دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

شرق الفرات.. حرب باردة وصراع على مستقبل سوريا

أوغاريت بوست (مركز الأخبار)- مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من سوريا أواخر العام الماضي؛ في أعقاب هزيمة تنظيم “داعش” الميدانية، احتدم الصراع بين القوى الضالعة في الأزمة السورية لبسط نفوذها وملئ الفراغ المحتمل الذي ستتركه القوات الأمريكية “شرق الفرات”
وبطبيعة الحال فإن تركيا تأتي في مقدمة الدول التي تطمح في ضم “شرق الفرات” ضمن مناطق سيطرتها الأخرى (درع الفرات وعفرين) لحسابات تتعلق بإبعاد الأكراد عن الساحة السياسية، وتثبيت دور مواليها من أطراف معارضة في سوريا المستقبل. فيما تلتقي معها شريكتيها في إطار “أستانا” روسيا وإيران بممارسة الضغط على واشنطن في تلك المنطقة كل لحساباتها الخاصة.

تتصارع في سوريا عدة أطراف إقليمية ودولية لتثبيت نفوذها

لا يخفى على أحد أن سوريا باتت ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، تتصارع فيما بينها لتوسيع وتثبيت نفوذها، في بلد أنهكته الحرب الدامية على مدار سنوات، وأضاع فيها أصحاب الأرض بوصلتهم لينوب عنهم حلفائهم المفترضين في تقرير مصيرهم.
وبرزت ذروة هذا الصراع الإقليمي والدولي على السطح، مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أواخر 2018، عن عزمه سحب الجنود الأمريكيين من سوريا، بعد ما قال أن مهمة القضاء على تنظيم “داعش” انتهت وتم الأمر.
حيث سارعت تركيا إلى الترحيب بهذا القرار واستعدادها للدخول إلى شرق الفرات لملئ الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية، واستكمال محاربة “الإرهاب” وفرض “المنطقة الآمنة” التي طالما سعت تركيا إلى إقامتها في شمال سوريا لإبعاد القوات الكردية عن حدودها.
إلا أن واشنطن أدركت على ما يبدو أنها تسرعت في قرار الانسحاب من سوريا، بعد أن قدمت توصيات القادة العسكريين الأمريكيين على الأرض، مخاطر عودة “داعش” لتنظيم صفوفه، فيما بدا أن الولايات المتحدة ستدخل في موقف حرج مع شركائها في التحالف الدولي، بتركهم حليفهم الميداني في محاربة داعش “قوات سوريا الديمقراطية “عرضة لهجوم تركي من جهة، وقوات الحكومة السورية وإيران من جهة ثانية، فضلاً عن روسيا التي تترصد للانقضاض على الثروات النفطية “شرق الفرات”.

تركيا تستعد لشن عمل عسكري “شرق الفرات” رغم اتفاق “المنطقة الآمنة” مع واشنطن

وبناءً عليه ماطلت الولايات المتحدة في قرار الانسحاب، وتوصلت مع تركيا إلى اتفاق في آب/أغسطس الماضي، أطلقت واشنطن عليها “آلية أمنية”، بينما تركيا أسمتها “منطقة آمنة” داخل الأراضي السورية على الحدود مع تركيا، وبدأ الطرفان بتنفيذ بنود الاتفاق وتسيير دوريات مشتركة على الحدود في منطقة محدودة كمرحلة أولى.
مع إنعقاد قمة أنقرة بين ثلاثي أستانا (روسيا، تركيا وإيران) في 16 سبتمبر/ أيلول، وفيما بدا أن ملف إدلب طاغ على الاجتماع، إلا أن شرق الفرات ومستقبله دخل على رأس جدول أعماله، وتوضح ذلك بالتصعيد التركي ووعيدها بشن عمل عسكري شرق الفرات، مالم تسرع واشنطن في تنفيذ مطالبها في “المنطقة الآمنة” بطول أكثر من 400 كم وعمق 32 لإعادة مليوني لاجئ سوري إليها، حسب ما صرح به الرئيس التركي أردوغان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 74 بنيويورك أواخر الشهر الماضي، فضلاً عن إبعاد قوات سوريا الديمقراطية من تلك المنطقة.

تناغم مواقف ضامني أستانا (تركيا، روسيا وإيران) حول شرق الفرات كل لمصالحها الخاصة

وتناغم موقف روسيا مع تركيا في هذا الإطار، إلى حد وصف فيه مسؤولون روس “قسد” بالانفصاليين؛ رغم أنها قبل فترة وجيزة كانت ترعى محادثات بين “قسد” والحكومة السورية للتوصل إلى تسوية في ملف شرق الفرات. في خطوة وصفه المراقبون بـ “صفقة جديدة” بين الطرفين تتداخل فيها ملفات إدلب وتل رفعت وشرق الفرات، وكذلك في إطار الضغوط على واشنطن التي ترى موسكو أن وجودها في سوريا غير شرعي، لأنها لم تنسق مع الحكومة في دمشق.
موقف إيران في ملف شرق الفرات يتناغم مع شركائها في أستانا (روسيا وتركيا) لجهة خروج القوات الأمريكية منها وكذلك تفكيك قوات سوريا الديمقراطية أو إدماجها مع القوات الحكومية، إلا أنها تختلف مع شريكتها في أستانا بضرورة عودة تلك المنطقة إلى سيطرة القوات الحكومية، حسب ما أعلن عنها وزير خارجيتها، جواد ظريف، مع إعلان تركيا عن قرب شن عمل عسكري في شرق الفرات.

مراقبون: واشنطن تدرك أهمية “شرق الفرات” في تحديد مستقبل سوريا

وفيما يبدو أن ضامني أستانا (روسيا، تركيا وإيران) متفقون حول مستقبل “شرق الفرات” إلا أن هذا التناغم يخفي صراعاً على النفوذ وتداخل في ملفات أمنية واقتصادية وسياسية، يقابلها إدراك واشنطن بأهمية هذه المنطقة في تحديد مستقبل سوريا، وبالتالي إعادة ملف الحلول السياسية المستقبلية لسوريا إلى الأمم المتحدة و”جنيف” بعد محاولة روسيا التفرد بها عبر مسار أستانا، وكذلك إبعاد إيران عن الممر الذي تسعى لإقامته لربط طهران ببيروت عبر دمشق، حسب مراقبين.
إعداد: سمير الحمصي