عندما قال الرئيس السابق، دونالد ترامب، إن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا “للاحتفاظ بالنفط” نهاية عام 2019، سارع البنتاغون لإنكار ذلك.
وأوضح المتحدث أن القوات الأمريكية بقيت في سوريا فقط لهزيمة “داعش” بشكل شامل، وأن أي وجود عسكري حول حقول النفط هو جزء من مهمة التغلب على ما يسمى بتنظيم داعش الإرهابي، بعد ذلك بعامين، تضاءلت فلول “داعش”، والقوات الأمريكية لا تزال على الأرض، ولا تزال تساعد في حماية هذا النفط .. كانت حقول النفط في شمال شرقي سوريا جزءًا من الشبكة التي استمد منها “داعش” عائدات يومية بلغت 1.5 مليون دولار.
لقد توصلت الولايات المتحدة إلى خطة بسيطة وإن كانت مشكوكًا فيها من الناحية الأخلاقية والقانونية وهي مساعدة شركاء أمريكا الأكراد على الاستفادة من النفط المحلي عن طريق إبقائه بعيدًا عن أيدي الحكومة السورية أو المجموعات الأخرى ثم المساعدة في تكريره وبيعه.
النفط ليس للأسد بل للشعب السوري
يقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، طلب عدم ذكر اسمه، للصحيفة، إن المسؤولين الأمريكيين اعتبروا النفط المنتج في شمال شرق سوريا لا يخص “الأسد”، لأن النفط ملك للشعب وليس للحكومة، وبالتالي مقابل كل برميل ساعدت الشركة في تصديره خارج سوريا، ستتلقى شركة دلتا كريسنت دولارًا واحدًا، وفقًا لاتفاقية مشاركة الإنتاج، ولكن توقفت طموحات الشركة بشكل مفاجئ حيث قررت إدارة بايدن يوم الجمعة الماضي عدم تمديد ترخيص عمل الشركة في سوريا.
أخبر مسؤولون الصحيفة، أن “دلتا كريسنت” كانت خطة الأمر الواقع للولايات المتحدة في سوريا، ومن غير الواضح الآن ما إذا كانت هناك خطة على الإطلاق، وقد يمنح قرار إلغاء ترخيص الشركة شركات النفط والغاز الروسية الفرصة للانتقال إليها.
إذن، ما الخطأ الذي حدث؟
على الطريق الواصل بين رميلان ومدينة القامشلي المجاورة بريف الحسكة شرق سوريا توجد مصافي نفط متناثرة بين القرى.. تصاعدت أعمدة الدخان في جميع الاتجاهات، تتلوى نحو السماء في منطقة سوريا التي تضم ثلاثة أرباع احتياطيات البلاد من النفط.
رميلان هي مدينة يهيمن عليها النفط، حيث تمتلك شركة “دلتا كريسنت” مكاتب و10موظفين وهناك مشاريع سكنية جديدة قيد الإنشاء والتي ستأوي عمال النفط المستقبليين بالقرب من المهاجع والمكاتب الموجودة على مشارف سلسلة من حقول النفط التي تديرها شركة نفط الجزيرة، الشريك المحلي لشركة دلتا كريسنت.
كانت الرؤية الخاصة بشركة دلتا كريسنت لمساعدة الشركاء المحليين على أن يصبحوا مستقلين مالياً، وانتزاع السيطرة على قطاع النفط في البلاد من “الأسد”، حيث ستكون الريادة التي من شأنها أن تساعد أهداف أمننا القومي، بحسب مسؤول أمريكي سابق.
كان من الواضح أن موظفي دلتا كريسنت كانوا متحمسين للوصول إلى الخطوة التالية قالوا إنهم على وشك إتمام العقود مع المصدرين، وقالوا إن الشركة تنتظر ترخيصًا لاستيراد أجهزة مراقبة آبار النفط الرقمية التي ستصل إلى شمال شرقي سوريا في منتصف نيسان / أبريل.
كان المؤسسون يأملون في أن تعبر الشاحنات التي تحمل الخام المحلي، والتي يتم تصديرها من خلال العقود التي تفاوضوا عليها، إلى إقليم أكرادستان العراق قريبًا.
يقول جون دورييه وهو أحد مؤسي دلتا كريسنت، أن الشركة حصلت على عقود بنحو ملياري دولار لبيع نفط شرق سوريا إلى مشترين دوليين، لكن المديرين التنفيذيين في صناعة النفط الإقليمية قالوا لصحيفة ديلي بيست إن ذلك أمر غير مرجح.
قال مسؤول عسكري أمريكي كبير سابق عمل في المنطقة للصحيفة إن الولايات المتحدة دربت بنشاط قوة داخل قوات سوريا الديمقراطية لمهمة حماية الحقول التي تعمل فيها دلتا كريسنت.
كما يتألف فريق “البنية التحتية البترولية الحرجة” كما هو معروف للمسؤولين العسكريين الأمريكيين من 200 مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية وهم يقومون الآن بدوريات مشتركة مع القوات الأمريكية التي تزور المنشآت النفطية 3 إلى 5 مرات في الأسبوع “لتقييم الدفاعات”، وفقًا لآخر تقرير صادر عن كبير المفتشين العامين بوزارة الدفاع.
أدى هذا الدعم العسكري إلى إعادة بعض الثقة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية بعد انسحاب ترامب المفاجئ عام 2019، كما سمح الدعم لقوات سوريا الديمقراطية بالتقدم نحو الاكتفاء الذاتي المالي وتعزيز قدراتهم للدفاع عن أراضيهم من خلال توفير أمن إضافي مما أدى إلى ظهور جهاز سياسي وجيش داخلي أقوى، لكنها لم تساعد في قطع اعتماد شمال شرق سوريا على الحكومة من خلال إدخال مصادر جديدة للإيرادات.
