أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – خلال السنوات الماضية، كثيراً ما تحدثت روسيا على ضرورة مشاركة الدول العربية في عملية “إعادة إعمار سوريا”، وربطت هذه العملية “بتسريع وتيرة تعافي البلاد من نتائج الحرب” و فتح المجال أمام “النازحين واللاجئين بالعودة إلى بلادهم”، مع إنها ستفتح الباب أمام تطبيق “الحلول السياسية” و بالتالي “إنهاء معاناة الشعب السوري” المستمرة منذ ما يقارب الـ13 عاماً جراء الصراع المستمر على السلطة.
لافروف يطالب العرب بالتعاون “لإعادة الإعمار”
وخلال مشاركته في مؤتمر “الشرق الأوسط الـ13 لنادي فالداي”، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده تواصل العمل مع الدول العربية “لإعادة بناء سوريا”.
وأضاف الوزير الروسي وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الروسية “تاس”، إن بلاده تعمل مع الدول العربية على تشجيع مشاركتها بشكل أكثر نشاطًا في إعادة إعمار سوريا، مذكرًا أن دمشق عادت بالفعل إلى الجامعة العربية.
وفي حديثه عن “مسار آستانا” للحل في سوريا، قال إن المسار لايزال يعمل”، ولفت إلى أنه في “نهاية كانون الثاني الماضي، عُقد الاجتماع الدوري الحادي والعشرين في أستانا، وتم تأكيد الإجراءات المشتركة لثلاثي روسيا وإيران وتركيا، بمساعدة الدول المراقبة، بما في ذلك العراق ولبنان والأردن”.
أهداف روسيا من “إعادة إعمار” سوريا
واهتمت روسيا كثيراً بملف “إعادة إعمار سوريا” خلال السنوات الماضية، حيث سبق وأن طالب المسؤولون الروس بمشاركة عربية فعالة بهذا الملف، حيث أن لمشاركة العرب في إعادة الإعمار ضرورة كبيرة “لتحسين الأزمة الإنسانية”، وفق ما تحدث لافروف في كانون الأول/ديسمبر 2018، وناشد حينها الدول الغربية أيضاً بالاستثمار في هذه الملف.
أما في أيلول من العام نفسه، تحدث لافروف أمام “الجمعية العامة للأمم المتحدة” عن ضرورة مشاركة المجتمع الدولي في إعمار سوريا، وربط ذلك “بعودة النازحين واللاجئين من دول اللجوء”.
ومع تكرار التصريحات الروسية حول إعادة إعمار سوريا، ذكرت مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” في تقرير لها، أن لروسيا عدة أهداف من خلال الدعوى للمشاركة في “إعادة إعمار سوريا” منها “الاستفادة الاقتصادية” من خلال الاستثمارات الخارجية التي ستأتي لسوريا في حال طبق هذا الملف.
“جمع 400 مليار دولار وإحكام الأسد قبضته على السلطة”
وأشار التقرير إلى أن لموسكو “هدفين استراتيجيين” في إعادة إعمار سوريا، وهو “إعادة ربط سوريا بالأسواق العالمية”، ولفت التقرير إلى أن ذلك “سيسمح لبشار الأسد من ترسيخ حكمه بشكل أكبر على السلطة وسيبدأ بجمع مبلغ 400 مليار دولار الذي يعتبره ضرورياً لإعادة إعمار ما هدمته الحرب خلال سنوات الصراع على السلطة.
كما أن موسكو ستستفيد من تموضعها التدريجي في موقع الطرف الأساسي في عملية إعادة الإعمار السورية، وفق تقرير “كارنيغي للسلام الدولي”، حيث أن من شأن تدفق الرساميل الأجنبية إلى الاقتصاد السوري أن يؤمن العملات الأجنبية التي تشكل أهمية حيوية للشركات والأعمال الروسية.
العوائق أمام روسيا
ورأى التقرير أن موسكو تتطلع لبدء عملية إعادة الإعمار، حيث أن السياسية الروسية ستدفع للتركيز على هذا الملف في المستقبل، على الرغم من أن الموارد المادّية المحدودة المتوافرة لروسيا ورغبتها في تجنب التشنجات مع إيران، قد يقفان حائلًا أمام نجاح هذه الأجندة.
وسبق لإيران أن أبرمت العديد من الاتفاقيات والتفاهمات خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، مع مسؤولي الحكومة، وذلك في مجالات الطاقة والاتصالات ومشاريع حيوية أخرى، وذلك في مسعى من طهران بأن يكون لها نصيب من عملية إعادة الإعمار في سوريا.
وهناك عوائق كبيرة أمام تطلعات روسيا وإيران أيضاً في مشاركة العرب بعملية إعادة الإعمار في سوريا، ومنها “توقف عجلة التطبيع” وموقف الدول العربية من دمشق، حيث أن النظام الحاكم في البلاد ورغم عودته للجامعة العربية إلا أنه لم يتكسب الشرعية اللازمة بعد لانخراط العرب في هذا الملف.
ولعل الموقف الغربي من الحكومة السورية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وعقوباتها الاقتصادية على دمشق، تقف عائقاً أيضاً أمام رغبة العرب، في حال وجودها، في الاستثمار بملف إعادة الإعمار، حيث أن الغرب يشترط تطبيق المقررات الأممية للحل في سوريا وعلى رأسها القرار 2254، وحدوث الانتقال السياسي والسلمي للسلطة، حتى تقبل بالانخراط في هذا الملف.
ويعتبر ملف “إعادة الإعمار” من أولويات الأطراف المنخرطة في الازمة السورية إلى جانب السلطة الحاكمة، حيث أن ذلك سيسمح بأن تعمل شركاتها في البلاد وتسترد جزءاً من فاتورة تدخلها العسكري في البلاد لصالح النظام الحاكم وبقاءه على رأس السلطة، حيث سيطرت روسيا وإيران على أغلب الموارد والثروات السورية خلال السنوات الماضية، كجزء من تحصيلها لهذه الفاتورة التي تحدثوا عنها طويلاً.
وسبق أن قالت الأمم المتحدة، خلال اجتماع للجنة الاقتصادية التابعة لها، أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 400 مليار دولار لإعادة إعمار ما تهدم خلال سنوات الحرب، وذلك مع حضور 50 خبيراً سورياً ودولياً، فيما أن هذا الرقم ازداد جراء استمرار الصراع على السلطة بشكل أكبر، وفي حال بدء إعادة الإعمار فإن تعويض الأضرار لن تشمل “الخسائر البشرية”، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.
إعداد: علي إبراهيم