزمة السورية في المدى القريب.
وفيما يلي النص الكامل للحوار الذي أجرته “أوغاريت بوست” مع المحلل السياسي الدكتور غياث نعيسة:
هناك تحضيرات لعقد جلسة جديدة بين روسيا وتركيا وإيران في مسار آستانا، وأيضا للجنة الدستورية، ماذا يمكن أن ينتج عنها؟
اجتماعات آستانا هي ساحة الدول التي تسمى الضامنة: روسيا وتركيا وإيران. تعمل خلالها على ترتيب تدخلاتها ومصالحها فيما بينها داخل سوريا. هي أشبه بغرفة تصديق لتفاهماتها على سوريا. وهي أيضا الفسحة التي تسمح من خلالها هذه الدول إلى تنظيم خلافاتها لكي لا تصل إلى حافة المواجهة العسكرية فيما بينها.
أما اللجنة الدستورية فليست إلا انعكاس باهت لما ترغب به أو تتفق عليه. وتكرس هذه التفاهمات. وباعتبار أن دول الآستانا، لم تنجز بعد تفاهماتها عن الحل السياسي لذلك فإن اللجنة الدستورية تدور في حلقة مفرغة، لأنها تحت وصاية هذه الدول وليس لها أدنى استقلالية. وستبقى تدور في الفراغ حتى تتفق هذه الدول على صفقة فيما بينها لما يسمى الحل السياسي في سوريا. لتأتي كلا من اللجنة الدستورية وأيضا هيئة التفاوض لتبصما عليه، باعتبارهما هيئتان تابعتان لوصاية الدول الإقليمية والدولية. والشعب السوري فيهما لا صوت له.
هل تتوقعون أن يكون هناك حل سياسي للأزمة في سوريا تنهي الصراع في البلاد على المدى القريب ؟
هنالك مؤشرات على تفاهمات أكبر بين الدول الفاعلة في سوريا وبالأخص روسيا وتركيا وإيران. لا اعتقد أنها قد وصلت إلى حد صفقة متكاملة لما تراه حلاً سياسياً في سوريا. اعتقد أن روسيا تريد أن تجني ثمار تدخلها العسكري اقتصادياً وسياسياً، وإيران تريد تخفيف المواجهات مع إسرائيل وتثبيت تواجدها في سوريا، أما تركيا، فإنها تحولت إلى لاعب هام في الوضع السوري وتريد استثماره على المدى البعيد وتثبيته في صيغة النظام السياسي القادم الذي ستكون الأطراف الذي ستشكله. تركيا، آخذة بالاعتبار المطالب الروسية، بدأت تميل إلى القبول ببقاء النظام مع دمج بعض “المعارضة” التابعة لها فيه مثل الائتلاف، ولكنها في المقابل تريد ثمناً لهذا هو إجهاض تجربة الإدارة الذاتية ومنع تحرر الشعب الكردي، إذ اننا لاحظنا أنها دفعت بالأطراف الكردية القريبة منها إلى العمل على عرقلة ومحاولة إفشال الحوار الكردي- الكردي. في الوقت نفسه فإن تفاهمات ما بينها، مع الأطراف التابعة لها، ومع النظام ستقوم على أساس ليس المشاركة فقط في السلطة بل أيضا على مناهضة حقوق الشعب الكردي ومشروع الإدارة الذاتية. لذلك فإن إمكانية حصول “حل سياسي ” واردة جداً بالمعنى الذي ذكرته، ولكن هكذا حل لن يحقق الاستقرار أو الديمقراطية في بلادنا ولا الأمن والأمان للشعب السوري، وقد يفتح الباب لحروب جديدة. لأنه سيقوم على حساب مصالح الشعب السوري وطموحاته، وفي مواجهة قسم هام من السوريين في شمال وشرق سوريا قدموا تجربة فريدة رغم جو الحرب والحصار. صحيح أن غالبية السوريين قد تعبت من الحرب ومن الافقار، ولكني لا أرى حلاً سياسياً حقيقياً يستبعد فيه كل السوريين من تقرير مصيرهم بحرية ويستعيدون فيه استقلالية إرادتهم. وهو ما يتطلب توحيد عمل ورؤية كل القوى الديمقراطية واليسارية السورية في مواجهة حلولاً تفرض علينا وتدمر ما تبقى لنا من آمالنا.