منذ كانون الثاني / يناير عندما حاولت دلتا كريسنت فتح معبر حدودي إضافي بين العراق وسوريا في بلدة اليعربية وفشلت في ذلك، بدأ المسؤولون داخل قوات سوريا الديمقراطية وإدارة بايدن بفقدان ثقتهم بالشركة الأمريكية. في غضون ذلك، قادت الحكومة السورية حملة دعائية ناجحة لإقناع السوريين بأن الأمريكيين موجودون هناك لسرقة نفط البلاد.
يقول رئيس المخابرات لاهور طالباني، لصحيفة ديلي بيست إن حماية الأصول النفطية كانت منذ فترة طويلة ذريعة وسبب “لبقاء القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا”.
ويقول طالباني لصحيفة الديلي بيست: “كان مظلوم عبدي يتحدث عن هذا الأمر مع وزارة الخارجية وقد تواصلوا معنا قبل ذلك بكثير، كانت وزارة الدفاع تسأل أيضًا عما إذا كان بإمكاننا مساعدتهم بمصفاة لتكرير الوقود هناك حتى نتمكن من جلب بعض الشركات، كان هذا قبل عام من الإعلان عن سحب القوات الأمريكية”.
سلسلة من المواقف المستحيلة
وجدت دلتا كريسنت نفسها الآن في بوتقة، عالقون بين حكومات أجنبية معادية وحكومة سورية وقوات محلية فاسدة.
شيء واحد هو الواضح، لم يعتقد أحد في سوريا أن الأمريكيين لديهم استراتيجية متماسكة طويلة المدى. قال مسؤول أمريكي مطلع على الأمور في البلاد إن حالة عدم اليقين “خلقت لعبة من الغموض بين جميع الأطراف”.
كما قال أحد المسؤولين للصحيفة “إن هذا التردد تم استغلاله من قبل القوات الإيرانية والروسية في المنطقة التي لا تعيش في بيئة سياسية غامضة” .. وفي معارضة مباشرة للمصالح الأمريكية، عملت روسيا على حماية سوق النفط للحكومة السورية، وفقًا لأشخاص في روجافا يعملون في قطاع النفط، فعلوا ذلك من خلال توفير الدعم الأمني واللوجستي لحسام القاطرجي.
قال مسؤولون أميركيون إنه بدون قطع رسمي للتجارة بين منطقة شمال شرقي سوريا والحكومة السورية، ستكون شمال شرق سوريا مدينة تابعة للأسد، لكن لا يمكن لقوات سوريا الديمقراطية الاعتماد على الولايات المتحدة أيضًا.
تقول أحد المصادر المطلعة على المشاريع الدولية في المنطقة أن “مركز الثقل قد تحول” من بناء منطقة أمنية إلى بناء اقتصاد، لا تزال مناطق شمال شرقي سوريا تعتمد على مهندسي من الحكومة وقدراتها التكريرية للديزل وغاز الطهي.
بصرف النظر عن القوى المعادية لأمريكا مثل روسيا وإيران، فشل الحلفاء المحتملون أيضًا في مساعدة خطة النفط طويلة المدى.
معوقات اكراد العراق
عندما سعت شركة دلتا كريسنت للتوسط في ترتيب جديد بين المناطق الأكرادية المجاورة، رفض رئيس حكومة إقليم أكرادستان في شمال العراق إعادة التفاوض بشأن تجارتها غير المشروعة مع شمال شرق سوريا، كما كان منصور البرزاني، يعمل على تقويض عملية الشركة.
وبحسب المطلعين على المفاوضات، قرب نهاية عام 2020، زادت مصفاة لاناز التي يسيطر عليها بارزاني من قدراتها على تكرير المزيد من النفط ذي النوعية الرديئة من روج آفا .. دفعت ما يقارب من 19 دولارًا للبرميل وضمته إلى خط الأنابيب المتجه إلى تركيا. لكن بارزاني أراد 70 في المائة من الدخل من نفط شمال شرق سوريا، الأمر الذي رفضته الشركة الأمريكية.
قال مسؤول في حكومة إقليم أكرادستان مطلع على الاجتماع لصحيفة ديلي بيست: “يتم جني الملايين من الدولارات على أساس يومي على تلك الحدود”.
يقول المقربون من قيادة قوات سوريا الديمقراطية إن مظلوم عبدي ومساعديه كانوا يحذرون من الاعتماد الكامل على الدعم الأمريكي، وعلى دلتا كريسنت بشكل مباشر، حيث لا يزالون غير متأكدين مما إذا كان أي منهما يمكن أن يساعدهم في تحقيق مزيد من الاستقلال عن الحكومة السورية.
أعربت الأطراف المهتمة الساعية الى اعفاء كامل مناطق شمال شرقي سوريا من العقوبات الأمريكية عن إحباطها من الولايات المتحدة، لكن الأخيرة أعفت فقط شمال شرق سوريا في مجال النفط.
حدود سوريا تخضع لسيطرة دول ومجموعات مختلفة، ولكن داخل الحكومة السورية، أصبح السكان الآن إلى حد كبير موالين للحكومة، سواء باختيارهم أم لا، حتى داخل مناطق شمال شرق سوريا، يتوقع الكثيرون عودة الحكومة.
المصدر: صحيفة الديلي بيست الأمريكية
ترجمة: اوغاريت بوست