من عام 2014 إلى عام 2017، كردستان العراق كانت واحدة من أكثر الأماكن أمانًا في العالم، على الرغم من تقاسمها حدودًا بطول ألف كيلومتر مع داعش في العراق وسوريا، لكنها الآن تتعرض لهجوم مستمر. وقد ارتبطت الهجمات بميليشيات موالية لإيران تعهدت بطرد القوات الأمريكية.
ومع العلم أن الوجود الأمريكي في كردستان العراق هو سبب الهجمات، لكنها في الوقت عينه يضمن أمنها.
تحافظ منطقة الحكم الذاتي على علاقات جيدة مع جميع جيرانها تقريبًا. لذلك يمكن تفسير الهجمات في سياق التنافس الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران.
في الآونة الأخيرة، هاجمت خمس طائرات بدون طيار مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. سقطت طائرة بدون طيار في منطقة يقع فيها منزل مسعود بارزاني.
الهجمات تتحدى التفوق الجوي للولايات المتحدة، علاوة على ذلك، فإن قرار واشنطن بتقليص أنظمتها المضادة للصواريخ في المنطقة، قد مهد الطريق لهجمات أبعد بالطائرات المسيرة.
وعلى عكس الهجمات السابقة، فإن الهجمات الأخيرة تستهدف مناطق سكنية ومباني سياسية حساسة، كما إن استهداف القواعد الأمريكية داخل المحور الاقتصادي للعراق في الشمال، مؤشر واضح على أن الميليشيات العراقية عازمة على طرد القوات الأمريكية.
في شباط، سقطت عدة صواريخ في أربيل، وتسبب في مقتل مقاول أمريكي. في العام الماضي بسبب حادثة مماثلة، كادت الولايات المتحدة أن تبدأ حربًا مع إيران. في أواخر عام 2019 قُتل مقاول عسكري. وردت الولايات المتحدة فجر عام 2020 باغتيال قاسم سليماني. أسفر الهجوم أيضا عن مقتل أبو مهدي المهندس، القائد البارز في الحشد الشعبي.
حتى الآن، ردت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ثلاث مرات فقط. علاوة على ذلك، فإن مقتل سليماني والمهندس لم يخيف القوات الإيرانية والعراقية كما كانت تأمل واشنطن. على العكس من ذلك، شجعتهم.
صوت البرلمان العراقي على خروج الجيش الأمريكي من البلاد بعد مقتل كل من قاسم سليماني وابو مهدي المهندس. ولكن واشنطن لم تحترم قرار البرلمان. وردت الميليشيات العراقية بوابل من الهجمات على القواعد الأمريكية في أنحاء العراق. إن مقتل كبار القادة الإيرانيين والعراقيين كشف عن الضعف الأمريكي على الأرض.
تم نقل مركز الثقل العسكري والدبلوماسي لواشنطن تدريجياً إلى إقليم كردستان العراق. في أربيل، تبني الولايات المتحدة أكبر قنصلية في العالم. مما يدل على أنه على الرغم من تقليص عدد قواتها في المنطقة، إلا أنها قد تعززها في إقليم كوردستان. أقام قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني علاقات وثيقة مع واشنطن. يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي أربيل ودهوك بينما يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على محافظة السليمانية.
ويعتمد موقف الولايات المتحدة في العراق وسوريا على مساعدة الأكراد في العراق. إقليم كردستان العراق هو آخر معقل أمريكي في العراق مثله مثل روج آفا في سوريا. بوابة روج آفا الوحيدة إلى العالم الخارجي هي عبر معبر فيش خابور الحدودي الذي تسيطر عليه أربيل، وفي حال اغلاق هذا المعبر سيضعف روج آفا. لذلك، فإن طرد القوات الأمريكية من كردستان العراق سيضعف أيضًا موقعها في كل من سوريا والشرق الأوسط. كما ستدعو تركيا للقيام بمزيد من التوغلات في سوريا والعراق.
ويصارع إقليم كردستان العراق العديد من الكوارث، فالكثير منها نتج عن تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأكراد. لطالما عملت واشنطن على بناء إقليم كوردستان قوي لتحقيق التوازن في بغداد. لكنها لم تدعم الاستفتاء على الاستقلال الذي أجراه إقليم كردستان العراق في عام 2017. مما سمح للقوات العراقية بغزو مدينة كركوك الغنية بالنفط التي كان يسيطر عليها الأكراد. نتيجة لذلك، خسر حليف الولايات المتحدة 50٪ من الأراضي الذي كان يسيطر عليها. وجعل القوات العراقية أقرب إلى أربيل وغيرها من المراكز السكانية الكردية.
وعلاوة على ذلك، من دون عائدات كركوك النفطية، فإن المنطقة أصبحت عمليا رهينة لبغداد التي ترفض تمويل نفقاتها العسكرية والمدنية. لا يمكن لحكومة ضعيفة في أربيل أن تضمن استضافة الوجود الأمريكي في كردستان العراق.
ومع مرور الوقت يواجه إقليم كردستان العراق خيارين: إما الرضوخ لبغداد أو التصويت على الوجود الأمريكي مقابل الاحتفاظ بسلطته. كلا السيناريوهين يؤديان إلى نفس النتيجة، فقط هناك فارق في التوقيت.
لقد وضعت الهجمات أمن المنطقة على المحك، وهي الخدمة الوحيدة التي يمكن لإقليم كردستان العراق توفيرها لمكوناتها المحاصرة. ازدادت سبل عيشهم سوءًا خلال السنوات السبع الماضية. تنقل الطائرات بدون طيار رسالة إلى إقليم كردستان العراق مفادها أن منح الملاذ للقوات الأمريكية من شأنه أن يترك أمنها واستقرارها عرضة للخطر.
المصدر: صحيفة الجيروزاليم بوست الاسرائيلية
ترجمة: أوغاريت بوست