دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

شرق الفرات ومنبج .. الواقع والتحديات

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – تواجه مناطق شرق الفرات ومنبج، تحديات جمة من مختلف الجوانب، بعد انتزاعها من سيطرة تنظيم داعش الارهابي وتتمثل هذه التحديات بالوضع الأمني والاستقرار، والبنية التحتية شبه المدمرة في بعض المناطق. ولعل التحدي الأبرز يتمثل في الواقع السياسي؛ مع تركيبتها الاجتماعية والسكانية ذات البنية العشائرية، ورفض الأطراف التي تحيط بها لإدارتها الحالية، وفي مقدمتها تركيا، في حين يسعى سكان هذه المناطق أن يكون لهم دور في سوريا الجديدة إما عبر مجلس سوريا الديمقراطية أو حزب سوريا المستقبل الذي ينشط بكثافة في تلك المناطق.

مع هزيمة تنظيم داعش الارهابي على الأرض، والقضاء على ما أسماه التنظيم “دولة الخلافة”، برزت تحديات كبيرة في المناطق التي انتزعت السيطرة منه في سوريا، لاسيما مناطق شرقي نهر الفرات ومنبج التي تدار من قبل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ والتي ترفضها مختلف القوى والأطراف التي تحيط بها، سواء تركيا أو الحكومة السورية.

غُيبت تلك المناطق سياسياً واجتماعياً خلال سيطرة التنظيم عليها، ورغم تعدد مكوناتها، إلا أن اللون الواحد كان سائداً، بل قضى التنظيم الارهابي حتى على خصومه من العشائر، والتي تشكل الأساس في التركيبة الاجتماعية هناك، ومع إعلان قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي ضد داعش، الحرب على التنظيم، انضم أغلب أبناء تلك العشائر إلى صفوف قسد، ووصل عددهم تباعاً خلال انتزاع سيطرة داعش من مدتهم وبلداتهم، إلى ما يقارب 20 ألفاً، بحسب احصاءات غير رسمية.

بعد إنهاء سيطرة التنظيم في تلك المناطق ذات التركيبة السكانية العشائرية، تم تشكيل مجالس مدنية لاستلام إدارة تلك المناطق، بدعم من الإدارة الذاتية، ومجلس سوريا الديمقراطية، وانضمت لاحقاً إلى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي تدير عموم مناطق شمال وشرق سوريا المحررة من داعش.

وضمنت هذه المناطق المحررة من داعش ممثلين سياسيين لها في الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى أن مجلس سوريا الديمقراطية وحزب سوريا المستقبل الذي ينشط بقوة في تلك المناطق، وأحزاب سياسية أخرى.

مـــنـــبـــج

خرجت منبج من سيطرة الحكومة السورية منتصف عام 2012، وسيطرت عليها فصائل المعارضة. وبعد أقل من عام سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي، لتفرض واقعاً جديداً في مختلف مفاصل الحياة، وفي آب/أغسطس 2016 ، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، من إنهاء سيطرة التنظيم عليها.

ورغم أن منبج تعتبر من بين أفضل المناطق التي تم إنهاء سيطرة التنظيم عليها؛ لجهة تعافيها بسرعة، من آثار الحرب مقارنة بالمناطق الأخرى، من حيث توفير البنية التحتية من للقطاعات الخدمية والصحية والإدارية والتعليمية. إلا أنها تعاني من تحديات مختلفة، أبرزها الوضع الأمني والمستقبل السياسي.

فلا تزال خلايا تنظيم داعش تشكل تهديداً أمنياً جدياً، كما تتعرض لتهديدات مستمرة من قبل تركيا والمعارضة السورية إلى الجوار منها، والتي ترفض التعامل مع إدارتها الحالية.

تشرف “الإدارة المدنية الديمقراطية لمنبج وريفها” على إدارة المدينة، كما تساهم “قوى الأمن الداخلي” وقوات “مجلس منبج العسكري” في حماية المدينة، بعد انسحاب وحدات حماية الشعب منها، بناء على اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديمقراطية في وقت سابق.

أما من الناحية السياسية فكغيرها من المناطق التي كان يسطر عليها تنظيم داعش، منعت من تشكيل أطر سياسية أو أحزاب، والآن ينشط فيها مجلس سوريا الديمقراطية؛ الواجهة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى حزب سوريا المستقبل، الذي ينشط بقوة في تلك المناطق.

الـــرقـــة

يختلف الواقع في الرقة عن منبج، من حيث البنية التحتية المدمرة بشكل كامل؛ حيث استمات التنظيم في الدفاع عنها؛ كونها كانت عاصمة لدولته، كما أن التركيبة السكانية فيها هي ذات طابع العشائري.

خرجت الرقة عن سيطرة القوات الحكومية، في آذار 2013، وسيطرت عليها المعارضة السورية ثم “جبهة النصرة”، ولاحقاً فرض تنظيم داعش الارهابي سيطرته على المدينة ما دفع غالبية السكان إلى المغادرة.

