كانت تركيا مرتبطة بالأزمة السورية من الناحية الجغرافية والتاريخية منذ بدايتها. ومنذ بدأت الأزمة في عام 2011، كانت تركيا الداعم الأكثر ثباتاً للمعارضة ضد نظام الأسد، حيث قدمت لها الدعم السياسي والعسكري. ونظراً لقربها من سوريا ومشاركتها الواسعة في الأزمة، لم يكن من المستغرب أن تبرز تركيا كقاعدة أساسية للمعارضة في المنفى. وقد أنشأت المعارضة أول تحالف لها في المنفى في تركيا وأجرت اجتماعاتها الأولية هناك.
بعد أن أغلقت تركيا سفارتها في دمشق، استضافت الاجتماعين الأول والثاني للمجلس الوطني السوري. كما لعبت تركيا دوراً حاسماً في تنظيم اجتماعات “أصدقاء سوريا” – وهو تحالف من الدول العربية والغربية تشكل لدعم المعارضة السورية وتسهيل إزاحة بشار الأسد عن السلطة.
خلال فترة عملي (كاتبة المقال) كمراسل دبلوماسي، قمت بتغطية العديد من هذه الاجتماعات، بما في ذلك الاجتماع المهم الذي عقد في مراكش بالمغرب في كانون الأول 2012. وقد شهد هذا الاجتماع تحول المجلس إلى ائتلاف أكثر شمولاً وشهد تعيين زعيم جديد لتمثيل المعارضة. وعلى الرغم من كونه في المراحل المبكرة من الأزمة، كان من الواضح أن هناك انقسامات عميقة داخل المعارضة. وقد تمكنت من رؤية هذا من خلال المقابلات التي أجريتها مع مختلف أعضاء المعارضة الأكراد والإسلاميين والعلمانيين، الذين كان لديهم جميعاً رؤية مختلفة لسوريا.
كانت أنقرة قد طورت علاقة وثيقة وخاصة مع المجلس الوطني السوري، الذي كان آنذاك التحالف المدني الأساسي في المنفى الذي يسعى إلى الإطاحة بالأسد، والذي يضم أعضاء متحالفين أيديولوجياً مع الحكومة التركية. ومع ذلك، امتد دعم تركيا إلى ما هو أبعد من المجلس ليشمل الجناح المسلح للمعارضة، الجيش السوري الحر، الذي أنشأ مقره في تركيا في تشرين الأول 2011.
يجب فهم نهج تركيا تجاه المعارضة السورية من منظور أوسع. في الأمد البعيد، أعاقت التنافسات بين مختلف التحالفات داخل وخارج سوريا، فضلاً عن انعدام الثقة بين الأعضاء الإسلاميين والعلمانيين في المجلس، فعالية تركيا في تمكين المعارضة. وفي انتظار التمويل والاعتراف السياسي من المجتمع الدولي، تنافست شخصيات المعارضة والفصائل في المنفى على المكانة والموارد بدلاً من التوحد تحت راية مشتركة. والآن، بعد سنوات عديدة، لا تزال المعارضة السورية تفتقر إلى قيادة سياسية يمكن أن تكون فعالة ضد نظام الأسد، الذي تم تمكينه بشكل مباشر وغير مباشر. وقد التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان هذا الشهر بممثلي جماعات المعارضة السورية الرئيسية في أنقرة لمناقشة الحل السياسي للحرب. وكان من بين القادة الحاضرين هادي البحرة من المجلس الوطني السوري، وبدر جاموس من لجنة المفاوضات السورية، التي تأسست في عام 2016، وعبد الرحمن مصطفى من الحكومة السورية المؤقتة. ويمكن النظر إلى هذا الاجتماع في سياق المحادثات المحتملة بشأن التطبيع التركي السوري، مع محاولة أنقرة طمأنة جماعات المعارضة السورية بأنها لن تتخلى عنها حتى لو تم تطبيع العلاقات مع دمشق. إن تركيا لا تزال بحاجة إلى دعمهم في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، وخاصة بعد الاضطرابات الأخيرة.
وأشار فيدان إلى أن تركيا تشجع الحوار بين الحكومة والمعارضة، ولكنها لا تستطيع إجبار المعارضة على القيام بذلك. فالمعارضة لا تزال ضعيفة للغاية بحيث لا تستطيع تركيا أن تقدم نفسها بفعالية ضد الأسد.
منذ البداية، كانت المعارضة مجزأة للغاية، الأمر الذي لم يقوض سياسة تركيا في تعزيز المعارضة فحسب، بل أدى أيضًا إلى جرها بشكل متزايد إلى صراعات داخلية بين الجماعات السورية. ومع ذلك، فإن فشل المعارضة ليس خطأها وحدها. فقد ساهمت الخلافات بين الداعمين الإقليميين للمعارضة والتنافسات بين الجهات الفاعلة العالمية التي تدعم إما المعارضة أو النظام في هذا الفشل الواضح.
لقد أعاقت ثلاثة أوجه قصور رئيسية جهود المعارضة السياسية لإنشاء كتلة كبيرة ومستقلة يمكن أن تكون فعالة ضد نظام الأسد: التمثيل الضعيف، والاعتماد المفرط على الجهات الفاعلة الخارجية، وتراجع أهمية العملية السياسية. وقد أدى هذا أيضًا إلى تقليص ثقة السوريين في المعارضة وتقليص جاذبيتها كممثل سياسي.
إن التطبيع المحتمل بين تركيا ودمشق، نظراً لسيطرتها على أجزاء من شمال سوريا، يثير المخاوف بين جماعات المعارضة السياسية والعسكرية التي قاتلت إلى جانب الجيش التركي خلال عملياته. فقد دعمت بعض الجماعات مساعي تركيا نحو التطبيع مع نظام الأسد، في حين عارضتها جماعات أخرى، وحافظت على موقف مستقل على الرغم من نفوذ تركيا على العديد من فصائل المعارضة. ويكشف هذا الوضع عن الانقسامات بين مختلف فصائل المعارضة السورية فيما يتعلق بعملية التطبيع بين سوريا وتركيا.
إن الانقسامات القائمة داخل الفصائل المسلحة السورية ومستويات امتثالها المتفاوتة لتوجيهات تركيا تثير أيضاً تساؤلات حول قدرة أنقرة على السيطرة على هذه الجماعات في المستقبل، وخاصة إذا ما تم تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.
لقد تطورت سياسة تركيا تجاه سوريا عبر عدة مراحل على مدى السنوات الـ 13 الماضية، وهي الآن تدخل مرحلة جديدة. وتهدف أنقرة إلى فتح فصل جديد مع دمشق مع عدم التخلي عن المعارضة التي دعمتها لسنوات عديدة، وحل قضية اللاجئين سلمياً والحفاظ على “الأمن” من خلال سيطرتها العسكرية على شمال سوريا. لم تواجه أي دولة أخرى متورطة في الأزمة السورية مثل هذا الوضع المعقد. وهذه في الواقع هي المرحلة الأصعب في سياسة تركيا المتطورة تجاه سوريا لأنها وحيدة تماما في التعامل مع كل هذه القضايا ذات الصلة.
المصدر: صحيفة عرب نيوز
ترجمة: أوغاريت بوست