دائما بعد اجتماعات آستانا يكون هناك مقايضات وتبادل مناطق بين أطراف الصراع، هل تتوقعون حدوث أي صفقة جديدة على حساب الأراضي السورية ؟
كما ذكرت سابقاً، نعم اعتقد، أن التنازلات التي ستقدم عليها تركيا، في حال تحققت، في شمال غرب سوريا وفي إطار قبولها ببقاء النظام مع بعض التعديلات فيه مثل إدراج بعض “المعارضة” التابعة لتركيا فيه، ستطالب بثمن له هو السماح لها بالعدوان، ربما المشترك مع آخرين، على مناطق الإدارة الذاتية محاولة إنهاء المشروع. هذا الخطر قائم رغم التواجد الامريكي في المنطقة، لأن أزمة الانتخابات في الولايات المتحدة تعبر عن أزمة الطبقة الحاكمة نفسها، وسينتج عنها، باعتقادي، إدارة جديدة غير مستقرة لوهلة من الزمن، هذه الفترة الطويلة من عدم الوضوح والاستقرار، قد توفر لتركيا، وغيرها فرصة للانقضاض على الإدارة الذاتية. دون أن نهمل أنه رغم الأحاديث الإعلامية المتناقضة، فإن الولايات المتحدة، لم ولن تواجه تركيا عسكرياً، لأن لها في تركيا مصالح استراتيجية أهم بكثير من سوريا. مثلما أن تركيا سترعى المصالح الأمريكية في سوريا.
أننا في سوريا، للأسباب المذكورة أعلاه، نقف على عتبات مرحلة شديدة الخطورة والتقلبات والاحتمالات، وتحتاج إلى تفكير هادئ واستراتيجي وسياسات صحيحة، أولها أن لا حليف حقيقي لنا سوى شعبنا، وشعوب العالم وقوى التحرر والسلام. وأنه بالاستناد على جماهير الشعب المنظم والواعي وقواه السياسية حينئذ يمكن لنا القيام بدور فعال في الصراع الدائر في بلادنا والمنطقة لرسم مستقبل أفضل.
مسار آستانا قلبت الأوضاع في سوريا رأساً على عقب، كيف تقيمونه ؟
آستانا، ليس إلا إطار لرسم تفاهمات وتنظيم خلافات ومصالح كل من روسيا وتركيا وإيران، وهي الدول الأكثر تدخلاً في سوريا، إضافة إلى الولايات التي أصابها الهوس بآبار النفط والنفوذ الإيراني فقط. آستانا هو الإطار الذي ترسم فيه هذه الدول مجريات الحرب والسلام في بلادنا. بغياب كامل للسوريين. ما يعطي أهمية قصوى للآستانا هو أنه باستثناء الإدارة الذاتية فإن بقية الأطراف السورية الأخرى هي تابعة لدول مثل روسيا وتركيا وإيران. ولأن الطرف “الوطني” الأهم الباقي في المشهد السوري هو الإدارة الذاتية، فإن على قيادتها السياسية التحول إلى قيادة “وطنية” لعموم سوريا والسوريين. وذلك يتطلب تحولات هيكلية فيها، اجتماعياً وسياسياً، وتحول مجلس سوريا الديمقراطية إلى منبر فعال وتشاركي حقيقي يعبر عن مطالب وطموحات كل الشعب السوري وقواه الديمقراطية واليسارية والوطنية. أنه تحدي هام ومصيري لنا جميعا. لا خيار لنا آخر إلا في انجازه وتحقيقه.
حوار: ربى نجار