أخذت معركة انتزاع الرقة من سيطرة التنظيم زخماً كبيراً وشكلت بؤرة للصراع العالمي؛ كون التنظيم أعلنها عاصمة له، كما أن مختلف الأطراف المتصارعة في سوريا، كانت تتسابق في السيطرة عليها، وفي مقدمتها القوات الحكومية، وتركيا؛ عبر فصائل المعارضة.

وبعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها بدعم من التحالف الدولي، شكلت فيها وكغيرها من المناطق الخارجة عن سيطرة التنظيم إدارة مدنية، ضمت إلى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

ولعل أبرز التحديات التي تواجهها الرقة وإدارتها أيضاً أنها مدمرة بشكل كامل. كما أن البنية العشائرية لتلك المنطقة وولاءاتها المختلفة بين القوى المتصارعة في سوريا، يخلق واقعاً من عدم الاستقرار، أضف إلى ذلك التحدي الأمني المتمثل بخلايا تنظيم داعش المنتشرة بكثرة في بعض جيوبها.

أما من الناحية السياسية، فقد خلّف غياب الحركة السياسية فيها خلال سيطرة التنظيم، فراغاً سياسي شبه كامل، باستثناء بعض التنظيمات التي تشكلت خارجها، والآن ينشط فيها حزب سوريا المستقبل الذي أعلن عن تأسيسه في مدينة الرقة، لتكون الواجهة السياسية لهذه المناطق، على أمل المشاركة في العملية السياسية في سوريا المستقبل.

ديـــر الـــزور

هي آخر منطقة خرجت عن سيطرة تنظيم داعش الارهابي، وهي الأخرى مدمرة بشكل شبه كامل، ولم تتعافى بعد من الإرث الثقيل الذي تركه تنظيم داعش، والسيطرة الجغرافية عليها موزعة بين مجلس دير الزور العسكري؛ الذي تدعمه قسد والتحالف الدولي، فيما تسيطر القوات الحكومية على المدينة وبعض جيوب أخرى. وشكل فيها أيضا إدارة مدنية تتبع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

ويشكل التحدي الأمني إلى جانب البنية التحتية المدمرة؛ أبرز تحدياتها الحالية، أما من الناحية السياسية فينشط فيها مجلس سوريا الديمقراطية، وحزب سوريا المستقبل، الذي ينسق مع عشائر المنطقة بشكل مكثف.

الـــطـــبـــقة

مثلها مثل المناطق الأخرى التي خرجت عن سيطرة داعش شرقي الفرات، انضمت إلى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بعد تشكيل إدارتها المدنية، أما عسكرياً يديرها “مجلس الطبقة العسكري”، بالتنسيق مع قسد والتحالف الدولي، ولا يختلف واقعها عن المناطق الأخرى، لجهة التحديات الأمنية والبنية التحتية التي تدمرت بفعل المعارك مع التنظيم، إلا أنها تتعافى بسرعة من الناحية الخدمية والإدارية والتعليمية مقارنة بجارتها الرقة.

تـــل أبـــيـــض

ضُمت مع مقاطعة عين العرب (المعروفة محلياً باسم كوباني)، وشكلتا معاً “إقليم الفرات”، الذي يتبع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وشُكلت فيها أيضا “مجلس تل أبيض العسكري”، الذي ينسق مع التحالف الدولي.

ويشكل التهديدات التركية المستمرة بالدخول إليها، أبرز التحديات التي تواجهها، إلا أنها دخلت ضمن اتفاق “المنطقة الآمنة” الذي تم التوصل إليه مؤخراً بين الولايات المتحدة وتركيا، والذي يراه المراقبون “اتفاق هش”.

أما سياسيا ينشط فيه مجلس سوريا الديمقراطية، وبعض الأحزاب الكردية، وحزب سوريا المستقبل، فضلاً عن منظمات وجمعيات أخرى.

ماذا عن المستقبل السياسي لهذه المناطق ؟

تتشابه التحديات التي تواجهها المناطق التي خرجت عن سيطرة تنظيم داعش الارهابي من كلفة الحرب وثمنها الباهظ، الذي أدى إلى انهيار البنية التحتية فيها. إلى جانب ذلك التحدي الأمني المتمثل بخلايا التنظيم التي تنشط بشكل متفاوت في مختلف المناطق، فرغم القضاء على دولته الفعلية إلا أن دولته الافتراضية لازالت قائمة فضلاً عن بؤرها الإقليمية والعالمية.

والتحدي الآخر يتمثل بتهديدات الحكومة للسيطرة على تلك المناطق وضمها إليها؛ لاسيما دير الزور والرقة، فضلاً عن تهديدات تركيا التي ترفض الآن التعامل مع إدارة هذه المناطق وتعتبرها امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

أما التحدي المستقبلي الأبرز، فهو مدى قدرة الأطراف السياسية في تلك المناطق والمتمثلة بمجلس سوريا الديمقراطية، وحزب سوريا المستقبل، في تمثيل مكونات تلك المنطقة وعشائرها، في أي عملية سياسية في سوريا المستقبل.

إعداد: سمير الحمصي